حفل زفاف مصطفى ونسمة البُرش كان، وبلا مفاجأة، احتفالًا متواضعًا بالنظر إلى الظروف القاسية في قطاع غزة.
ذهبت نسمة إلى صالون تجميل، واستأجرت فستانًا أبيض، والتقطت بعض الصور مع عريسها مصطفى. أُقيمت المراسم والحفلة داخل خيمة في حي التفّاح شرق مدينة غزة، بحضور نحو أربعين شخصًا فقط.
«لن أقول إنه يوم الزفاف الذي حلمت به دائمًا، لكن في ظل هذه الأحوال العنيفة حاولنا أن نغتطف بعض اللحظات السعيدة، ونجحنا في ذلك»، قالت نسمة. تلك اللحظات السعيدة سُلبت من مصطفى ونسمة.
عقب انتهاء الاحتفال مساء الجمعة الماضي، سقط قصف إسرائيلي على مبنى مجاور للخيمة. كان الموقع المستهدف مركزًا للتدريب المهني تديره وزارة التربية والتعليم، وقد تحول إلى مأوى خلال الحرب. كان الزوجان يخططان للعيش هناك بعد الزواج.
ارتفعت النيران من المبنى، وغلف الدخان والغبار الهواء، وامتلأ المكان بصيحات الاستغاثة. وقف العروسان مذهولين، عاجزين عن استيعاب ما يجري حولهما، بينما تحوّل يوم زفافهما إلى مأساة.
صورة من جلسة تصوير مصطفى ونسمة قبل ساعات من قصف مأواهما (عبدالحكيم أبو رياش/الجزيرة)
من عريس إلى منقذ
«أمسكت فورًا بيد عروستي وأرسلتها مع قريباتي اللواتي كنّ قد غادرن للتو. ثم خلعت سترة بدلة الزفاف واندفعت مع الرجال الآخرين لانقذوا من داخل المبنى»، قال مصطفى (29 عامًا) للجزيرة من مخيم الهلّاوة للاجئين قرب التفّاح في مدينة غزة.
أصاب القصف مباشرة الطابق الثاني من المدرسة، حيث كانت تقيم أسرة مصطفى مع آخرين. كما ضرب القاعة التي جُهّزت لتكون مسكنًا للزوجين. احترق كل ما أُعدّ لحفل زفافهما.
«ساعدت في انتشال الجثث وإنقاذ الجرحى، وأخرجت ابن أخي الذي كان مصابًا إصابات بالغة في أنحاء جسده»، أضاف مصطفى.
تم طلب سيارات إسعاف، لكن الفرق الطبية كانت بحاجة إلى تنسيق إسرائيلي للدخول إلى المنطقة. «انتظرنا أكثر من ساعتين لوصول الإسعاف، إلا أنها لم تُسمح بالدخول من الجانب الإسرائيلي. كانت الأوضاع مروعة لا توصف؛ كنا نسمع الضربات والقصف من حولنا»، قال.
بعد أكثر من ساعتين سُمح أخيرًا لسيارات الإسعاف بالدخول لإجلاء الجرحى والقتلى. وبعد أن باشرت فرق الدفاع المدني إخراج الجميع من المبنى وتوجيههم إلى موقع أكثر أمانًا، جرى انتشال الضحايا ونقلهم.
تشردت العائلات مرة أخرى إلى مرافق الإيواء داخل المدينة، تاركة خلفها كل متعلقاتها. «منذ ذلك اليوم، ما زلت أرتدي بدلة زفافي»، قال العريس وهو يشير إلى قميصه الأبيض وبنطاله. «هناك بقعة دم تعود لابن أخي محمد (ثماني سنوات)، الذي توفي بعد يومين من جروحه».
العريس مصطفى البُرش وعروسه نسمة يقطنان الآن في خيم منفصلة مع عائلتيهما بعد قصف مأواهما وفقدانهما كل ما لديهما (عبدالحكيم أبو رياش/الجزيرة)
تأجيلات متكررة
ارتبط مصطفى بنسمة، التي تبلغ الآن 22 عامًا، قبل عدة أشهر من بدء الحرب الإسرائيلية الإبادة على غزة في أكتوبر 2023. وكان من المقرّر أن يقام زفافهما في ذلك الشهر.
«كان شقتي جاهزة بالكامل: غرفة النوم، وركنة الجلوس، والمطبخ. بذلنا جهدًا كبيرًا في اختيار كل قطعة»، قال مصطفى وهو يعرض صورة للشقة التي كانت جزءًا من دار عائلته في جباليا شمالي غزة، والتي دُمّرت لاحقًا.
تحمّل الزوجان القصف والجوع والتشرد المتكرر مع العائلتين، ما جعل فكرة الاحتفال تبدو مستحيلة. «ضغطت علينا العائلات أحيانًا على المضيّ في الزفاف لأن الحرب طالت، لكننا رفضنا»، قالت نسمة ومعها مصطفى يومئ بالموافقة. «كنا نتساءل كيف نحتفل أو نقيم زفافًا وسط الحرب والتشرد».
أعاقت فكرة الزواج أيضًا حالة الحزن التي عاشها مصطفى بعد فقدان اثنين من إخوته الأكبر خلال الحرب؛ أحدهما في ديسمبر 2023 عندما قُصف منزلهم في جباليا، والآخر في مارس 2025 خلال مرحلة متأخرة من القتال. «فقدان إخوتي ألحق بظلال شديدة من الحزن علينا، وخصوصًا بأمي التي لا تكف عن البكاء كلما تذكّرهما»، قال مصطفى ناظرًا إلى والدته وهي تستمع.
بعد بدء هدنة في 19 يناير 2025 قرر الزوجان المضي قدُمًا في الزفاف معتقدين أن الحرب انتهت، لكن القتال استأنف بسرعة. «في ذلك الوقت كان منزل عمي في جباليا لا يزال قائمًا، فقررنا أن نأخذ شقة هناك وبدأنا التجهيز. بدأت عروستي تجهز نفسها وملابسها». «لكنه صدمنا تجدد الحرب منتصف مارس 2025»، قال مصطفى.
مع عودة العنف اضطر الاثنان إلى الفرار مع عائلتيهما من شمال غزة إلى غرب مدينة غزة، حيث عاشوا في خيم تحت ظروف قاسية حتى دخلت هدنة ثانية حيز التنفيذ في 10 أكتوبر 2025. هذه المرة الثالثة التي يستعد فيها مصطفى ونسمة للزواج ثم يفقدان كل شيء.
ملاذ
بعد إعلان هدنة أكتوبر انتقل مصطفى وعائلته إلى مأوى في حي التفّاح، على بعد نحو نصف كيلومتر من «الخط الأصفر»، المنطقة التي تسيطر إسرائيل على ما ورائها في غزة. «كنا نريد الهروب من حياة الخيام في الشتاء، فقررنا الانتقال إلى المدرسة رغم مخاوفنا من قربها من الخط الأصفر»، قال.
بعد مشاورات عائلية، اتفق الجانبان على إقامة مراسم الزفاف في 19 ديسمبر بحفل متواضع في خيمة مجاورة للمأوى. «بمجرد تحديد التاريخ جهزت ما استطعت. ساعدتنا عائلات مهجرة أخرى في الملجأ ووفّروا لنا فصلًا دراسيًا لنستعين به»، أتمّ. كان كل شيء يبدو على ما يرام، قال مصطفى.
قال إنه لم يكن يتوقع أبداً أن يُهاجم الملجأ، الذي كان يأوي عددًا كبيرًا من الأسر المهجّرة، وأن الحي المحيط مكتظٌ بالسكان، وأن المنطقة تقع خارج الخط الأصفر.
كان المركز التعليمي في منطقة انسحبت منها القوات الإسرائيلية بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
رغم الهدنة، سُجلت مئات الانتهاكات الإسرائيلية، وقُتل أكثر من أربعمئة فلسطيني في هجمات متكررة خلال الأشهر الأخيرة.
قُتل ثمانية أشخاص في قصف المبنى المجاور لخيمة الزفاف، جميعهم جيران وأقارب من أسرة مصطفى، الذين كانوا يلتمسون الملاذ في الطابق الثاني، حسب قوله.
يوسف، ابن أخ مصطفى البالغ من العمر سبع سنوات، جُرح خلال الغارة الجوية على الملجأ، بعد لحظات من خروجه من خيمة الزفاف القريبة.
— مهجّرون مجدداً —
“من بين القتلى كانت أمّ وزوجها وطفلهما، وكذلك ابن أخي الصغير الذي كان يرقص فرحًا قبل لحظات”، قال مصطفى.
“ما المبرر لاستهداف هؤلاء الناس؟ وما الجريمة التي ارتكبتها حتى يُسرَق فرحي وزوجتي في يوم زفافنا؟”
يعيش الزوجان الآن، مرة أخرى، منفصلين مع عائلتيهما بسبب التهجير المتجدّد وغياب مسكن مشترك.
“في كل مرة أضطر للبدء من الصفر مجددًا. هل توجد معاناة أعظم من هذه؟” أضاف مصطفى بمرارة.
“أنا مهجّر، وعروستي مهجّرة، وعائلتانا مهجّرة، نعيش في خيام لدى الأقارب.”
“اصررنا على إقامة عرسنا أثناء الحرب، لكن الحرب عادت في رمشة عين يوم زفافنا”، قالت نسمة وعيونها مثقلة بالحزن.
“تحطمت فرحتي. لم أعد أرغب في الحياة. كل شيء مظلم هنا، ولا مجال للسعادة، لا حتى خطوة واحدة.”