ينبغي ألا تصبح نيجيريا ميدان المعركة التالي للولايات المتحدة — دونالد ترامب

في أوائل نوفمبر أعلن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب أن «المسيحية تواجه تهديدًا وجوديًا في نيجريا». وفي سلسلة منشورات على منصته، اتهم «إسلاميين متشددين» بـ«مجازر جماعية» وحذر من أن الولايات المتحدة «قد تتدخل الآن في ذلك البلد المترنح — بأسلحة مشتعلة».

تستند هذه التوصيفات إلى افتراض مألوف: أن العنف في نيجيريا يحركه الدافع الديني، وأن المسيحيين هم الهدف الرئيس لحركات إسلامية مسلحة. لكن الأحداث الميدانية تؤكد أن الصورة أكثر تعقيدًا.

في منتصف نوفمبر كشفت موجة جديدة من اختطافات المدارس مدى خطورة الوضع في أجزاء من شمال البلاد على أطفال من كلّ الأديان. ففي 17 نوفمبر اقتحم مسلحون مدرسة حكومية في ماجا بولاية كيبي وقتلوا نائبَ مديرة وخطفوا 25 طالبة؛ كانت المدرسة حكومية والضحايا فتيات مسلمات؛ فرّت إحداهن ونُقِذَ الباقون لاحقًا. وبعد أيام، في الساعات الأولى من 21 نوفمبر، هاجم مسلحون مدرسة سانت ماري الكاثوليكية في بابيري بولاية نيجَر، فاختطفوا تلامذة ومعلمين؛ فرّ بعضهم أو أُفرِج عنه، لكن كثيرين ظلوا مفقودين حتى منتصف ديسمبر، تاركين أسرًا في حالة من القلق واليأس والغضب مع تلاشي وعود السلطات.

مجملاً، هذه الهجمات لا تشكّل حملة اضطهاد ديني ممنهجة. بل إنها تتبع نمطًا يعتمده قطاعٌ واسع من شمال نيجيريا: اختطافات جماعية بغرض الفدية، تُرتكب انتقائياً وعلى أساس فرص مربحة أكثر منها على أساس انتماءات دينية.

تصريحات ترامب لا تكتفي بتشخيصٍ خاطئ فحسب؛ بل تعيد تشكيل الرواية حول الأزمة. بضعة سطور تحريضية تكفي لإعادة تصوير بلد يرزح تحت أزمة أمنيّة ومؤسسية إلى جبهة صراع حضاري، حيث يصبح الحل المفترض هو القوة لا الإصلاح.

وبمجرد تأطيرها بهذه الطريقة، تتحول نيجيريا من مجتمع بحاجة إلى حماية وإصلاح إلى ساحة معركة محتملة. لهذا التحول آثار بعيدة المدى: عندما يُوصَف العنف بأنه حرب دينية بدل أن يُفهم كجريمة منظمة، ينتقل تحميل المسؤولية إلى الخارج، وتتجه الحلول نحو العسكرة، وتبدو التدخلات الأجنبية غير المتهوّرة بل «مبررة» وأحيانًا «بطولية».

ليس هذا مسارا جديدًا. لدى القوة الأمريكية عادة تحويل أزمات أجنبية معقّدة إلى دراماتُ أخلاقية نهاية العالم، ثم العمل وفقًا للقصة نفسها. غير أن قادة الكنائس النيجيرية، الذين يعرفون الأرض والناس عن كثب، يرفضون رواية واشنطن. مطران سكوطو الكاثوليكي، ماثيو كوكاه، وهو شخصية بارزة في جهود بناء السلام في نيجيريا، حذّر من تفسير العنف كحرب دينية، مشيرًا إلى دوافع إجرامية وفشل الدولة كعوامل مركزية.

يقرأ  نصف قرن على «حرب المخدّرات» الأمريكية في ظل تهديدات ترامب — ماذا أنجزت؟

حتى المحلّلون يؤكدون أن الهجمات تطال مسلمين ومسيحيين على حد سواء، وغالبًا ما تتبع أنماطَ عصاباتٍ ولصوصية وفدية أكثر منها منطلقات عقائدية. ففي كيبي كانت الضحايا فتيات مسلمات من مدرسة حكومية داخلية؛ وفي ولاية النيجر كانت الضحايا تلاميذ ومعلمون في مدرسة تابعة لبعثة كاثوليكية. عبر زامفارا وكاتسينا وسكوطو وكادونا ونيجر وبلاتو، تُدْمَر القرى وتُهجر المزارع وتنزح السكان.

الدافع الأساسي وراء هذا العنف هو الربح والجريمة المنظمة، وليس العقيدة. الفقر المزمن، تهميش المناطق الريفية، وبطالة الشباب — حيث يعيش نحو 72 في المئة من الريفيين النيجيريين في فقر متعدد الأبعاد — تغذي استقطاب الشباب إلى شبكات إجرامية ومسلحة. كما يؤكد تحليل كوكاه: الإيديولوجيا تفسّر جزءًا ضئيلاً فقط مما يجري، فيما يهيمن سلوك إجرامي انتهازي ومنظم في مناطق تكاد الدولة أن تكون غائبة فيها. التهديد الرئيسي اليوم يأتي من شبكات «الحرّامية» المسلحة لا من حراكِ متمرِّدٍ موحّدٍ ذو دوافع أيديولوجية.

تختطف هذه الميليشيات التلاميذ وركاب الطرق للفديات، وتسرق المواشي، وتفرض الإتاوات على القرى، وتهاجم الطرق السريعة، وتتغلغل — وفق تقارير متعددة — في اقتصاد التعدين غير القانوني، غالبًا بانطلاق من قواعد غابية في الشمال الغربي.

في الوقت نفسه، لا تواجه نيجيريا تهديدًا مسلحًا واحدًا بل عدة تهديدات متداخلة: في الشمال الشرقي لا تزال بوكو حرام وفرع ولاية غرب إفريقيا التابع لداعش نشطين؛ في الشمال الغربي والشمال الأوسط تهيمن شبكات العصابات؛ وفي الحزام الأوسط تتغذى العنفُ الميليشياوي على نزاعاتٍ حول الأرض وتوتراتٍ قبلية.

النتيجة مأساوية: نزوح جماعي وموت مدنيين بمعدلات مروعة. تقدر منظمة العفو الدولية أن أكثر من 10 آلاف مدني قُتلوا في هجمات مسلحَة خلال العامين التاليين لتولي الرئيس بولا تينوبو منصبه في 29 مايو 2023. دُمِّرت أو أُخليت مئات القرى، وتوقفت آلاف المدارس، وتُسجّل في بعض مناطق الشمال الغربي هجمات أسبوعية وأحيانًا يومية. والأسوأ أن ظاهرة الخطف امتدت إلى الطرقات السريعة وممرات الركاب في محيط العاصمة أبوجا.

يقرأ  دراسة: أجهزة الاستنشاق لعلاج الربو في الولايات المتحدة تُطلق انبعاثات تعادل نصف مليون سيارةأخبار الصحة

معاملة هذه الكارثة بوصفها اضطهادًا دينيًا ليست مجرد خطأ معرفي؛ إنها خطأ ذو عواقب قاتلة. هذا التأطير الخاطئ يحوّل جريمة منظمة وانهيارًا مؤسساتيًا إلى أسطورة «حرب دينية»، فيُخفي الأسباب الحقيقية ويُمهّد لعلاجات كارثية.

من هنا تأتي أهمية اللغة: فالكلام يصنع النوايا ويحدد النتائج. عندما تُعرّف واشنطن انهيارًا داخليًا بأنه فشل أخلاقي، تتوقف نيجيريا عن أن تُرى كدولة تحتاج إلى إعادة إعمار وتبدأ في الظهور كخطر دولي ينبغي إدارته من الخارج. يتحول الاهتمام الدولي من تقوية المؤسسات المحلية إلى توظيف الضغط المالي، وأدوات القسر، والقوة العسكرية. وتصبح المجتمعات مجرد نقاط في خطاب سياسي أمريكي، ويُختزل المواطن النيجيري إلى غياب إنساني بدل أن يُعامَل كإنسان له حقوق، وتُعاد تصنيف مناطقه كـ«مناطق نزاع» بدل مناطق بحاجة لإصلاح عاجل.

حين تحدد دول قوية أزمةً ما، فإنها تلعب دورًا في تشكيل مآلاتها. والتاريخ لا يمنح طمأنة: من العراق إلى ليبيا، قادت التدخلات الأمريكية إلى دمار لا يُحصى، مخلفة مؤسسات عامة منهارة وحروبًا بلا نهاية. وكل حملة عسكرية بوُعدت بالسلام والاستقرار أنهت — مع الزمن — بمقتل آلاف المدنيين وبتحويل دولٍ بأكملها إلى أنقاض.

لو تدخلت قوات أمريكية في نيجيريا، ولو بكوادر محدودة، فستصبح تلك القوات سريعًا أهدافًا للانقضاض ومحفزات للانتقام، فتتحول القرى والمجتمعات الغابية إلى ميادين قتال محتملة. ستُضغط المجتمعات بين فكي عصابات محلية ونيران قوة أجنبية، بينما تتفتت الشبكات الإجرامية وتعيد تسميتها وتتكيّف مع ساحة القتال الجديدة. هذه هي بنية دورة الحرب: ذريعة أولًا، ثم القوة، ثم تأتي حياة المدنيين أخيرًا.

لا ينبغي لنيجيريا أن تفترض أنها بمنأى عن هذه منطق القوى الكبرى؛ فالدول لا تتحول إلى ساحات حرب بين عشية وضحاها، بل تُوصَف أولاً كفشل، ثم تُعاد تأطيرها كتهديد، قبل أن تُعامل كأهداف مقبولة.

ضعف المؤسسات في نيجيريا ليس صدفة؛ إنه نتاج عقود من حماية المصالح قبل الناس، وإهمال الشرطة والقضاء والخدمات الأساسية. بنيت أنظمة الحكم الاستعماري وما بعده لاقتصاد استخراج الموارد بدل حماية المواطنين. لعقود، وغالبًا تحت حكم عسكري، كان تأمين إيرادات النفط والسيطرة السياسية أهم من الحوكمة الفاعلة أو رفاهية العامة أو الأمن البشري. في دلتا النيجر تُرجِم هذا المنهج إلى كارثة بيئية وفقدان سبل العيش وإهمال مؤسسي — الثمن الحقيقي لحماية الثروة قبل الناس. واليوم لا تزال الدولة تُدافع عن الأصول أفضل مما تحمي الأرواح، وتعمّق عدم المساواة والتهميش التعرض المدني للمخاطر.

يقرأ  قطاع الأنمي الياباني يتوسع بنسبة 15٪ ليصل إلى 25 مليار دولار عام 2024

ومع ذلك، لا تزال أمام نيجيريا خيارات. في أواخر نوفمبر أعلن تينوبو حالة طوارئ أمنية على مستوى البلاد، وأمر بتجنيد 20 ألف شرطي إضافي كجزء من خطة توسعة، ونقل حراس VIP إلى واجهات القتال، ووافق على نشر وتوسيع حرس الأمن السري لحراسة الغابات لمطاردة العصابات والمتمردين. ما إذا كانت هذه الإجراءات ستثمر لا يعتمد على الإعلانات بل على التطبيق والاصلاح الشامل.

يجب تقوية أجهزة الشرطة والاستخبارات وإعادة توجيهها نحو حماية المجتمع، مع ضوابط وتمويل حقيقيين، لا توسيع شكلي على الورق. فقط نحو 15 في المئة من النيجيريين يثقون بالشرطة؛ وكثيرون يعتبرون رجال الأمن فاسدين أو عنيفين، ما يترك المجتمعات خائفة من المجرمين ومن أجهزة إنفاذ القانون على السواء.

تحتاج المحاكم والهيئات الرقابية المالية إلى قدرة تفكك شبكات الفدية والابتزاز كوحدات تجارية، لا أن تلاحق قادة هذه الشبكات فقط بالاستناد إلى العمليات الأمنية. وعلى الصعيد الإقليمي يجب على نيجيريا أن تدفع باتجاه تعاون جاد في تبادل المعلومات الاستخباراتية، وضبط الحدود، وعمليات مشتركة، وإلا ستظل المجموعات المسلحة تتحرك بحرية عبر الحدود تقريبًا دون محاسبة.

من واشنطن، لا تحتاج نيجيريا إلى قوات أو تهديدات؛ بل تحتاج إلى دعم لإعادة بناء المؤسسات التي تحفظ أمن المواطنين: قدرات جنائية جنائية معمقة، استخبارات قابلة للتنفيذ، تدريب، ودعم دبلوماسي يعزز سيادة نيجيريا بدلاً من أن يتجاوزها.

مع شعور نحو 61 في المئة من النيجيريين بعدم الأمان في مجتمعاتهم خلال السنوات الأخيرة، يجب أن تكون هذه دعوة يقظة وطنية للطبقة السياسية. الحل الشامل فقط هو ما يمكنه أن يضمن السلام ويحمي المجتمعات المحاصرة في الشمال.

على ترامب أن يقلّص لهجته التصعيدية. وعلى تينوبو أن يتحرك بحزم وبخطة إصلاحية واضحة. ما سيحدد مستقبل نيجيريا ليس النار الأجنبية، بل مدى قدرة مؤسساتها على إعادة البناء لحماية المواطنين لا حماية الأصول.

الآراء الواردة هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للقناة التي نُشرت فيها.

أضف تعليق