تضارب الانتصارات الميدانية الأوكرانية مع سرديات موسكو هذا الأسبوع، إذ اصطدمت تأكيدات العاصمة الروسية بشأن حتمية النصر مع معطيات الواقع على الأرض.
استعادت أوكرانيا تدريجيًا السيطرة على أغلب مناطق مدينة كوبيانسك الشمالية بعد أن عزلت القوات الروسية داخل المدينة، ما نفى مزاعم موسكو بأنها استولت عليها بالكامل.
وفي الوقت نفسه، فشلت القوات الروسية في دحر المدافعين الأوكرانيين من مدينة بوكروفسك الشرقية، ما يقوّض رواية السيطرة الكاملة التي تبنّتها موسكو.
كما حاولت موسكو إنكار نجاح أوكرانيا في استخدام مركبة بحرية غير مأهولة تحت الماء لتلحق أضرارًا بالغة بغواصة من فئة «كيلو»، رغم وجود أدلة بصرية توضح الانفجار في مؤخرة الغواصة.
قوات أوكرانية العاملة في منطقة خاركيف الشمالية أفادت بأنها قطعت خطوط الإمداد الروسية المؤدية إلى كوبيانسك، وحاصرت طليعة تضم نحو 200 عنصر روسي داخل المدينة، ونجحت في تطهير قوات روسية من الغابات شمال المدينة في 12 ديسمبر.
وأظهرت لقطات مؤرخة جغرافيًا تقدم القوات الأوكرانية داخل المدينة في اليوم التالي واستعادتها للضاحية الجنوبية «يوفيليني»، دافعةً القوات الروسية نحو الضواحي الشمالية والغربية.
وضع الروس أصبح أكثر هشاشة مع حلول يوم الاثنين: قالت القوات الأوكرانية إنها منعت دخول تعزيزات عبر خط أنابيب غاز — تكتيك استخدمته روسيا سابقًا في حصار تشاسيف يار — وأن القوات الروسية المعزولة كانت تعتمد فقط على الإمداد عبر الطائرات المسيرة. وأكدت هيئة الأركان العامة الأوكرانية أن قواتها لا تزال تصد هجمات روسية حتى يوم الجمعة.
إلا أن وزارة الدفاع الروسية أصرت على أنها تسيطر على الوضع. إذ أعلنت يوم الاثنين أن «وحدات من مجموعة قوات زاباد تمارس سيطرة موثوقة على جميع أحياء كوبيانسك المحررة»، زاعمةً أنها تقمع محاولات أوكرانيا الدخول إلى المدينة من الجنوب.
وكتب مراسل عسكري روسي على قناة تيليغرام أن «الواقع الوحيد الواضح هو أن القوات المسلحة الروسية لا تزال تمسك بجزء من مركز وشمال كوبيانسك، لكن معظم المدينة إما في المنطقة الرمادية أو تحت سيطرة القوات المسلحة الأوكرانية».
في منتصف الأسبوع، أخبر الجنرال أوليكساندر سيرسكي قادة التحالافات رامشتاين لصالح أوكرانيا أن قواته استعادت نحو 90% من كوبيانسك. وفي الوقت ذاته في موسكو، كان وزير الدفاع أندريه بيلوسوف يقول للرئيس فلاديمير بوتين إن «العدو يحاول دون جدوى استعادة المدينة».
وعلّق أندريي كوفالينكو، رئيس مركز مواجهة التضليل في أوكرانيا، على تيليغرام بأن «وزير الدفاع الروسي بيلوسوف يواصل الكذب بشأن سيطرة روسيا على كوبيانسك. في الواقع، معظم المدينة تحت سيطرة القوات الأوكرانية التي تواصل تطهيرها من الروس، ومع ذلك يواصل جميع مسؤولّي بوتين، من [قائد الأركان فاليري] جيراسيموف الذي كان أول من كذب بشأن السيطرة، إلى بيلوسوف، الكذب بحضور بوتين نفسه».
ورفض بيلوسوف، على نحو يتناقض مع الأدلة المتاحة، تقارير فقدان السيطرة على بوكروفسك (التي تُسمّيها روسيا كراسنوارميسك) وادّعى أن روسيا على وشك حسم ميرنوهراد (ديميتروف لدى روسيا). تقع كلتا المدينتين في إقليم دونيتسك الشرقي، وتحاصرها القوات الروسية تقريبًا من الشمال والجنوب والشرق.
وقال بيلوسوف لبوتين إن «الجنود الروس يواصلون توجيه ضربات نارية للقوات الأوكرانية في ديميتروف، آخر معاقل القوات الأوكرانية في تجمع كراسنوارميسك».
وردّ سيرسكي للحلفاء بأن القوات الأوكرانية استرجعت نحو 16 كيلومترًا مربعًا في الجزء الشمالي من بوكروفسك وما يقرب من 56 كيلومترًا مربعًا غرب المدينة. وأضاف: «الإمداد في ميرنوهراد معقّد، لكن العمليات مستمرة».
رغم ذلك، ظلت موسكو متمسكة بما زعمت أنه سيطرتها الكاملة على بوكروفسك منذ الثاني من ديسمبر.
المصدر: الجزيرة
انفجارات الغواصة ومصفاة النفط
نقطة خلاف ثالثة كانت هجومًا اعتُبر الأول من نوعه في التاريخ العسكري: استخدام أوكرانيا مركبة بحرية غير مأهولة تحت الماء لضرب غواصة روسية من فئة «كيلو» يوم الاثنين (15 ديسمبر)، حيث يظهر فيديو للأسطول الروسي راسية في ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود انفجارًا هائلًا في مؤخرة الغواصة.
لاحقًا تبنّت خدمة الأمن الأوكرانية (SBU) مسؤوليّة الهجوم.
ورغم ذلك، صرّحت وزارة الدفاع الروسية بأنه «لم تتضرر أي سفينة أو غواصة ولا طواقم أسطول البحر الأسود المتمركزة في خليج قاعدة نوفوروسيسك نتيجة هذا التخريب». ونشرت الوزارة شريطًا اعتبرته لغواصة مستهدفة بدا فيه الجزء الظاهر فوق السطح سليمًا، لكن الشريط لم يظهر القسم الخلفي للغواصة.
كما حقّقت الضربات الأوكرانية بعيدة المدى نجاحات أخرى لم تعلق عليها روسيا. ففي 12 ديسمبر استهدفت أوكرانيا مصفاة نفط في ياروسلافل شمال شرق موسكو. وفي الأحد التالي شنت طائرات مسيرة أوكرانية ضربات على مصفاة أفِبسكي في إقليم كراسنودار ومستودع نفط في أوريوبينسك بمنطقة فولغوغراد، ما أدى إلى انفجارات في الموقعين، كما طالت الضربة محطة توليد كهرباء دوروغوبوجسكايا في سمولنسك.
صورة للخدمة الصحفية الرئاسية الأوكرانية تُظهر الرئيس فولوديمير زيلينسكي وهو يكرّم فردًا من اللواء الآلي الرابع عشر خلال زيارته لبلدة الجبهة كوبيانسك في 12 ديسمبر 2025.
التقارب الدبلوماسي والتصريحات الروسية
التقت فرق تفاوضية أميركية وأوكرانية لمدّة يومين في برلين يومَي الأحد والاثنين، وأعلنت موسكو أن مسؤوليها سيُطلعون الأسبوع المقبل على نتائج تلك المحادثات.
ومع أن روسيا ادعت اهتمامها بالمفاوضات الجارية من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار، فإنها في الوقت نفسه أرسلت إشارات واضحة بأنها تنوي مواصلة العمليات العدوانية العام المقبل. قال بيلوسوف بحضور بوتين إن «المهمة الأساسية للعام المقبل هي الحفاظ على وتكثيف زخم الهجوم».
وردّ بوتين بأن «البادئ في حرب 2022 ليس روسيا؛ بل كانت قوى مدمرة داخل أوكرانيا بدعم الغرب — وفي الجوهر، الغرب نفسه الذي أشعل هذه الحرب. ونحن نحاول فقط إنهاء الأمر ووضع حد له». وأضاف أن «أهداف العملية العسكرية الخاصة ستحقق بالتأكيد» وأن «روسيا ستحقق تحرير أراضيها التاريخية بالوسائل العسكرية»، ما يوحي بمساحة ضئيلة للتسوية من جهة موسكو.
وأشار نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، في مقابلة مع شبكة ABC يوم الثلاثاء إلى موقف مماثل. قال إن أوروبا واكرانيا تتوقعان «مراجعة عميقة وخاطئة للغاية» لمقترحات السلام الروسية، واستبعد التنازل عن الأراضي الأوكرانية المحتلّة.
وقال ناريشكن: «لا يمكننا بأي حالٍ المساومة على هذا الأمر، لأنه سيكون ـ من وجهة نظرنا ـ مراجعةً لعنصرٍ جوهريّ من عناصر قيام دولتنا، منصوصٌ عليه في دستورنا».
الخسائر الروسية تتجاوز قدرات التجنيد
حاولت موسكو أن تُبدي لدى الرأي العام انطباعاً بامتلاكها موارد بشرية لا تنفد لمواصلة الحرب في اكرانيا.
أفاد بيلوسوف بأن نحو 410 آلاف روسي تطوّعوا للخدمة العسكرية، متجاوزين التوقعات لعام 2025، وهو ما يعادل قرابة 32,800 مجنّداً شهرياً. وتشير بيانات الأركان العامة الأوكرانية إلى أن القوات الروسية تكبّدت متوسطاً قدره 34,600 خسارة شهرياً بين يناير ونوفمبر 2025 — مما يوحي بأن أرقام التجنيد المعلنة لا تغطي كامل معدلات الخسارة، حسب معهد دراسة الحرب في واشنطن.
اقترح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أكثرية هذه الخسائر كانت وفيات، قائلاً: «(بوتين) يبدّد نحو 30,000 حياة جندي على الجبهة كل شهر. ليس مصابين، بل 30,000 قتيل كل شهر… لدينا تسجيلات لطائرات من دون طيار تؤكد هذه الوفيات»، مخاطباً نواباً هولنديين.
وشكّك سيرسكي أيضاً في كفاية حصص التجنيد الروسية، مشيراً إلى أن «عدد القوات الروسية ظل طويلاً يقارب 710,000. ومع ذلك لم يستطع العدو رفع هذا الرقم، رغم حملات التجنيد النشطة في روسيا، لأن جنودنا يخفّضون أعداد المحتلين بألف يومياً عبر القتلى والجرحى».