ترامب يلوّح بتوسيع نشر القوّات داخل الولايات المتحدة ويشير إلى شيكاغو كبداية
ألمح الرئيس دونالد ترامب إلى نيته توسيع نشر القوّات داخلياً ليشمل مدناً يقودها ديمقراطيون، بدءاً من مدينة شيكاغو في ولاية إلينوي. جاء ذلك بعد تأكيد وزارة الدفاع لوسائل الإعلام الأميركية أن عناصر الحرس الوطني المنتشرين حالياً في واشنطن العاصمة سيحملون أسلحة أثناء دورياتهم.
وقال البنتاغون في بيان إن القرار صدر مباشرة عن وزير دفاع ترامب، بيت هيغسيت، موضحاً: «الأعضاء المشاركون في مهمة خفض معدلات الجريمة في عاصمة أمتنا سيكونون قريباً مكلّفين بأسلحتهم المخصصة من الخدمة، بما يتوافق مع مهمتهم وتدريبهم».
كان ترامب قد استدعى الحرس الوطني في 11 أغسطس للرد على ما وصفه بتفاقم الجريمة في واشنطن العاصمة، متجاهلاً بيانات غير منحازة من شرطة العاصمة تظهر أن مستويات الجريمة العنيفة عند أدنى معدلاتها منذ ثلاثين عاماً. ورغم ازدياد جرائم القتل وبعض الجرائم الأخرى في أعقاب جائحة كوفيد-19، تُظهر إحصاءات الشرطة انخفاضاً في العنف بنسبة نحو 35 في المئة منذ عام 2023.
وفي تصريحاته أمام الصحفيين ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو في البيت الأبيض وصف ترامب واشنطن بأنها «مكان موبوء بالجريمة» وأضاف أنّ «لديهم الكثير من الجرذان». كما جدد هجماته يوم الجمعة على قيادة المدينة وهدد مجدداً بالسيطرة على الحكومة المحلية، بعد أن فدرل بالفعل قوة الشرطة المحلية لفترة تمتدّ 30 يوماً.
التهديدات ضد عمدة واشنطن
وجّه ترامب سهامه بشكل خاص نحو عمدة واشنطن موريل باورسر، محذراً من أنها قد تفقد منصبها المنتخب ديمقراطياً. وقال: «لم أعد أحتمل سماع هؤلاء يصفون الوضع بأنه كان آمناً قبل تدخلنا. كان غير آمن، كان فظيعاً، وعلى العمدة باورسر أن تُعدل أداءها وإلا فلن تبقَ عمدة طويلاً لأننا سنتدخل الفدراليون وسندير الأمور كما ينبغي أن تُدار».
أثار هذا التهديد مخاوف من مزيد من حرمان ناخبي واشنطن العاصمة من حقوقهم، وحذّر خبراء قانونيون من أن محاولة الاستيلاء على صلاحيات المدينة قد تخرق نصوص القانون. فالحكومة الفدرالية تمتلك سلطات واسعة على شؤون العاصمة، لكن قانون الإدارة المحلية (Home Rule Act) لعام 1973 أنشأ حكومة محلية لها عمدة ومجلس بلدي لإدارة الشؤون اليومية، مع بقاء سلطة الكونغرس في مراجعة ورفض القوانين المحلية. ومن غير الواضح كيف يمكن لترامب أن يبطِل أحكام هذا القانون منفرداً من دون تشريع من الكونغرس.
إجراءات تسهل النشر في العاصمة
تتيح المكانة الخاصة لواشنطن العاصمة للسلطات الفدرالية إمكانيات أوسع لنشر الحرس الوطني هناك مقارنة بمناطق أخرى من البلاد، وهو ما استغله ترامب سابقاً. وما زال استخدام الحرس الوطني لقمع احتجاجات في لوس أنجلوس الشهر الماضي محلّ محاكمة، حيث جادلت سلطات الولاية والمحلية بأن التحرك انتهك القانون وأشعل التوترات بين المحتجين وقوات الأمن.
في ملف ولاية كاليفورنيا، استشهد المدعي العام روب بونتا بقانون “بوس كوميتاتوس” لعام 1878، الذي يمنع استغلال القوات المسلحة الفدرالية في تطبيق القانون داخل البلاد. وقال بونتا في بيان إن «الحكومة الفدرالية نشرت قوّات عسكرية في شوارع لوس أنجلوس بدافع مهرجان سياسي وتخويف عام. هذه خطوة خطيرة لا سابق لها في التاريخ الأميركي».
استهداف شيكاغو ومدن أخرى
أعاد ترامب طرح فكرة مواصلة نشر الحرس الوطني في مدن أخرى بذريعة مكافحة الجريمة. قال: «بعد أن ننتهي من هنا سننتقل إلى موقع آخر وسنجعله آمناً أيضاً. سنجعل بلادنا مدننا آمنة جداً». واستطرد مشيراً إلى شيكاغو: «شيكاغو فوضى. لديكم عمدة غير كفء. سنصلح الأمر ربما كخطوتنا التالية ولن يكون أمراً صعباً».
أشار كذلك إلى نيته التدخل في نيويورك وكاليفورنيا، وانتقد ما وصفه بتدمير الديمقراطيين لسان فرانسيسكو. ومع أن مثل هذه الخطوات إذا نُفذت ستواجه عقبات قانونية بموجب قانون بوس كوميتاتوس، إلّا أن بعضها قابل للتنفيذ سياسياً إن توافرت مبررات فدرالية استثنائية.
ردود محلية
ردّ بعض رؤساء البلديات على احتمال أن تكون مدنهم الهدف التالي لحملة ترامب. وقال عمدة شيكاغو براندون جونسون إن على الرئيس أولاً أن يفرج عن الأموال المخصّصة لبرامج مكافحة العنف والتي كانت حاسمة في جهود المدينة لخفض مستويات الجريمة، محذراً من أن إرسال الحرس الوطني سيزعزع استقرار المدينة ويقوّض جهود الأمن العام.
إمكان إعلان حالة طوارئ وطنية
مع اقتراب نهاية المهلة الثلاثينية التي منحها ترامب لسيطرته على شرطة واشنطن، ألمح إلى أنه قد يحاول الالتفاف على هذا القيد من خلال إعلان «حالة طوارئ وطنية»، ما قد يمدّد صلاحياته. وقال أيضاً إنه لم يستدعِ القوات المسلحة النظامية بعد لكنه كان مستعداً لذلك إذا اقتضت الحاجة.
خلاصة: تحديات قانونية ودستورية
أي محاولة موسعة لنشر قوّات عسكرية أو شبه عسكرية داخل المدن الأميركية ستواجه بالتأكيد اختبارات قانونية ودستورية، ومقاومة من القيادات المحلية ودعاوى من الولايات. التوتر بين صلاحيات الفدرال والحقوق المحلية يبقى جوهرياً، وسيحدّد في النهاية ما إذا كانت تهديدات ترامب تتحول إلى واقع أم تبقى تصريحات ذات وزن سياسي رمزي.