بعد الهجوم الدموي في بوندي بيتش الذي خلّف خمسة عشر قتيلاً، عاد صدى مجزرة بورت آرثر عام 1996 ليطفو على السطح مجدداً، ليس فقط كذكرى مروعة بل كمحفز للنقاش الوطني حول تشديد قوانين الأسلحة وإصلاحها. تلك المجزرة قبل نحو ثلاثين عاماً دفعت أستراليا إلى اعتماد بعض أشد قوانين الأسلحة صرامة في العالم، لكن الوقائع الراهنة تُظهر أن المسافة بين التشريع والواقع لا تزال كبيرة.
خلفية موجزة
في نيسان/أبريل 1996 ارتكب مسلّح واحد مسلح ببنادق شبة آلية مجزرة في بورت آرثر بتسمانيا أودت بحياة 35 شخصاً، فتبعها برنامج حكومي واسع لسحب الأسلحة وتدميرها. بعد الهجوم الأخير على حفل يهودي في بوندي، استعاد الناشط البارز في مجال حيازة الأسلحة رولاند براون ذكريات ذلك الحدث، لافتاً إلى أوجه الشبه بين الاماكن العامة المزدحمة والسياحية وطبيعة الهجمات التي تستهدف التجمعات.
ملف ملكية الأسلحة اليوم
تقرير لمعهد أستراليا كشف هذا العام عن وجود أكثر من أربعة ملايين سلاح مملوك ملكية خاصة في البلاد، أي ما يقرب من ضعف العدد قبل عشرين عاماً، وبمعدل سلاح واحد لكل سبعة مواطنين. وتتصدر كوينزلاند قائمة الولايات من حيث عدد الأسلحة المسجلة، بينما تتفوق تسمانيا والإقليم الشمالي في عدد الأسلحة للفرد الواحد. ورغم الاعتقاد السائد بأن الأسلحة محصورة في المناطق الريفية، فإن بيانات التقرير تشير إلى انتشار واسع في المناطق الحضرية والضواحي، حيث توجد نسبة كبيرة من الأسلحة في المدن الرئيسية.
وترافقت الزيادة مع تركّز الملكية في أيدي أقل عدداً من الأشخاص؛ إذ يملك كل حامل رخصة في المتوسط أكثر من أربعة أسلحة. وهذا ما يثير قلقاً لدى دعاة تشديد القوانين، الذين يطالبون بوضع سقف لعدد الأسلحة التي يحق للشخص الواحد امتلاكها.
النقاش حول سقف لملكية السلاح
حالياً، تُعدّ أستراليا متفاوتة القوانين بين الولايات؛ فولاية أستراليا الغربية وحدها وضعت سقفاً لعدد الأسلحة المسموح بها لحامل الرخصة (بين خمسة وعشرة أسلحة بحسب نوع الرخصة ونموذج السلاح). براون يقترح تحديد سقف موحّد يتراوح بين سلاحٍ إلى ثلاثة أسلحة حسب فئة الرخصة. على النقيض، يرى توم كينيون، المدير التنفيذي لجمعية الرماة الرياضية، أن تحديد عدد الأسلحة لن يغيّر كثيراً في مواجهة هجمات متطرفة، لأن الجهات الفاعلة المقترفـة (مقترف) قد تتطرّف وتستخدم وسائل أخرى إذا لم تعبث بالبنادق.
الانتهازية الأمنية والتطرّف
يجادل مؤيدو فرض قيود أشدّ بأن الوصول إلى بنادق سريعة التحميل ومجلات كبيرة القدرة يزيد من حجم الخسائر في حال حدوث هجوم. ويشيرون إلى أن المهاجمين الذين تمّ ضبطهم أخيراً امتلك بعضهم رخص صيد وترخيص أسلحة مسجلة، وأحدهم وُجد بحوزته ستة أسلحة مسجلة. من جهة أخرى، يحثّ معارضو القيود على تركيز الجهد على مكافحة التطرف وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجهات المختصة، مؤكدين أن الاستخبارات الأفضل قد تمنع عمليات من ذلك النوع.
ثغرات في النظام الحالي
قوانين السلاح في أستراليا ليست موحَّدة تماماً عبر الولايات والأقاليم؛ لذلك توجد ثغرات عملية، مثل السماح للقُصّر بالوصول إلى أسلحة تحت إشراف في بعض الولايات (من سن عشر سنوات في الإقليم الشمالي إلى اثني عشر في ولايات أخرى)، أو اختلاف حالة حظر نوع معين من السلاح بين ولاية وأخرى. ومن الإجراءات التي أُدخلت بعد بورت آرثر: برنامج سحب الأسلحة وإتلافها، وإجراء فحوصات خلفية وتطبيق فترة تهدئة إلزامية لصفقات السلاح، وحظر الأسلحة الآلية وشبه الآلية.
الإصلاحات المقترحة حديثاً
ردّاً على حادث بوندي، عقد رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز وساسة اتحاديون اجتماعات طارئة واتُّفق على سلسلة من المقترحات، بينها:
– إطلاق برنامج وطني جديد لشراء الأسلحة واستعادتها من السوق، هو الأكبر منذ 1996؛
– تحديد سقف لعدد الأسلحة لكل حامل رخصة؛
– الحدّ من رخص “مفتوحة الأمد”؛
– ربط حق امتلاك السلاح بالجنسية الأسترالية في بعض الصيغ المقترحة؛
– تحسين آليات تبادل المعلومات الاستخباراتية عند فحص طلبات الرخصة؛
– مراجعات دورية لاحقيّة لحاملي الرخص لأن “ظروف الأفراد قد تتغير” وتؤثر على خطورتهم.
سجل وطني للأسلحة وتأخر التنفيذ
من الإصلاحات التي ظلت معلّقة طويلاً فكرة إنشاء سجل وطني للأسلحة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن مع وعود بأن يكون جاهزاً عملياً بحلول منتصف 2028. حادثة إطلاق النار في ويامبيلا عام 2022 دفعت بتسريع بعض الإجراءات، وأصبح إنشاء سجل موّحد أولوية بعد اندلاع حادث بوندي.
الصيد الترفيهي تحت المجهر
يعتبر براون أن تعريف “الصيد الترفيهي” واسع ومبهم إلى حد يسهّل الحصول على رخص، ويطالب بإلغائه أو تشديد شروطه. في المقابل، يدافع كينيون عن مساهمة الصيادين في مكافحة الحيوانات البرية الشاردة كخدمة اجتماعية مهمة، ويعرض تجربته الشخصية كصياد بدأ منذ سن مبكرة ويرى في الهواية روابط عائلية ومجتمعية.
التوازن بين الأمن والحريات
التجربة الأسترالية بعد بورت آرثر أظهرت أن حظر فئاتٍ معينة من الأسلحة وسحبها أدّى إلى انخفاض في وفيات مرتبطة بالأسلحة النارية، لكن المخاطر تبدو الآن متغيرة: أسلحة سريعة التحميل ذات مخازن صغيرة نسبياً قد تُستخدم لارتكاب عمليات سريعة ذات تأثير كبير. براون يؤكد أن المشكلة ليست السلاح وحده، بل تراكم عوامل: سوء التخزين، وانتقال الأسلحة إلى السوق السوداء، وعدم كفاية فحص مدى ملاءمة حامل الرخصة، فضلاً عن ضعف تبادل المعلومات الاستخباراتية.
ردود الفعل والمناشدات
ناجون وأسر ضحايا بورت آرثر، ومن بينهم والتر ميكايك مؤسس مؤسسة تحمل اسم بناته، رأوا في هجوم بوندي تذكيراً مُرّاً بأهمية حماية المجتمع عبر قوانين فعّالة. براون يكرر أن القوانين بحاجة لتحديث دوري لكي تستجيب لتغيّر المواقف الاجتماعية والتطورات التكنولوجية وتصحيح الثغرات المكتشفة. ويُعرب عن ألمه لأن التغيير غالباً ما يجيء بعد مآسي وكوارث، بدلاً من أن يكون استباقياً.
خلاصة
أستراليا تمثّل تجربة دولية ذات دروس متعددة: إن تشريعاً صارماً، برامجه التنفيذية وسحب الأسلحة يمكن أن يخفّضا العنف المسلّح، لكن الفعالية الدائمة تتطلّب تكاملاً بين سقوف ملكية منضبطة، سجلّ وطني موحّد، مراقبة أفضل للأشخاص، وتعاوناً استخباراتياً فعّالاً لمنع تطرفٍ قد يتحوّل إلى عنف. التحدّي الآن أن يتحول الحنق والغضب بعد المأساة إلى سياسات عملية تردع وتمنع تكرارها.