دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى عقد لقاء مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب لمناقشة «قضايا حساسة»، فيما أحرز المفاوضون تقدماً تدريجياً نحو صياغة نهائية لخطة سلام بعد قرابة أربع سنوات على الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
في إحاطة صحفية مُقيدة النشر، قال زيلينسكي إن المفاوضين الأوكرانيين والأمريكيين توصلوا إلى إجماع بشأن عدة نقاط تهدف إلى إنهاء الحرب، لكن هناك قضايا لا تزال عالقة، على رأسها التحكم الإقليمي في القلب الصناعي الشرقي لأوكرانيا.
«نحن مستعدون لاجتماع على مستوى القادة لمعالجة قضايا حساسة. مثل المسائل الإقليمية يجب أن تُبحث على مستوى القادة»، جاءت تصريحات الرئيس الأوكراني في بيان أصدره مكتبه.
جاءت إحاطته عقب محادثات ماراثونية في ولاية فلوريدا الأمريكية حول مسودة من 20 بنداً، بينما كانت روسيا تراجع النسخة الأخيرة. وأفاد الكرملن بأن الرئيس فلاديمير بوتين اطلع على التطورات عبر المبعوث كيريل ديميتريف، وأن موسكو بصدد صياغة ردّها.
دونباس: النقطة الأصعب
تضغط كييف على واشنطن لتعديل خطة ترامب التي وُصفت في بدايتها بأنها قائمة أمنيات للكرملن، وبها مطالب تتضمن تنازلات إقليمية من أوكرانيا وقيوداً على قواتها والتخلي عن طموح الانضمام إلى حلف الناتو.
وأوضح زيلينسكي أن مسودة الإطار ذات العشرين بنداً تمثل تطوراً كبيراً عن الخطة السابقة، إذ تُبقي أوكرانيا جيشها على قوته الحالية في زمن السلم البالغة نحو 800 ألف عنصر، وتشتمل وثائق إضافية مع الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين على ضمانات أمنية قوية.
ومع ذلك، لم يتوصل الطرفان بعد إلى توافق حول المسائل الإقليمية، لا سيما السيطرة على منطقتي دونيتسك ولوغانسك في الشرق، المعروفة باسم دونباس. وأكد زيلينسكي أن هذه «النقطة الأصعب».
اقترحت كييف «البقاء حيث نحن»، أي وقف القتال على خطوط الجبهات الحالية، بينما تطالب موسكو بانسحاب القوات من كامل مدينة دونيتسك الشرقية. وتسيطر أوكرانيا حالياً على نحو ربع المنطقة وترفض التخلي عنها.
ومع استحالة توقع تنازل الكرملن عن مطالبه الإقليمية القصوى، طرحت الولايات المتحدة حلاً وسطاً يقضي بتحويل المناطق المتنازع عليها إلى مناطق اقتصادية حرة. وتصر أوكرانيا على أن أي ترتيب من هذا النوع يجب أن يكون خاضعاً لاستفتاء شعبي.
كما لم يُحسم بعد مصير محطة زابوريجيا النووية، أكبر محطة نووية في أوروبا، والواقعة تحت سيطرة عسكرية روسية قرب خط الجبهة؛ وتقترح كييف إعلان منطقة اقتصادية صغيرة حولها.
«نقول: إذا شملت المسألة كل المناطق وإذا بقينا حيث نحن، فسنتوصل إلى اتفاق. أما إذا لم نوافق على البقاء حيث نحن فهناك خياران: إما يستمر الحرب، او سيجب أن يُتخذ قرار بشأن كل المناطق الاقتصادية المحتملة»، قال زيلينسكي.
تنص الوثيقة أيضاً على انسحاب القوات الروسية من مقاطعات دنيبروبتروفسك وميكولايف وسومي وخاركوف، وأن يتم نشر قوات دولية على طول خط الاتصال لمراقبة تنفيذ الاتفاق.
وأضاف زيلينسكي: «لأنه لا ثقة لدى الروس، وهم كسروا وعودهم مراراً، يتحول خط الاتصال اليوم إلى ما يشبه خط منطقة اقتصادية حرة بحكم الواقع، ويجب أن تكون هناك قوات دولية تضمن ألا يدخل أحد تحت أي ذريعة».
قضايا المراقبة والتنازلات
من كييف، قالت مراسلة الجزيرة إن السؤال المفتاحي المتعلق بالتراب لا يزال «على الطاولة»، مضيفة أنه «لم يتم بعد تفصيل كيفية الإجابة على هذا السؤال». وأشارت إلى أن المسودة تضيف بعض التفاصيل الفرعية حول سبل تحقيق السلام، مثل نظام مراقبة لخط الجبهة.
وبالعودة إلى اتفاقيات مينسك في حوالي 2015، كانت هناك إشكاليات حول كيفية رصد انتهاكات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، ما يجعل مسألة المراقبة تاريخياً موضوع خلاف.
وذكر زيلينسكي أيضاً أن هناك أموراً ربما لا تزال أوكرانيا «غير مستعدة» لها، وربما الروس أيضاً غير مستعدين، ما يدل على أن كلا الجانبين قد يضطران لتقديم بعض التنازلات بشأن قضايا محورية.
عضوية الاتحاد الأوروبي وموارد إعادة الإعمار
تضمن المسودّة كذلك تقديم ضمانات أمنية «قوية» لأوكرانيا تعكس مبدأ المادة الخامسة في الناتو، ما يلتزم بموجبه شركاء أوكرانيا بالتحرك في حال تعرضت لهجوم روسي متجدد.
قال زيلينسكي إن وثيقة ثنائية منفصلة مع الولايات المتحدة ستحدد هذه الضمانات وتفصّل شروط تقديم الأمن، وتؤسس آلية لرصد وقف إطلاق النار تعتمد على تقنيات الأقمار الصناعية وأنظمة الإنذار المبكر لضمان إشراف فعال وقدرات استجابة سريعة.
«المزاج في الولايات المتحدة هو أن هذه خطوة غير مسبوقة تجاه أوكرانيا من جانبهم. هم يعتقدون أنهم يقدمون ضمانات أمنية قوية»، أضاف الرئيس الأوكراني.
تتضمن المسودة عناصر أخرى، من بينها تحديد تاريخ واضح لعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، وإجراء انتخابات بعد توقيع الاتفاق، وتسريع صفقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تمويلات لإعادة الإعمار والاستثمار الاقتصادي.
وذكر زيلينسكي أن «أوكرانيا ستحظى بفرصة تحديد أولويات توزيع حصتها من الأموال في الأراضي التي تخضع لسيطرتها. وهذه نقطة مهمة جداً قضينا عليها وقتاً طويلاً».