مصنع صواريخ سري أوكرانيا تُكثّف تطوير صناعتها الدفاعية المحلية

صاروخ «فلامنغو»: سلاح بعيد المدى يصنعه أوكرانيون في سرية تامة

نُقل فريق صحفي مُقنعَ العينين إلى موقع سري تُصنَع فيه إحدى أحدث أسلحة أوكرانيا. طُلب منا إطفاء الهواتف؛ هكذا تبدو درجة السرية المحيطة بصاروخ كروز الجديد «فلامنغو»، الذي يُزعم أن مداه يصل إلى نحو ٣٠٠٠ كم — ما يقرب من مدى صاروخ توماهوك الأمريكي.

التشتت وإخفاء خطوط الإنتاج باتا أسلوبَي بقاء. مصنعان تابعان لشركة Fire Point التي تصنع الصاروخ تعرَّضا بالفعل لأهداف ضرب. داخل المصنع الذي زرناه طُلب منّا عدم تصوير عناصر معمارية مثل الأعمدة والنوافذ والأسقف، كما نهيْنا عن إظهار وجوه العاملين في خط التجميع، حيث تمرّ صواريخ فلامنغو بمراحل تصنيع مختلفة.

رغم القصف، تتسارع أوكرانيا في توسيع صناعتها العسكرية. يصرّ الرئيس فولوديمير زيلينسكي على أن البلاد تصنّع الآن أكثر من ٥٠٪ من الاسلحة التي تستخدمها على الجبهات، وأن معظم ترسانتها من الأسلحة بعيدة المدى باتت صناعة محلية.

في بدايات الحرب كانت أوكرانيا تعتمد إلى حد كبير على مخزونها من العتاد السوفييتي القديم. ساعد الدعم الغربي في تحديث قدرات القوات المسلحة، لكنها اليوم تتقدّم عالمياً في تطوير منظومات غير مأهولة — روبوتات وطائرات مسيّرة. والآن تضيف الصواريخ المحلية من طراز فلامنغو بعداً جديداً لقدراتها بعيدة المدى.

إيرنا تيرخ، المدير الفني لشركة Fire Point — إحدى أكبر شركات تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ في أوكرانيا — كانت طالبة عمارة قبل أن تقرر أن تُكرّس مهاراتها لتفكيك الآلة الحربية الروسية. تقف صغيرة أمام جسم الصاروخ الضخم، وتقول إن لونه أسود الآن (خلافاً للنماذج الأولية الوردية) «لأنه يأكل النفط الروسي».

المنتج النهائي يذكّر بصاروخ V1 الألماني من الحرب العالمية الثانية: محرك نفاث كبير مُثبت على أنبوب طوله يُقاس بطول حافلة لندن. الشركة تؤكد أن الصواريخ استُخدمت في عمليات قتالية، وإنها لا تفصح عن أهداف محددة.

يقرأ  ما الذي على جدول الأعمال خلال لقاء محمد بن سلمان وترامب في الولايات المتحدة؟ — شرح إخباري

فلامنغو هو من نوع الأسلحة التي تردَّدت القوى الغربية في توفيرها. النطاق المعلن — نحو ٣٠٠٠ كم (١٩٠٠ ميلاً) — يجعل منه سلاحاً مماثلاً في المدى لصاروخ توماهوك الأمريكي الأصعب والأغلى ثمناً، والذي رفض الرئيس السابق دونالد ترامب تزويد أوكرانيا به.

في خضم الجبهات الممتدة لأكثر من ألف كيلومتر، تُعد الضربات العميقة وسيلة أساسية لتعطيل الاقتصاد الحربي الروسي وإبطاء تقدمه؛ ولأجلها تعتمد أوكرانيا بشكل واسع على الطائرات المسيّرة بعيدة المدى. وفق قائد القوات المسلحة الأوكرانية أوليكساندر سيرسكي، فإن الضربات بعيدة المدى كلفت الاقتصاد الروسي أكثر من ٢١.٥ مليار دولار هذا العام.

يقول روسلان، ضابط في قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، إن الاستراتيجية بسيطة: «تقليص القدرات العسكرية والقدرة الاقتصادية لدى العدو». وتُفيد تقارير أن القوات الخاصة نفّذت مئات الضربات ضد مصافٍ لتكرير النفط ومصانع أسلحة ومستودعات ذخيرة داخل عمق الأراضي المعادية. بالمقابل، تطلق روسيا أعداداً أكبر — بمعدل نحو ٢٠٠ طائرة من طراز شاهِد يومياً في المتوسط — في حين كان رد أوكرانيا يقارب نصف هذا الرقم، لكنها تتصاعد بسرعة.

ولا تقتصر ضربات روسيا على أهداف عسكرية؛ فالهجوم بصواريخ وطائرات مسيّرة بعيدة المدى أدّى إلى انقطاعات ضخمة في التيار الكهربائي عبر أنحاء البلاد، ما زاد معاناة المدنيين. «أود أن نطلق عدد الطائرات نفسه الذي تطلقه روسيا»، يقول روسلان، «لكننا نتسارع في التصنيع».

تتبنى Fire Point سياسات محددة في سلسلة الإمداد: قرار متعمد بشراء أكبر قدر ممكن من المكونات داخل أوكرانيا لتجنّب التأثر الخارجي. بحسب تيرخ، «نتّبع مبدأ ألا يؤثر أحد على الأسلحة التي نصنعها». لذلك تتجنّب الشركة الاعتماد على مكونات من الصين والولايات المتحدة — خشية أن يتم استهداف هذه القنوات أو إيقافها مستقبلاً.

يقرأ  من الأحياء المحلية إلى استراتيجية عالمية:أوزبكستان في مواجهة الفقر

يُلقى دينيس شتيلرمان، المصمم الرئيسي وأحد مؤسسي الشركة، بالمزيد من الواقعية: لا توجد «سلاح معجزة» يغيّر قواعد اللعبة فوريّاً، لكن «قوة التغيير الحقيقية هي إرادتنا في الفوز».

Fire Point لم تكن موجودة قبل الغزو الروسي الشامل. اليوم تصنع نحو ٢٠٠ طائرة مسيّرة يومياً؛ نماذج FP1 وFP2، التي بحجم طائرة صغيرة، نفّذت نحو ٦٠٪ من ضربات أوكرانيا بعيدة المدى. تكلف كل منها حوالي ٥٠ ألف دولار — أي أقل ثلاث مرات تقريباً من طائرة شاهِد الروسية — بينما لا تزال روسيا تصنّع نحو ٣٠٠٠ من طائراتها شهرياً.

تبقى أوكرانيا بحاجة إلى دعم خارجي في مجالات الاستخبارات والتوجيه والتمويل، لكنها تسعى بجد نحو الاكتفاء الذاتي والاستفادة من العقل والتكتيك لتعويض نقص الموارد. لم تعد الولايات المتحدة الداعم العسكري الأبرز لأوكرانيا، وقد واجهت اوروبا صعوبة بالغة في ملء الفراغ الذي خلّفته أو في معادلة مستوى الدعم السابق.

وتتسع المخاوف بشأن استمرار الدعم الأمريكي إلى نقاشات حول ضمانات أمنية أمريكية مستقبلية، وهي قضية مركزية في مفاوضات السلام الجارية. تُصف تريخ هذه المفاوضات بأنها «محادثات استسلام»، وتؤكد أن تصنيع أوكرانيا لأسلحتها بنفسها «هو الطريق الوحيد لتقديم ضمانات أمنية حقيقية».

كانت تريخ طالبة سابقة في العمارة، وتأمل أن تراقب بقية أوروبا الوضع وتستخلص الدروس. «نحن مثال دامٍ»، تقول، «من حيث الجهوزية للحرب».

ترغب في صدمتهم لدفعهم إلى التحرك، وتعتقد أنه لو تعرضت أي دولة أخرى لنفس هذا الطوفان لكانت قد سقطت بالفعل.

تقرير إضافي من فولوديمير لوزكو وكيلا هيرمانسن.

أضف تعليق