احتدام سباق الصواريخ الفرط-صوتية — الغرب متأخر

فرانك غاردنر — مراسل الشؤون الأمنية

تلألأت صواريخ جيش التحرير الشعبي تحت شمس الخريف في ساحة عرض بالعاصمة بكين، وهي تنساب ببطء أمام الجماهير على قوافل من الشاحنات العملاقة المموّهة. شديدة النحافة في ملامحها، طولها نحو 11 متراً ووزنها حوالى 15 طناً، وتحمل كل واحدة أحرف التعيين «DF‑17». كانت الصين قد كشفت للعالم عن ترسانتها من صواريخ دونغفنغ فرط‑المعدّلة في الأول من أكتوبر 2019 خلال عرض الذكرى الوطنية. الولايات المتحدة كانت على علم بتطوير هذه الأسلحة سابقاً، لكن بكين شرعت منذ ذلك الحين في تحديثها بوتيرة متسارعة.

بفضل سرعتها وقدرتها على المناورة — حيث تتجاوز سرعة الصوت بخمس مرات على الأقل — تشكّل هذه الصواريخ سلاحاً مرعباً قد يعيد رسم أساليب خوض الحروب. ولهذا السبب يتصاعد التنافس العالمي على تطويرها.

«هذا جزء واحد من الصورة الأوسع للمنافسة الجيوسياسية الناشئة بين الدول الفاعلة»، كما يقول ويليام فريّر، زميل أمن قومي في مركز الجيواستراتيجية، مضيفاً: «إنه نوع التنافس الذي لم نشهده منذ الحقبة الباردة».

روسيا، الصين، والولايات المتحدة: سباق عالمي

أثار عرض بكين تكهنات حول التهديد المتنامي الناجم عن تقدم الصين في تكنولوجيا فرط‑السرعة. اليوم تتصدّر الصين هذا الميدان، وتتبعتها روسيا، بينما تحاول الولايات المتحدة اللحاق بالركب، ولا تمتلك المملكة المتحدة منظومات مماثلة بعد.

يرى فريّر، الذي يعمل في معهد تلقى جزءاً من تمويله من شركات صناعة الدفاع ووزارات الدفاع، أن السبب في تقدم الصين وروسيا بسيط نسبياً: لقد قرّرتا منذ سنوات استثمار مبالغ ضخمة في هذه البرامج. في المقابل، أمضت كثير من الدول الغربية أجزاء كبيرة من العقدين الماضيين محاربة الإرهاب المستوحى من التطرف وما يتعلق بحروب مكافحة التمرد خارج الحدود، فبدت احتمالات الاشتباك مع خصم معادل ومتقدم تكنولوجياً آنذاك بعيدة.

«النتيجة الصافية أننا أخفقنا في إدراك الصعود الهائل للصين كقوة عسكرية»، اعترف السير أليكس يونغر عقب تقاعده من رئاسة جهاز المخابرات البريطاني سنة 2020.

دول أخرى تتقدم أيضاً: لدى إسرائيل صاروخ فرط‑سرعة من طراز Arrow 3 مصمّم لاعتراض الصواريخ، وإيران أعلنت امتلاكها صواريخ فرط‑سرعة وزعمت إطلاق واحد نحو إسرائيل خلال الحرب العنيفة التي دامت 12 يوماً في يونيو (سافر بسرعات عالية لكنه لم يكن يُعتبَر قابلاً للمناورة بما يكفي ليُدرج كصاروخ فرط‑السرعة الحقيقي). وكوريا الشمالية تطور نسخها منذ 2021 وتدّعي امتلاك سلاح عامل. الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تستثمران الآن أيضاً في هذه التكنولوجيا، كما تفعل دول أخرى مثل فرنسا واليابان.

ظهور منظومات جديدة لدى الولايات المتحدة مثل سلاح «دارك إيجل» الفرط‑سرعي يأتي في سياق تعزيز الردع. وبيّن البنتاغون أن هذا السلاح «يستحضر القوة والعزيمة لبلادنا وجيشنا ويجسّد روح وقدرة قتل مساعي الجيش والبحرية في مجال الأسلحة الفرط‑سرعية». ومع ذلك، لا تزال الصين وروسيا متقدمتين حالياً، وهو ما يثير قلق بعض الخبراء.

سريعة جداً ومندفعة وغير متوقعة

مصطلح «فرط‑السرعة» يطلق على الأجسام التي تتحرك بسرعة ماخ 5 أو أكثر (أكثر من خمسة أضعاف سرعة الصوت، أي نحو 3,858 ميلاً في الساعة). هذا يضعها في مرتبة مختلفة عن الأجسام فقط أسرع من الصوت (المتفوقة صوتياً) التي تتجاوز سرعة الصوت بمقدار أقل. وسرعتها الذاتية هي جزء من سبب اعتبارها تهديداً خطيراً.

يقرأ  أستراليا تردّ على نتنياهو مع احتدام الخلاف الدبلوماسي بشأن غزة

أسرع ما عُرف حتى الآن روسي — أفانغارد — وتُنسب إليه أرقام تصل إلى ماخ 27 (نحو 20,700 ميل في الساعة)، وإن كانت تقديرات أكثر تحفظاً تشير إلى نحو ماخ 12 (حوالي 9,200 ميل في الساعة)، ما يعادل قطع مسافة تقارب ميلين في الثانية. من حيث القدرة التدميرية الخالصة، لا تختلف الصواريخ الفرط‑سرعية كثيراً عن صواريخ كروز فوق‑الصوتية أو دون‑الصوت، لكن ما يميّزها حقاً هو صعوبة اكتشافها وتعقبها واعتراضها.

ثمّ نوعان أساسيان من هذه الصواريخ: صواريخ «الدفع‑والانزلاق» (boost‑glide) التي تعتمد على معزز صاروخي يدفعها إلى حافة الغلاف الجوي أو فوقه، ثم تنزلق نحو الهدف بسرعات هائلة، وتتميز بمدى تحرّك غير منتظم مقارنة بمسار القذائف الباليستية التقليدية المنحني. والأخرى: صواريخ كروز فرط‑السرعة التي تسير متقاربة جداً من سطح الأرض لتجنب الرادارات، وتُسارع بواسطة معزز صاروخي ثم تُفعّل محرك «سكرامجيت» الذي يأخذ الهواء من الجو أثناء الطيران لدفعها صوب الهدف.

هذه منظومات «ذات استخدام مزدوج» — حيث يمكن تحميلها برؤوس نووية أو تقليدية متفجرة عالية القوة. لكن كون السلاح فرط‑السرعة وحده لا يكفي؛ فلتصنّفه القوات كسلاح فرط‑السرعة فعلياً يجب أن يكون قادراً على المناوروة في الطيران، أي تغيير مساره بشكل مفاجئ وغير متوقّع حتى وهو يقترب من الهدف بسرعات قصوى. وهذه القدرة على المناورة هي ما يجعل اعتراضه مهمة بالغة الصعوبة. خلْف الملاحظة: قدرة الاعتراض تبقى محدودة ومشكلة تقنياً صعبة. تعتمد معظم منظومات الرصد الأرضية على اكتشاف الصواريخ بعد أن تكون قد دخلت مراحل متقدمة من مسارها، لأن المقذوفات الأسرع من الصوت تستطيع الطيران تحت أفق الرادار فتتفادى الكشف المبكر وتظهر على المستشعرات عادةً في الطور النهائي من رحلة السلاح، ما يقلص فرص اعتراضها. تقول باتريتشا بازيلتشيك، باحثة مشاركة في مشروع دفاع الصواريخ لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشينطن دي سي، والذي يتلقى تمويلاً من جهات حكومية أميركية وشركات صناعة الدفاع وغيرهم، إن الحل يكمن في تعزيز الحساسات الفضائية الغربية لتجاوز قيود الرادارات الأرضية.

صورة بقايا صاروخ فرَنسيّ؟ روسي فرط صوتي من طراز “زيركون” أسقطته القوات في كييف عندما ضرب بناية سكنية في نوفمبر 2024.

في ظروف القتال الآني يواجه البلد المستهدف سؤالًا مرعبًا: هل هذه ضربة نووية أم تقليدية؟

يعلّق توم شارب، قائد سابق في البحرية الملكية ومتخصص في حرب الجوّ المضاد، بأن الصواريخ الفرط صوتية لم تغير جوهر الحرب بقدر ما غيرت الإطارات الزمنية الممكن العمل ضمنها. المبادئ الأساسية — تتبّع العدو، إطلاق النار، ومن ثم مناورة الصاروخ لاحقًا لاصطياد هدف متحرك (ما يمنح السفن أفضلية كبيرة) — لا تختلف جوهريًا عن الصواريخ الباليستية أو فوق الصوتية أو دون الصوت. والمطلوب من المدافع أن يظل يَتبّع الهدف ويحاول التشويش عليه أو تدميره، لكن الوقت المتاح أقل بكثير.

يقرأ  نعم — يمكنك التدريس من دون هواتفهكذا نفّذتُ ذلك

تشير تقارير رسمية، من بينها دراسة لخدمة الأبحاث في الكونغرس الأميركي نشرت في فبراير هذا العام، إلى أن البُنى الحالية للحساسات الأرضية والفضائية غير كافية لاكتشاف وتتبع الأسلحة الفرط صوتية.

مع ذلك، يعتقد بعض الخبراء أن الضجيج الإعلامي حول هذه الصواريخ مبالغ فيه. يقول الدكتور سيدهارت كوشال من معهد الخدمات المتحدة الملكي للدراسات الدفاعية إن السرعة والمناورة تجعلها فعّالة ضد الأهداف عالية القيمة، كما أن طاقتها الحركية عند الاصطدام تجعلها وسيلة مفيدة ضد الأهداف المحصّنة والمقابر تحت الأرض التي كان من الصعب تدميرها بالذخائر التقليدية.

ثمة تدابير دفاعية تظل ممكنة وفعّالة، كما يرى شارب. أولى هذه التدابير جعل مهمة التتبّع والكشف أصعب على المهاجم؛ فالسفن قادرة على اتخاذ إجراءات طمس موقعها ومراوغة مراكز الرصد. كما أن صور الأقمار التجارية المشوشة أو التي تتأخر دقائق معدودة تفقد صلاحيتها لتحديد الأهداف بدقة. الحصول على حلول استهداف فضائية محدثة ودقيقة بما يكفي للاستخدام الفعلي عملية معقدة ومكلفة، رغم أن تقدّمات في الذكاء الاصطناعي وتقنيات ناشئة قد تغيّر هذا الواقع مع مرور الزمن.

التهديد الروسي والصيني

الحقيقة أن روسيا والصين تقدّمتا على الغرب في بعض مجالات تطوير هذه الأسلحة. يصف بعض المراقبين برامج الصين الفرط صوتية بأنها مثيرة للإعجاب ومثيرة للقلق، بينما يحث آخرون على الحذر من المبالغات الروسية بشأن قدراتها الحقيقية.

في نوفمبر 2024 أطلقت روسيا صاروخًا باليستيًا متوسط المدى تجريبيًا على موقع صناعي في دنيبرو بأوكرانيا مستخدمة الموقع كساحة تجارب حية. ادعت كييف أن الصاروخ بلغ سرعات فرط صوتية تعادل ماك 11 (نحو 8,439 ميلًا في الساعة)، في حين أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أنه سافر بسرعة تبلغ ماك 10. ذكرت تقارير أن رأسه الحربي تكسر عمداً عند الهبوط إلى عدة مقذوفات غير متفجِّرة مُوجَّهة بشكل مستقل — أسلوب يعود إلى حقبة الحرب الباردة. أحد شهود السقوط وصف الصوت بأنه لم يكن عالياً للغاية لكن سمع عدة اصطدامات: ست رؤوس سقطت على أهداف منفصلة، وبما أنها كانت غير متفجرة لم تكن الخسائر أكبر بكثير من القصف الليلي المنتظم الذي تتعرّض له المدن الأوكرانية.

بالنسبة لأوروبا، ينبع التهديد الكامن لسكان حلف الناتو أساسًا من صواريخ روسيا، بعضها متمركز على الساحل البلطيقي في مقاطعة كالينينغراد المعزولة. ماذا لو أمر بوتين بضربات على كييف بصاروخ “أوريشنِك” مسلح برؤوس متفجرة تقليدية كاملة؟

ادعى الزعيم الروسي أن هذا السلاح سيدخل الإنتاج الضخم وأن لدى بلاده قدرة على “تحويل الأهداف إلى غبار”. وتمتلك روسيا أيضًا صواريخ أخرى تسافر بسرعات فرط صوتية؛ فقد روّج بوتين لصواريخ “خنجر” الجوية وادّعى أنها تتجاوز إمكانيات الاعتراض، رغم أن بعضها ربما لا يحقق معايير فرط الصوت الحقيقي وقد تم اعتراض كثير منها.

يقرأ  خلاصة الاجتماع في خمس نقاط

من بين أدوات القلق الروسية أيضًا “أفانغارد” فائقة السرعة والمناورة، التي قدَّمتها موسكو في 2018 واصفًا إياها بعدم القدرة على منعهما؛ لكن بعض الخبراء يرى أن الهدف الحقيقي منها ربما كان التغلب على الدفاعات الصاروخية الأميركية، وأن قدرة روسيا الإنتاجية لنظام بهذا التعقيد محدودة.

في الجهة المقابلة من المحيط الهادئ، مع احتدام المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، يشكل تزايد ترسانة الصواريخ الباليستية الصينية تهديدًا جدّيًا للوجود البحري الأميركي في بحر الصين الجنوبي وخارجه. لدى الصين أقوى ترسانة فرط صوتية في العالم، وفي أواخر 2024 كشفت عن مركبة الانزلاق الفرط صوتية الحديثة GDF-600. بحمولة تقارب 1,200 كغم، يُمكن لهذا الصاروخ حمل ذخائر فرعية والوصول إلى سرعات تقارب ماخ 7 (حوالي 5,370 ميلاً في الساعة).

“لحظة فارقة” في سعي المملكة المتحدة للحاق بالركب

تُعد المملكة المتحدة متأخرة نسبياً في هذا السباق، لا سيما ولذلك أنها إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية المزوَّدة بسلاح نووي في مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك، بدأت متأخرة لكنها تبذل جهداً للحاق، أو على الأقل للمشاركة في السباق.

في أبريل أعلن وزارة الدفاع ومختبر علوم وتكنولوجيا الدفاع (DSTL) أن علماء بريطانيين حققوا «لحظة تاريخية» بعد إتمام برنامج اختبارات كبير بنجاح.

جاء اختبار منظومة الدفع نتيجة تعاون ثلاثي بين الحكومة البريطانية والقطاع الصناعي والحكومه الأمريكية. على مدى ستة أسابيع أُجريت 233 تجربة ثابتة ناجحة في مركز ناسا لانغلي للأبحاث في ولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة.

وصف جون هيلّي، وزير الدفاع البريطاني، هذا الإنجاز بأنه «لحظة فارقة».

لكن لا يزال الطريق طويلاً: من المتوقع أن تمر سنوات قبل أن يصبح السلاح جاهزًا للاستخدام العملي.

قد لا يكون صاروخ “كينجال” فرط صوتيًا بالمعنى الدقيق، وقد تم اعتراض العديد منه، حسب التقارير.

يجادل السيد فريير بأن الغرب لا ينبغي أن يقتصر على تطوير الصواريخ الفرط صوتية فقط، بل يجب أن يركّز أيضاً على تعزيز القدرات الدفاعية المضادة لها. “في حروب الصواريخ، هناك وجهان للعملة: عليك أن تقلل من الأضرار وفي الوقت نفسه أن تمتلك القدرة على استهداف منصات إطلاق الخصم. إذا توافرت لديك كلتا القدرتين — دفاع يمكنه أن يردع بدرجة ما وهجوم مضاد — فسيكون الخصم أقل ميلاً للمغامرة وبدء الصراع.”

ومع ذلك، يظل توم شارب أكثر حذراً حيال مدى القلق الحالي. “النقطة الأساسية بشأن الفرط صوتيات” كما يقول، “هي أن جانبي المعادلة متشابهان في الصعوبة — ولا أحدهما مُتقن بالكامل حتى الآن.”

صورة العنوان: صورة مُعلَّجة صادرة عن EPA/KCNA تُظهر ما يُدّعى أنه اختبار إطلاق ناجح لصاروخ فرط صوتي كوري شمالي.

BBC InDepth هو ركن التحليل العميق في الموقع والتطبيق؛ يقدم وجهات نظر جديدة تتحدى الافتراضات وتقارير معمقة حول أبرز القضايا الراهنة، إلى جانب محتوى مثير للتفكير من BBC Sounds وiPlayer. يمكنك إرسال ملاحظاتك حول قسم InDepth عبر زر التعليق أسفل الصفحة.

أضف تعليق