الجامعة الإسلامية في غزة تستأنف الدراسة حضورياً وسط دمار ناجم عن القصف الإسرائيلي أخبار الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

عودة الطلبة إلى الحرم: جامعة غزة بين التعليم والتشريد

عاد طلاب الجامعة الإسلامية في غزة إلى حضور المحاضرات وجهاً لوجه للمرة الأولى منذ عامين، في ظل حرم جامعي تحول إلى مأوى جماعي ومشهد من الدمار الشامل نتيجة الحرب الإسرائيلية التي وُصفت بالإبادة على القطاع المحاصر.

الجامعة، التي أعيد فتح أبوابها بعد اتفاق التهدئة في أكتوبر الماضي، تؤوي اليوم نحو 500 عائلة مهجرة تقيم داخل مبانٍ صارت شبه هياكل خاوية بفعل القصف المتواصل. منتشرة على سطوح الملاعب والأروقة خيام بدت مكان قاعات المحاضرات، مشهد صارخ يعكس أزمتين متضافرتين: أزمة السكن وانهيار منظومة التعليم.

«جئنا إلى هنا بعدما نزحنا من جباليا لأننا لم نجد مكاناً آخر»، تقول عطا سيام، أحد النازحين الباحثين عن مأوى داخل الحرم. «هذا المكان للتعليم، ليس مأوىً للأسر — هو مكان لأبنائنا ليدرسوا».

استئناف الدوام الجزئي أعاد بعض الأمل لآلاف الطلبة، رغم أن الواقع لا يشبه جامعة قائمة تعمل وفق معاييرها: انقطاع الكهرباء متكرر، نقص في المعدات، وصفوف ضيقة ومؤقتة لا تستوعب إلا حفنة من الطلاب. تذكر إحدى طالبات السنة الأولى في كلية الطب، يمنى البابا، أنها حلمت بالالتحاق بجامعة مجهزة بالكامل. «أحتاج مكاناً أستطيع فيه التركيز، مجهزاً تماماً»، تقول. «لم أجد ما تصورت هنا، لكن يبقى عندي أمل لأننا نعيد البناء من الصفر.»

تشير تقديرات اليونسكو إلى أن أكثر من 95% من مؤسسات التعليم العالي في غزة تضررت بصورة بالغة أو دمرت منذ اندلاع القتال في أكتوبر 2023. ومنظمات حقوقية محلية، مثل مركز الميزان، تحصي أرقاماً مروعة: أكثر من 750 ألف طالب بلا تعليم لمدة عامين دراسيين متتاليين؛ و494 مدرسة وجامعة تعرضت للتدمير الجزئي أو الكلي، بينها 137 مهدمة حتى صارت ركاماً؛ وآلاف الضحايا بين الطلبة والعاملين في الحقل التعليمي — من معلمين وأكاديميين وباحثين.

يقرأ  فشل استراتيجي باهر: العقوبات على إيران لم تحقق أهداف الغرب — آراء

كانت جامعة الإسراء آخر الجامعات العاملة في غزة قبل أن تُهدم على يد قوات الاحتلال في يناير 2024. أما في الجامعة الإسلامية فالأستاذة والهيئة التدريسية تضطر للارتجال: تغطية الجدران المكشوفة بألواح بلاستيكية أو أقمشة لتكوين فضاءات تعليمية مؤقتة، واستعارة مولدات لتشغيل الأجهزة الأساسية حسب قولهــم. بوجود أربع قاعات فقط تعمل بشكل فعلي، يعتمد آلاف الطلاب على هذه الترتيبات الهشّة لمواصلة دراستهم.

حذّر خبراء أمميون في أبريل 2024 من أن حجم الدمار قد يشير إلى محاولة متعمدة لتفكيك أساسات المجتمع الفلسطيني. «عندما تُدمر المدارس تُدمر معها الآمال والأحلام»، جاء في بيانهم، معتبرين أن نمط الهجمات يعكس عنفاً منظماً يستهدف البنية التحتية التعليمية.

التحديات لا تقتصر على الهياكل فقط؛ إذ أن الأسر التي تكافح لتأمين الغذاء والماء والدواء تجد صعوبة بالغة في توفير الدعم التعليمي لأطفالها. كما تعثرت مبادرات التعليم عن بعد التي أطلقتها وزارة التربية والأونروا بسبب انقطاعات الكهرباء والتشويش على الإنترنت واستمرار حالات النزوح.

ومع ذلك يصر الطلاب على الاستمرار؛ ففي ظل ما مرّ عليهم من صدمات وخسائر عائلية، يبقى العودة إلى المدرسة أولوية قصوى، فرصة لاستعادة بعض من حياة طبيعية والمضي نحو المستقبل. كما تقول يمنى البابا مجدداً: «رغم كل شيء، أنا سعيدة بحضور المحاضرات حضورياً. نحن نعيد البناء من الصفر.»

ملاحظات أخيرة: مشاهد الحرم اليوم تذكر بأن المعركة على المعرفة والتعليم في غزة لم تتوقف — إنما تغيّرت صيغتها، وتحوّلت إلى مقاومة يومية ضد محاولات المحو والطمس، فالتعليم هنا فعل استمرار وصمود. ماضلؤن على الإصرار رغم الظروف.

أضف تعليق