حركة فلسطين — إضرابات السجناء عن الطعام التي شكّلت مجرى التاريخ أخبار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني

أعلن أربعة من أعضاء جماعة العمل التضامني مع فلسطين هذا الأسبوع استمرارهم في اضرابهم عن الطعام، رغم تحذيرات طبية خطيرة ودخول عدد من زملائهم إلى المستشفيات.

الأعضاء محتجزون في خمس سجون بريطانية بتهم تتعلق بتورط مزعوم في اقتحامات لمرافق تابعة لفرع شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية في بريستول ولقاعدة تابعة لسلاح الجو الملكي في أوكسفوردشاير. يطالبون بتحسين ظروف الاحتجاز، وبالضمانات اللازمة لمحاكمة نزيهة، وبإلغاء سياسة صدرت في يوليو تصنّف حركتهم على أنها «إرهابية».

تنفي جماعة فلسطين أكشن التهم الموجهة، بينها تهمة “الشغب العنيف” وغيرها، عن الثمانية المحتجزين. وأبلغ أقاربهم مراسلي قناة الجزيرة بتدهور حالتهم الصحية نتيجة الإضرابات، التي أدت إلى ترتيبات دخول متكررة للمستشفى. كما كشف محامون يمثلون المحتجزين عن نية تقديم دعاوى ضد الحكومة.

أثار الملف اهتمامًا دوليًا كبيرًا بشأن طريقة تعامل المملكة المتحدة مع مجموعات التضامن مع الفلسطينيين، خصوصًا في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة والتي وُصفت بأنها إبادة. وعلى امتداد الأسابيع الماضية تظاهر آلاف الأشخاص دعماً لحركة فلسطين أكشن.

الإضرابات عن الطعام تُعتبر تاريخيًا وسيلة سلمية صارمة للمطالبة بالعدالة، وتقوم فعاليتها غالبًا على الضغط الأخلاقي الذي تمارسه على أصحاب القرار. ترجع سجلات استعمال الصوم السياسي إلى زمن بعيد، إلى الهند القديمة وإلى أيرلندا، حيث اعتاد المتظاهرون الصوم على عتبات من يؤذونهم لشنّ حملة من التشهير العام. ومع ذلك، بقيت هذه الوسيلة ذات أثر سياسي قوي حتى في العصر الحديث.

أهم إضرابات القرن العشرين

حركة الجمهوريين الإيرلنديين: أبرز إضرابات القرن العشرين شهدتها فترة الثورة الإيرلندية وما عُرف بـ«الترابلز». الموجة الأولى كانت إضراب كورك عام 1920 خلال حرب الاستقلال، عندما حبست نحو 65 شخصًا يُشتبه في ولائهم للجمهوريين بدون محاكمات منتظمة. شنوا إضرابًا للمطالبة بإطلاق سراحهم والاعتراف بهم كأسري سياسيين بدلًا من معاملتهم كمجرمين. انضم إليهم تيرينس ماكسويني، عمدة مدينة كورك، فحظي الإضراب بتغطية دولية واسعة. حاولت الحكومة البريطانية تفكيك الحركة بنقل المعتقلين، لكن إضرابهم استمر—واستشهد ثلاثة منهم على الأقل، بينهم ماكسويني، بعد 74 يومًا.

في مراحل لاحقة، ومع اقتراب نهاية الصراع واتفاق الجمعة الطيبة، احتشد سجناء الجمهوريين الإيرلنديين للاعتراض على الاعتقال الإداري وسحب صفة السجين السياسي، ما حرمهم من بعض الحقوق كارتداء الملابس المدنية أو تجنّب العمل القسري. بدأ سجناء سنة 1980 ما عرف بـ«الاحتجاج القذر» برفض الاستحمام وبتغطية جدران الزنازين بالفضلات، وفي 1981 خاض عشرات الإضراب عن الطعام. كان بوبي سانتس أبرزهم؛ انتُخب عضو برلمان بريطاني أثناء اعتقاله، واستشهد بعد إضراب طويل، إلى جانب تسعة آخرين، ما أثار انتقادات واسعة لإدارة مارغريت ثاتشر.

يقرأ  إسرائيل وإيران —العائلة التي قُتلت في تبادل إطلاق النار

غاندي وإضرابات الساتياغراها: استخدم مهاتما غاندي الصيام كأداة احتجاج ضد الاحتلال البريطاني مرات عدة، وأطلق على صومه اسم «ساتياغراها» بمعنى التمسك بالحق. كان يرى في الإضراب عملًا سياسيًا وروحيًا في آن واحد، فكان يقتصر غالبًا على شرب الماء أو ماء مخلوط بعصير الليمون لمدد متفاوتة. حققت تلك الإضرابات نتائج متباينة: أحيانًا تغيرت سياسات سلطات الاحتلال، وأحيانًا لم يحدث ارتداد واضح. من أبرز إضراباته إضراب فبراير 1943 الذي دام 21 يومًا احتجاجًا على وضعه تحت الإقامة الجبرية في بوني بعد إطلاق حركة “اتركوا الهند” في 1942، فأدى إلى تصاعد الدعم الشعبي للاعتراضات وأعمال عصيان مدني.

جاتيندرا ناث داس (جاتين داس) من أبرز الناشطين الهنود الذين ضحوا بحياتهم عبر الاضراب؛ امتنع عن الطعام 63 يومًا منذ أغسطس 1929 احتجاجًا على سوء معاملة السجناء السياسيين، وتوفي عن 24 عامًا، وجذب تأبينه أكثر من نصف مليون مواطن.

أسرى فلسطينيون في السجون الإسرائيلية

لجأ فلسطينيون محتجزون، وغالبًا بدون محاكمات، إلى إضراب الطعام كشكل احتجاجي طويل الأمد. من أبرز الأسماء خضر عدنان الذي توفي بعد إضراب دام 86 يومًا في مايو 2023 داخل سجن أيالون، ما كشف مجددًا عن ظروف المعاملة القاسية التي يتعرض لها الفلسطينيون. كان عدنان، الذي ترك وراءه تسعة أولاد، قد تعرض لاعتقالات متكررة واحتجاز بلا محاكمة لسنوات متقطعة تُقدَّر إجمالًا بثماني سنوات. رغم أنه شغل سابقًا منصب متحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي، صرّحت زوجته لاحقًا بأنه ترك النشاط المسلح ولم يشارك في عمليات. كان إضرابه رد فعل على ما وصفه بالإلقاء القبضي المهين والاحتجاز بلا مبرر قانوني. الطبيبان والمناصرون رفعوا الصوت مرارًا إزاء وضعه الصحي وضرورة احترام حقوق الأسرى. في عام 2012 خرج آلاف في غزة والضفة الغربية في تظاهرات غير حزبية تعبيراً عن التضامن بعد أن خاض اعتصاماً غذائياً دام 66 يوماً، أطول اضراب عن الطعام في التاريخ الفلسطيني آنذاك. أُفرج عنه بعد أيام من الاحتجاجات الجماهيرية.

يقرأ  فرق الإنقاذ تواصل البحث عن المفقودين بعد انهيارٍ سحابيٍ مدمرٍ في كشمير — أخبار الفيضانات

في فبراير 2023 اعتُقل عدنان مرة أخرى، فشرع فوراً في الاضراب عن الطعام، رافضاً الأكل والشرب وتلقي الرعاية الطبية. احتُجز لعدة أشهر رغم تحذيرات خبراء طبيين للحكومة الإسرائيلية من فقدانه كتلة عضلية كبيرة وبلوغه مرحلة يكون فيها تناول الطعام سبباً في مزيد من الضرر بدل النفع. في صباح الثاني من مايو وُجد ميتاً داخل زنزانته، ليكون أول أسير فلسطيني يموت خلال إضراب عن الطعام منذ ثلاثين عاماً. وصف وزير الإعلام الفلسطيني السابق مصطفى البرغوثي وفاته بأنها «اغتيال» من قبل الحكومة الإسرائيلية.

إضرابات عن الطعام في غوانتنامو

بعد افتتاح معسكر احتجاز خليج غوانتانامو الأميركي في كوبا عام 2002، حيث احتُجز مئات المشتبه بهم بـ«الإرهاب» غالباً بلا تهم رسمية، لجأ السجناء إلى موجات من الإضرابات عن الطعام للاحتجاج على اعتقالهم. صار المخيم سيئ الصيت بسبب الظروف اللاإنسانية والاعتداءات على المعتقلين. وبحلول يناير 2025 تبقى فيه خمسة عشر محتجزاً.

أخفت الطبيعة السرية للمكان أخبار إضرابات سابقة، لكن في 2005 نقلت وسائل إعلام أميركية عن إضرابات جماعية شارك فيها عشرات إن لم يكن مئات المحتجزين — بما لا يقل عن 200 سجين، أي نحو ثلث سكان المعسكر آنذاك.

أبلغت السلطات عن إجبار الأُولى التي تدهورت صحتهم بشدة على التغذية القسرية عبر أنابيب أنفية. كان آخرون يُقيدون يومياً ويجبرون على تناول الطعام قسراً. روى أحد المحتجزين، لخضر بومدين، أنه لم يتناول وجبة حقيقية لمدة عامين، ومع ذلك كانوا يُطعمونه قسراً مرتين في اليوم: يُقيد على كرسي ملقَّب بـ«كرسي التعذيب»، ويُدخَل أنبوب في أنفه وآخر إلى معدته. وأفاد محاميه أن وجهه كان مغطى عادة، وأنه عندما انكسر جانب من أنفه في مناسبةٍ ما أدخلوا الأنبوب من الجانب الآخر. أحياناً كان الطعام يدخل رئتيه.

استمرت الإضرابات بشكل متقطع على مر السنوات في غوانتنامو. في 2013 بدأت موجة كبيرة أخرى، وشارك فيها على الأقل 106 من بين 166 محتجزاً متبقياً بحلول يوليو، بينما أفادت السلطات بأنها أجبرت 45 شخصاً على التغذية القسرية آنذاك. رفع أحد المضربين، جهاد أحمد مصطفى ذياب، طلباً قضائياً لمنع الحكومة من إجباره على التغذية القسرية، لكن محكمة في واشنطن رفضت دعواه.

يقرأ  محكمة بريطانية تدين ٧ رجالبالتغرير الجنسي والاستغلال المنهجي لمراهقين— أخبار العنصرية

الاحتجاجات ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا

احتجّ سجناء سياسيون من السود والهنود كانوا معتقلين لسنوات في جزيرة روبن على ظروفهم القاسية باللجوء إلى إضراب جماعي عن الطعام في يوليو 1966. كان من بين هؤلاء نيلسون مانديلا، وكان السجناء يتعرضون لتقليص الحصص الغذائية وأُجبروا على العمل في محجر خام الجير رغم أنهم لم يكونوا مجرمين، كما كانت تثيرهم محاولات فصلهم على أساس عرقي.

في سيرته الذاتية عام 1994 «طريق طويل إلى الحرية» ذكر مانديلا أن إدارة السجن بدأت تقدم حصصاً أكبر من الطعام ترافقها خضروات وقطع من اللحم في محاولة لكسر الإضراب. ابتسم الحراس بينما يرفض السجناء الطعام، واصطف الرجال للعمل بعنف في المحجر لدرجة أن كثيرين كانوا ينهارون تحت وطأة العمل والجوع، ومع ذلك استمر الإضراب.

وتحوّلت المعادلة حين دخل حراس السجن، الذين كان مانديلا والسجناء الآخرون قد حرصوا على كسب ودّهم، في إضرابهم الخاص للمطالبة بظروف معيشية وغذاء أفضل. اضطرّت السلطات إلى التسوية مع الحراس ثم تفاوضت مع السجناء، واستمر الإضراب نحو سبعة أيام.

في مايو 2017 بادرت مجموعة من الجنوب أفارقة، بينهم نائب الرئيس آنذاك سيريل رامافوزا الذي سُجن في منشأة أخرى أثناء نظام الفصل العنصري، إلى دعم الأسرى الفلسطينيين المضربين بالمشاركة في صيام جماعي ليوم واحد. كتب المحارب السابق في روبن آيلاند الراحل سني «الملك» سنغ في صحيفة Sunday Tribune أن الإضرابات داخل السجن نادراً ما كانت تمتد لأكثر من أسبوع قبل أن تتغير الأمور، وقارن ذلك بوضع المضربين الفلسطينيين الذي استمر لفترات أطول.

قال: «تعرضنا للضرب من قبل خاطفينا لكننا لم نعرف نوع الانتهاكات والتعذيب التي يشتكي منها بعض الأسرى الفلسطينيين». وأضاف: «كان من النادر أن يوضع أحدنا في الحبس الانفرادي، لكن هذا يبدو شائع الحدوث في سجون إسرائيل».

أضف تعليق