ترامب يصف غرينلاند بأنها حيوية للأمن — هل سيسعى لضمها بالقوة؟ | أخبار عسكرية

الرئيس دونالد ترامب أعلن أن الولايات المتحدة «تحتاج غرينلاند» لأسباب تتعلق بالأمن القومي بعد تعيين حاكم ولاية لويزيانا جيف لاندري مبعوثًا خاصًا إلى الجزيرة الآركتيكية التابعة للدنمارك، وهو قرار أثار احتجاجات قوية من كوبنهاغن.

أوضح ترامب لدى حديثه مع الصحفيين في مار‑أ‑لاجو أن الحاجة لغرينلاند تتعلق بالأمن القومي «لا بالمعادن»، وأن لاندري «سيقود المسعى». من جهته صرح لاندري بأنه سيعمل على جعل الإقليم «جزءًا من الولايات المتحدة»، ما أثار ردة فعل حادة من رئيسة وزراء الدنمارك ميتا فريدريكسن ورئيس وزراء غرينلاند ينس‑فريدريك نيلسن اللذين أصدرَا بيانًا مشتركًا شددا فيه على أن ضم بلد آخر أمر مرفوض، وأن غرينلاند «تنتمي إلى سكانها ولن تُنتزع لصالح دولة أخرى».

اهتمام ترامب بغرينلاند ليس جديدًا؛ ففي ولايته الأولى طرح فكرة شراء الجزيرة من الدنمارك، وتأجلت زيارة له عام 2019 بعد رفض واضح من كوبنهاغن. كما لم يستبعد سابقًا استخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر، قائلاً إن الولايات المتحدة «ستذهب إلى أقصى ما يلزم». جغرافيًا تقع عاصمة غرينلاند، نوك، أقرب إلى نيويورك منها إلى كوبنهاغن، والإقليم نصف‑مستقل ويقطنه نحو 57 ألف نسمة.

لماذا يعتبر ترامب غرينلاند «أساسية» للأمن القومي؟
ترامب يبرر اهتمامه بالموقع الاستراتيجي للجزيرة بين أميركا الشمالية وأوروبا، مشيرًا إلى تواجد سفن روسية وصينية بكثافة على السواحل، وإلى أهمية الموقع كطريق أقصر بين القارتين ولأغراض المراقبة والنظام الإنذاري للصواريخ الباليستية. كما تستضيف غرينلاند قاعدة «بيتوفيك» الفضائية الأميركية، وهي منشأة رئيسية للمراقبة وإنذار الصواريخ.

ماذا يعني تعيين مبعوث خاص؟
تعيين جيف لاندري دفع الدنمارك لاستدعاء السفير الأميركي لتوضيح الموقف. لاندري نفسه قال إنه يشعر بالشرف وأن مهمته «جعل غرينلاند جزءًا من الولايات المتحدة»، مما زاد من مخاوف الدنمارك بشأن نوايا البيت الأبيض. خبراءٌ مثل مارك جاكوبسن من كلية الدفاع الملكية في الدنمارك يرون أن الإدارة الأميركية تسعى بوضوح لزيادة نفوذها في المنطقة عبر استثمارات استراتيجية ودفع سرديات تشوّه صورة الدنمارك كشريك جدير بالثقة، وأن تعيين مبعوثين ولجان بحثية أميركية آركتيكية يعد جزءًا من هذه الاستراتيجية.

يقرأ  تقرير بيئة الأمم المتحدة «اختُطف» لصالح مصالح الوقود الأحفوري

ردود الفعل الداخلية والدولية
الحكومة الدنماركية أكدت ضرورة احترام سلامة أراضي مملكة الدنمارك، ورئيس وزراء غرينلاند شدد على الود تجاه واشنطن لكنه رفض أي ضغوط تهدف إلى نزع السيادة عن شعب معقلـه. السكان في غرينلاند يميلون إلى الاستقلال عن الدنمارك لكن ليسوا مؤيدين لنقل السيادة إلى الولايات المتحدة. في 2009 منحت الدنمارك غرينلاند صلاحيات حكم ذاتي واسعة مع إمكانية السعي للاستقلال عبر استفتاء.

الاتحاد الأوروبي وقادته—من أورسولا فون دير لاين إلى شارل ــ أنطونيو كوستا—اعتبروا أن أمن القطب الشمالي أولوية، مؤكدين احترام مبدأ سلامة الأراضي وسيادة الدول. الرئيس الفرنسي أعاد التأكيد على دعم باريس لسيادة الدنمارك وغرينلاند واعتبار الدنمارك «الضامن» لها.

الأبعاد الاقتصادية والجيولوجية
رغم نفٍ لترامب من أن الدافع هو المعادن، إلا أن غرينلاند غنية بموارد حيوية لتكنولوجيات العصر: عناصر الأرض النادرة، اليورانيوم، الزنك ومعادن أساسية أخرى، فضلاً عن احتمال وجود احتياطيات نفطية وغازية. هذه الموارد جعلت الجزيرة محط اهتمام متزايد من دول عدة.

سباق القوى الكبرى في القطب الشمالي
تزايدت أنشطة دول متعددة في المنطقة مع ذوبان الجليد وتسريع فرص الملاحة والتنقيب: الصين نشرت سفن بحثية ومراقبة؛ روسيا وسعت تواجدها البحري ونشرت أنظمة صاروخية؛ كندا عرضت سياسة أمنية لتعزيز وجودها؛ والمناخ المتغير جعل من القطب الشمالي ساحة تنافس جيو‑استراتيجي وميدانًا لسباق النفوذ والموارد.

هل يمكن للولايات المتحدة الاستيلاء على غرينلاند بالقوة؟
يرى خبراء أن غزوًا أميركيًا لغرينلاند لن يكون مجرّد عمل منسوب لواشنطن بل سيقود إلى انهيار حلف شمال الأطلسي، إذ إن الدنمارك والولايات المتحدة من الأعضاء المؤسسين للحلف. كما أن مثل خطوة عسكرية ستكون لها عواقب دبلوماسية خطيرة قد تقوّض أي ادعاءات أميركية طوباوية بالحلول السلمية للنزاعات العالمية. جاكوبسن قال إن هناك من سيوقف مثل هذا المسعى في المناصب المناسبة، وأن احتمالية حدوث غزو فعلي تبقى ضئيلة جدًا.

يقرأ  مصدر في الجيش الإسرائيلي: نتنياهو يدرك أن بقاء حكومته مرهون بغزو غزة

خلاصة
تحركات البيت الأبيض الحالية تُقرأ كجولة جديدة في محاولة تكريس نفوذ أميركي واسع في القطب الشمالي عبر أدوات سياسية واستراتيجية واقتصادية، لا سيما عبر تعيين مبعوثين واستغلال القواعد العسكرية والاهتمام بالموارد المعدنية الحساسة. في المقابل، تصر الدنمارك وغرينلاند والمجتمع الدولي على احترام مبادئ السيادة والسلامة الإقليمية، مما يجعل أي تغيير جذري في الوضع القائم مرهونًا بتوازن قوى دبلوماسي وقانوني معقّد يصعب اختتامه بالقوة.

أضف تعليق