قانون جزائري جديد يعلن أن الحكم الاستعماري الفرنسي جريمة ويطالب بالمساءلة والتعويض
أقرّ البرلمان الجزائري بالإجماع تشريعاً يعتبر استعمار فرنسا للبلاد جريمة ويطالب باعتذار رسمي وتسديد تعويضات عن الآثار المادية والمعنوية التي خلفها الاستعمار.
شهدت جلسة الموافقة وقوف النواب في القاعة وهم يلفّون أعناقهم بأوشحة تحمل ألوان العلم الوطني وهتافهم “تحيا الجزائر” أثناء التصويت على المشروع. كما طالب البرلمان رسمياً باريس بالاعتذار وتحمل المسؤولية ــ خطوة تهدف إلى منع تهميش هذا الملف والضغط من أجل ردّ الحقوق التاريخية.
ينصّ النص القانوني على تحميل فرنسا “المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري في الجزائر والفظائع التي ارتكبتها”، ما يضع مسألة المحاسبة التاريخية في صلب الإطار القانوني للدولة. كما يورد القانون سجلاً للجرائم المرتكبة خلال الحقبة الاستعمارية، من اختبارات نووية وقتل خارج نطاق القانون إلى التعذيب الجسدي والنفسي والنهب المنهجي للثروات. ويؤكد أيضاً أن “التعويض الكامل والعادل عن جميع الأضرار المادية والمعنوية الناجمة عن الاستعمار الفرنسي حق لا يتجزأ للدولة والشعب الجزائري”.
يرى محلّلون أن لهذا القانون وقعاً سياسياً ورمزياً كبيرين رغم أنه يفتقر إلى قوة تنفيذية على الصعيد الدولي؛ فهو يشكّل قطيعة في مقاربة الجزائر لمسألة الذاكرة الاستعمارية وإطار التعامل مع فرنسا. وقال رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي إن التشريع بعث “رسالة واضحة داخلياً وخارجياً، مفادها أن ذاكرة الأمة ليست قابلة للمحو ولا للتفاوض”، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية.
وعلى الرغم من وصف الرئيس إيمانويل ماكرون للاستعمار بأنه “جريمة ضد الإنسانية” في مناسبات سابقة، فقد امتنع مراراً عن تقديم اعتذار رسمي، مؤكداً في 2023 أنه “ليس من شأني أن أطلب المغفرة”. ومن جهته امتنع متحدث باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية عن التعليق على تصويت البرلمان، قائلاً إنه لن يدخل في “نقاشات سياسية تجري في دول أجنبية”.
قال الباحث في تاريخ الاستعمار حسني كتوني من جامعة إكسفورد لوكالة الصحافة الفرنسية إن القانون لا يلزم فرنسا قانونياً لكنه يحمل أهمية سياسية ورمزية كبيرة، ويشكّل فاصلاً في علاقة البلدين على مستوى الذاكرة المشتركة.
يأتي هذا التصويت في ظلّ أزمة دبلوماسية بين البلدين، في سياق علاقات متشابكة وطويلة ترتبط خصوصاً بمسائل الهجرة. وتفاقمت التوترات منذ اعتراف باريس في يوليو 2024 بمقترح الحكم الذاتي الذي طرحته المغرب لحلّ نزاع الصحراء الغربية، وهو ملف يخوض فيه الصحراويون صراعاً مسلحاً منذ ضمّ المغرب للأرض بعد انسحاب الاستعمار الإسباني عام 1975. تدعم الجزائر حقّ الشعب الصحراوي في تقرير المصير والبوليساريو التي ترفض مقترح الحكم الذاتي المغربي.
وصعدت التوترات أخيراً بعد توقيف دبلوماسي جزائري في باريس مع شخصين يحملان الجنسية الجزائرية، في حادثة أدت إلى أزمة دبلوماسية عقب أيام قليلة من تعهّد ماكرون ورئيس البلاد عبد المجيد تبون بإحياء الحوار بين البلدين. الموقف الجزائري عبّر بوضوح عن رفض تهميش تاريخ المعاناة وطلب استرداد الحقوق والاعتراف الرسمي ــ وهو ما يوضح بجلاء لماذا أصبح ملف الذاكرة الاستعمارية محور سياسة داخلية وخارجية لا تقبل المساومة أو النسيان.