قال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إن كييف مستعدة لتحويل أجزاء من إقليم دونباس التي تسيطر عليها قواتها حالياً إلى مناطق منزوعة السلاح، شريطة أن تلتزم روسيا أيضاً بعدم إدخال قواتها إلى تلك المناطق. تأتي تصريحات زيلينسكي كأكبر تنازل إقليمي أبدته أوكرانيا حتى الآن، في وقت تتزايد فيه الضغوط عليها بفعل التقدم العسكري الروسي ودعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع موسكو.
كما طرح زيلينسكي فكرة إنشاء منطقة منزوعة السلاح ثانية قرب محطة زابوريجيا، أكبر محطة للطاقة النوووية في أوروبا، والواقعة حالياً تحت سيطرة القوات الروسية. هذه المقترحات تشكل جزءاً من خطة سلام مكوّنة من 20 بنداً قال زيلينسكي الثلاثاء إنها تحظى بدعم الولايات المتحدة.
ما هي خطة السلام ذات العشرين بنداً؟
كشف زيلينسكي عن الخطة في إحاطة صحفية استمرت ساعتين، قرأ خلالها من نسخة مشروحة ومعلّمة. وقد تفاوض وفدان من واشنطن وكييف على عناصر الخطة في فلوريدا نهاية الأسبوع. وفيما يلي مواضع التفاوض الأساسية ووضعها الحالي:
– عضوية أوكرانيا في حلف الناتو:
أصرت روسيا منذ بداية الحرب على أنها لن تقبل بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وقد أوضحت إدارة ترامب أيضاً أن على أوكرانيا التخلي عن آمالها بالانضمام إلى الناتو. ومع ذلك يرفض كييف إدخال تعديلات دستورية تنص على الحياد أو تحظر الانضمام إلى الحلف، معتبرة أن الخيار يعود لأعضاء الناتو أنفسهم. قال زيلينسكي إن أوكرانيا تراجعت عن المقترحات التي كانت تقضي بتعديل الدستور لمنع الانضمام إلى الناتو.
– التنازلات الإقليمية:
أكّد زيلينسكي أن أي مقترح يتطلب انسحاب قوات أوكرانية من أراضٍ سيكون خاضعاً لاستفتاء وطني. الدستور الأوكراني يمنع الحكومة من نقل الحدود وحدها، ولذلك قد يضطر البلد إلى حل وسط: عدم الاعتراف رسمياً بالمناطق التي تحتلها روسيا، مع الإقرار بغياب السيطرة الفعلية عليها.
– الانتخابات:
قال زيلينسكي إن الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا ستجرى فقط بعد توقيع اتفاق سلام. وضغط الرئيس الأميركي لإجراء انتخابات، في حين استخدمت روسيا غياب الانتخابات خلال الحرب للطعن في شرعية زيلينسكي.
– المناطق منزوعة السلاح:
أكد زيلينسكي أن أي مناطق تنسحب منها القوات الأوكرانية ستصبح مناطق منزوعه السلاح ومناطق تجارة حرة بحسب الصيغة المقترحة، إذ يبحث الطرفان عن صيغة تلائم مصالحهما وتُسهم في تخفيف التوتر.
ما هي المناطق المقترحة أن تصبح منزوعة السلاح؟
طالبت موسكو بالسيطرة الكاملة على منطقتي دونيتسك ولوهانسك اللتين تشكلان حزام دونباس الصناعي. تسيطر القوات الروسية عملياً على كامل لوهانسك ونحو 70% من دونيتسك. المقترح الأخير ينص على انسحاب الجنود الأوكرانيين من النسبة المتبقية (حوالي 30% من لوهانسك) بشرط ألا تسعى روسيا لاحتلال المنطقة، وأن تتحول هذه الرقعة إلى منطقة منزوعة السلاح.
في زابوريجيا، تحاصر القوات الروسية محطة نووية حاولت أوكرانيا استعادتها دون نجاح. يتضمن المقترح تحويل المنطقة المحيطة بالمحطة إلى منطقة منزوعة السلاح أيضاً. ولكن يبقى غياب الوضوح بشأن سبل إدارة هذه المناطق، وآليات الضمان والرقابة، وكيفية تقاسم الموارد الحساسة مثل المحطة النووية.
كيف ردّت روسيا؟
لم تقبل موسكو الخطة ولا رفضتها رسمياً حتى الآن. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن روسيا بصدد “صياغة موقفها” إزاء المقترح من دون الدخول في تفاصيله.
نماذج سابقة لمناطق منزوعة السلاح في العالم
توجد أمثلة عدة على مناطق منزوعة السلاح حول العالم، وبعضها نجح إلى حد كبير بينما تعرضت أخرى لانتهاكات متكررة:
– المنطقة منزوعة السلاح في شبه الجزيرة الكورية:
هي شريط فاصل بعرض نحو 4 كيلومترات يفصل بين كوريا الشمالية والجنوبية، أُنشئت بعد توقيع هدنة 1953. النازعة هنا أنها حدّت من اندلاع حرب شاملة بين الجانبين رغم استمرار حالة الحرب التقنية بينهما.
– منطقة فصل قوات الأمم المتحدة في هضبة الجولان:
أنشأتها الأمم المتحدة عام 1974 بعد الحرب بين إسرائيل وسوريا. تفصل هذه المنطقة الأراضي المحتلة عن أجزاء ما تزال تحت السيطرة السورية، وتراقبها قوة مراقبة الأمم المتحدة (UNDOF).
– مناطق منزوعة السلاح في شبه جزيرة سيناء:
نُصّ عليها في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وقُسِّمت سيناء إلى أربع مناطق أمنية تراقبها قوة دولية متعددة الجنسيات (MFO).
– جزر آلاند:
أرخبيل في بحر البلطيق بين السويد وفنلندا، أعيد تنظيم وضعه بعد الحرب العالمية الأولى وتم نزع السلاح عنه عام 1921 بقرار من عصبة الأمم، وهو إقليم ذاتي الحكم يتحدث سكانه السويدية.
– القارة القطبية الجنوبية:
تُعد منطقة منزوعة السلاح بموجب معاهدة أنتاركتيكا 1959 التي تمنع الأنشطة العسكرية وتجارب الأسلحة النووية وتكرّس الاستخدام العلمي السلمي للقارة.
– معبد “برياه فيهير” على الحدود التايلندية-الكمبودية:
خلافات حدودية تاريخية أدت إلى اشتباكات متقطعة؛ قضت محكمة العدل الدولية عام 1962 بأن المعبد من نصيب كمبوديا، وأمرت في 2011 بإنشاء منطقة منزوعة السلاح مؤقتة حوله بعد تجدد القتال.
هل نجحت المناطق منزوعة السلاح سابقاً؟
أثبتت بعض الأمثلة فاعلية في منع اندلاع صراعات واسعة، كما في حالة شبه الجزيرة الكورية. وفي حالات أخرى حالت هذه المناطق دون مواجهات مباشرة وكبيرة، كما في الجولان وسيناء. لكن النجاح ليس مطلقاً: تكررت انتهاكات للمنطقة الفاصلة في الجولان، وانتقدت الأمم المتحدة إسرائيل على ممارسات تعدّت حدود المنطقة خلال العام الماضي، واستُغلت فترات الفوضى لتغيير وقائع ميدانية وتهجير عائلات سورية.
ختاماً، المقترحات المتعلقة بمناطق منزوعة السلاح في خارطة السلام المقترحة تهدف إلى خلق حلول وسطية تُرضي الأطراف المعنية، لكنها تثير تساؤلات عملية جوهرية حول آليات الضمان والرقابة والإدارة المشتركة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بمواقع حساسة مثل محطة زابوريجيا النووية.