تُعد الهند موطناً لأحد أكثر برامج الحماية الاجتماعية طموحاً في العالم: ضمانٌ للعمل يمنح كل أسرة ريفية حقاً قانونياً في الحصول على عمل مدفوع الأجر.
أُطلق هذا الإطار في 2005 من قِبل حكومة حزب المؤتمر باسم الضمان القومي للتوظيف الريفي، ومنذ ذلك الحين صار ركيزة للاقتصاد الريفي، خاصة في بلد يعيش فيه نحو 65% من 1.4 مليار نسمة في المناطق الريفية ويعتمد قرابة النصف على الزراعة التي تؤمن دخلاً محدوداً وتساهم بنحو 16% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. ويعمل البرنامج، عبر معظم المناطق غير الحضرية، على توفير أعمال يدوية غير متخصِّصة تواكب الصدمات الاقتصادية وتدعم الطلب المحلي.
البرنامج، الذي أعيدت تسميته عام 2009 تكريماً لمهاتما غاندي، حُرِف اسمه لاحقاً وأُطلق عليه اسم جديد يعرف محلياً بجي رام جي. نصُّ القانون الأصلي على أن لكل أسرة ريفية الحق في المطالبة بما يصل إلى 100 يوم عمل مدفوع سنوياً بأجر قانوني أدنى، مع ضامن صرف بدل بطالة إذا لم تُؤَمّن فرص العمل خلال 15 يوماً. ويشكل حضور النساء والأقليات أحد أوجه العدالة في البرنامج: أكثر من نصف المستفيدين إناث، وحوالي 40% من المنتفعين ينتمون إلى الطوائف والقبائل المدرجة ضمن المجموعات الأكثر حرماناً.
من حيث التمويل، كان المركز يتحمل سابقاً نفقات الأجور والمواد بنسبة تقارب 90:10 مع الولايات؛ أما القانون الجديد فقرر تغيير آلية التمويل إلى قسمة 60:40 بين الحكومة المركزية ومعظم الولايات، مما قد يرفع حصة الولايات لتصل إلى 40% أو أكثر من تكلفة المشاريع. ورغم ذلك تحتفظ الحكومة المركزية بصلاحيات مهمة، من ضمنها إعلان نطاق البرنامج وتحديد الحصص الولائية.
الحكومة الحالية، التي اتسمت في البداية بانتقادها للبرنامج ثم ميلاً لتقليصه، لجأت إليه في أزمات، لا سيما أثناء جائحة كوفيد عندما عاد ملايين العمال من المدن إلى القرى فارتفعت الحاجة للوظائف. وتقول تحليلات اقتصادية إن البرنامج عزز الاستهلاك الريفي وخفّض الفقر وحسّن الالتحاق المدرسي وفي مناطق معيّنة دفع الأجور في القطاع الخاص إلى الارتفاع.
إلا أن التعديلات الأخيرة أثارت جدلاً واسعاً. المنتقدون—بما في ذلك أحزاب معارضة وأكاديميون وحكومات ولايات—يحذرون من أن تحديد سقف للتمويل ونقل عبء التكلفة إلى الولايات قد يقوّض حقاً قانونياً نادراً في نظام الرفاه بالهند. ويرى بعض الخبراء أن الزيادة المعلنة من 100 إلى 125 يوماً قد تكون دَلالة شكلية إن ظلّ التمويل مقيداً، مشيرين إلى تقارير تبيّن أن النسبة الفعلية للأسر التي تلقت كامل الأيام المضمونة كانت ضئيلة: تقرير لـ LibTech India وجد أن نحو 7% فقط من الأسر الريفية حصلت على الـ100 يوم في السنة المالية 2023–2024.
خطر آخر يتردد هو تمركز السلطة: ثمة بنود تسمح للحكومة المركزية بتقرير أماكن وسير تطبيق البرنامج، ما دفع بعض المراقبين لوصف التعديلات بأنها تقليص لحق الضمان وتحويله إلى سياسة تَقديرية. ومجموعة من علماء التنمية الدولية أرسلت رسالة مفتوحة تحذّر من أن تغيير نموذج التمويل قد يقوض إنجازات البرنامج واعتبرته خطأ تاريخياً إذا ما أُعيد تفكيكه.
من جهة أخرى، لم يغِب دليل الأثر الإيجابي عن المشهد: دراسات أكاديمية رصينة أظهرت فوائد ملموسة؛ دراسة بارزة لاقتصاديين أبرزت أن أثر البرنامج على مستوى الاقتصاد ساهم في رفع دخول الأسر المنتفعة بنسبة نحو 14% وخفض الفقر بنحو 26%. ومع ذلك، ظلّت تحديات التنفيذ قائمة، بما في ذلك نقص التمويل وتأخّر صرف الأجور؛ وبرنامج ولاية البنغال الغربية، على سبيل المثال، تعرّض لتخفيضات وتجميد للتمويل منذ 2022 بعد اتهامات بعدم الالتزام.
في ظل هذا الحوار العام، يبقى السؤال المركزي: هل ستؤدّي التغييرات التشريعية إلى إضعاف الضمان القانوني الذي منحته الهند لعمالها الريفيين، أم ستشكّل إعادة هيكلة حقيقية تُحسّن الفعالية والحوكمة وتوسع الحماية الاجتماعية؟ الجواب سيتوقف على التطبيق العملي وتوزيع الموارد بين المركز والولايات، وعلى ما إذا كانت الوعود النقدية والتشريعية ستتحول إلى واقع ملموس على الأرض. ان البرنامج يظل محوراُ حاسماً لأي استراتيجية تهدف إلى مكافحة الفقر ودعم سبل العيش في الهند الريفية. طالبت العمال بأجور أعلى، انخفضت عوائد الأرض، وازدادت الوظائف في القرى، وفق ما خلصت إليه الدراسة.
لكن كثيرين يرون أن استمرار هذا البرنامج يكشف عن مسأله أعمق في البنية: عجز الهند المزمن عن خلق ما يكفي من الوظائف غير الزراعية لامتصاص فائض العمالة الريفية. ظلّ القطاع الزراعي متأخِّرًا عن بقية الاقتصاد، بنمو يسجل حوالي 3% سنويًا منذ 2001–02 مقابل نحو 7% لباقي القطاعات.
ينتقد محلّون مثل نِيتِن باي من مؤسسة تاكشاشيلا، بأن البرنامج يخفف من وطأة المعاناة لكنه لا يُحسّن الإنتاجية الريفية على المدى الطويل، وربما يضعف الحوافز اللازمة لإصلاحات زراعية جوهرية. كما كتب باي على منصة X: «نحن بهذا [البرنامج] نقوم بمعالجة اختلالٍ عميقٍ بحقن المنشّطات».
يتساءل التقرير الاقتصادي للحكومة 2023–24 عمّا إذا كان الطلب ضمن البرنامج يعكس فعلاً حجم المعاناة الريفية. لو كان الأمر كذلك، لكان من المتوقع أن تُظهر البيانات زيادة في استخدام الأموال وتوظيفًا أكبر في الولايات الأكثر فقرًا والأعلى بطالة. غير أن الواقع مختلف: تاميل نادو، التي لا تمثل سوى أقل من 1% من الفقراء في البلاد، تلقت قرابة 15% من أموال البرنامج، بينما استحوذت كيرالا التي تمثل نحو 0.1% من الفقراء على ما يقرب من 4% من التخصيصات الفدرالية — فرق يثير تساؤلات.
ويضيف المسح أن حجم الأعمال المولّدة يرتبط كثيرًا بقدرات الإدارة الحكومية في كل ولاية: الولايات التي تضم كوادر مدرَّبة قادرة على معالجة الطلبات في الوقت المناسب تكون أكثر نجاحًا في توفير فرص عمل.
(صورة: سكان قرية يعملون على إحياء بحيرة ضمن البرنامج في أندرا برديش — مصدر: Hindustan Times عبر Getty Images)
ورغم هذه الشواذ، يبقى مبرر وجود البرنامج قويًا في بلد يعتمد فيه كثيرون على أعمال ريفية منخفضة الدخل، حيث التحدي الأعمق يكمن في ندرة الوظائف النوعية. وحتى مؤشرات المشاركة العمالية المرتفعة قد تخدع: ازدياد عدد الأشخاص «الذين يعملون» لا يعني بالضرورة أن الوظائف أفضل أو أكثر إنتاجية.
تشير ورقة بحثية حديثة لاقتصاديين هم مايتريش غاتاَك، ميراليني جها وجيتندرا سينغ إلى أن الارتفاع الأخير في المشاركة في سوق العمل، خصوصًا بين النساء، يعكس في الواقع ضائقة اقتصادية بدلاً من خلق وظائف نوعية مدفوعًا بالنمو. يُظهر الباحثون أن الزيادة تتركز في أشكال العمل الأكثر هشاشة: مساعدين في الأسرة بلا أجر والعاملين لحسابهم الخاص، الذين يعانون من إنتاجية منخفضة وتراجع في الدخول الحقيقية.
«الاتساع الأخير في التوظيف يعكس ضائقة اقتصادية تدفع الناس إلى العمل بالحد الأدنى للبقاء، لا خلق وظائف أفضل نتيجة نمو أقوى»، كما يؤكدون.
تُلمح الأدلة إلى أن الناس يُدفعون إلى أعمال رزق ضئيلة بدافع الضرورة، لا أنهم يجتذبون إلى وظائف أعلى جودة بفضل اقتصاد أقوى. وهذا يضمن أن يبقى أكبر برنامج لضمان العمل في العالم محورَ معيشة مئات الملايين من الهنود — وهل سيُعزّز الإصدار المُعاد هيكله من تأثيره أم يضعفه؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
تابعوا أخبار بي بي سي الهند على إنستغرام، يوتيوب، X وفيسبوك.