الأطباء الفلسطينيون لا يزالون يبتكرون ويقاومون وينقذون الأرواح — قطعة مطبوعة تلو الأخرى.
في ظل تدمير البنية الطبية في القطاع نتيجة حرب إسرائيل الإباديّة على القطاع المحاصر، وجد أطباء غزة حلاً مبتكرًا يمنع بتر الأطراف المتكسّرة: طباعة أجهزة طبية ثلاثية الأبعاد تعمل بطاقة الشمس لتصنيع مثبتات خارجية تعالج كسورًا معقّدة لاحقتها غارات متكررة.
تعاني المستشفيات من انقطاع متكرر للكهرباء، فاستغل الطاقم الطبي قدرات الطاقة الشمسية لتشغيل الطابعات ثلاثية الأبعاد وإنتاج قطع مُعاد تدويرها تُركّب مع قضبان ومسامير معدنية لتشكيل مثبتات خارجية منخفضة التكلفة تلائم الحالات المعقدة التي يطالعونها يوميًّا.
قال د. فاضل نعيم، استشاري جراحة العظام والمدير العام بالإنابة لمستشفي الأهلي العربي في مدينة غزة، لقناة الجزيرة إن الفريق الطبي يُصنّع مثبتات خارجية من مكوّنات مطبوعة ثلاثية الأبعاد معاد تدويرها، موضحًا أن نوعية الكسور الواردة إلى المستشفى في ظل هذه الحرب شديدة التعقيد، والمثبت الخارجي غالبًا ما يكون العلاج الأنسب.
يوضّح د. نعيم كيف تُجمَع هذه المكوّنات المطبوعة مع قضبان معدنية وصواميل وبِلات بتكلفة زهيدة، مشيرًا إلى أن التصميم مصدره مفتوح ويمكن تصنيعه محليًا بتكلفة تقل بكثير عن أكثر من 500 دولار للسِتّة الواحدة لو أُنتجت تجاريًا، وما ساهم في توسيع الإنتاج هو اعتماد الطاقة الشمسية بحيث لا وجود لقيود تشغيلية.
قاد د. نعيم المبادرة بالتعاون مع منظمة التضامن الطبي «Glia»، وأُنتجت مثبتات وفّرت إمكانية الحفاظ على أطراف عدد من المرضى الذين كان البتر وشيكًا. قابلت الجزيرة مريضًا اسمه زكريا، أحد ثلاث حالات نجت من البتر بعد تركيب مثبت محلي؛ نزح زكريا من مخيم جباليا شمال القطاع إلى دير البلّاح، وكان أول مَن نُفّذ له العلاج بعد أن تهشمت ساقه بشظايا نتيجة قصف إسرائيلي.
يقول زكريا، أثناء جلوسه في خيمته بدير البلّاح: «أُصيبت ساقي في أغسطس، ونُقلت إلى المستشفى دون رعاية كافية، وبعد أسبوعين دُخلت غرفة العمليات واستُخدم هذا الجهاز. لدهشتي، كان جهازًا صنعه الفلسطينيون». ويضيف د. نعيم عن حالته: «لا يعاني من ألم، ولا قيود في مدى الحركة، ويمكنه المشي».
من غزة قالت مراسلة الجزيرة هند خضاري إن هذه التكنولوجيا تشكّل طوق نجاة في مكان فقد شبكات الكهرباء فيه بالكامل وانهار النظام الصحي تقريبًا. «في مكان يتعرّض كل شيء فيه للتدمير، الأطباء الفلسطينيون ما زالوا يخلقون ويقاومون وينقذون الأرواح — قطعة مطبوعة تلو الأخرى»، قالت خضاري.
وأعلنت منظمة Glia في بيان صحفي أن نحو 12 مريضًا آخرين ينتظرون العلاج حاليًا، مما يعكس الحاجة الملحّة لهذه الأجهزة وتأثير الإنتاج المحلي المنقذ للحياة في ظل الحصار. ورأت المنظمة أن المشروع الذي يقوده غزة يحمل دلالات عالمية، إذ يبيّن كيف يمكن لتقنية بسيطة ومفتوحة المصدر أن تعمل في «ظروف قصوى» وتشكّل نموذجًا يمكن تكراره في مناطق النزاع والكوارث والمجتمعات المعرضة لتغيّر المناخ.
خلال الحرب دمّرت العمليات العسكرية الإسرائيلية أجزاء واسعة من غزة، وبحلول 9 ديسمبر كانت 63٪ من المستشفيات خارج الخدمة. وأفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الشهر الماضي أن 282,000 وحدة سكنية دُمّرت، ويظل نحو 1.5 مليون فلسطيني نازحًا داخل القطاع. وتجاوز عدد القتلى في غزة أكثر من 70,000 منذ انطلاق الهجوم الشامل الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر 2023.