بينما يُجري الجيش انتخابات: ماذا يحدث في الحرب الأهلية بميانمار؟ أخبار عسكرية

يانغون — ميانمـار: يتوجه الناخبون في أجزاء من البلاد إلى مراكز الاقتراع يوم الأحد في انتخابات تعتبرها أصوات منتقدة محاولة من القادة العسكريين لإضفاء شرعية على حكمهم، بعد قرابة خمس سنوات على الإطاحة بحكومة الحائزة على نوبل أونغ سان سو تشي.

تجرى الانتخابات على مراحل متعددة وسط حرب أهلية طاحنة، تتبارى فيها مجموعات مسلّحة عرقية وميليشيات معارضة مع الجيش على السيطرة على مساحات شاسعة تمتد من المناطق الحدودية مع بنغلاديش والهند في الغرب، عبر السهول الوسطى، إلى الحدود مع الصين وتايلاند في الشمال والشرق.

الوضع في إقليم ساغاينغ مركزي: ستقتصر عملية الاقتراع يوم الأحد على ثلث بلدات الإقليم، فيما ستجري تغطية ثلث آخر في مراحل لاحقة في يناير، وفي بقية البلدات أُلغي التصويت تماماً. التصعيد العسكري، بما في ذلك الغارات الجوية وعمليات إحراق القرى، تزايد في مناطق عدة.

قالت الصحفية المُقيمة هناك، إستر ج.: «الجيش ينشر قواته ويحرق القرى تحت ذريعة ‘فرض السيطرة الإقليمية’». وأضافت: «الناس هنا يعتقدون أن هذا يُفعّل لخدمة الانتخابات». وفي معظم مناطق الإقليم «لم نرَ أي نشاط متعلق بالانتخابات: لا حملات ولا تنظيمات ولا دعوات للتصويت»، حسب قولها.

في أنحاء ميانمار أُلغي الاقتراع في 56 من أصل 330 بلدة، ومن المتوقع المزيد من الإلغاءات. ويُقدّر مراقبون والأمم المتحدة أن الصراع الذي اندلع بعد انقلاب 2021 أودى بنحو 90,000 شخص وأجبر أكثر من 3.5 مليون على النزوح، ما جعل نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 55 مليوناً بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

وقال إستر ج.: «أهل ساغاينغ لا يبدون اهتماماً بالانتخابات. لا يريدون حكم الجيش، بل يتمنون فوز القوى الثورية».

المعركة المتقلبة

خلال معظم العام الماضي بدا أن الجيش خسر مساحات مهمة. ففي أواخر 2023 أطلقت تحالفات منسقة، تقودها ما سُمّي «تحالف الأخوة الثلاثة» — وهو ائتلاف يضم مجموعات عرقية وميليشيات معارضة — عملية استولت بموجبها على مناطق واسعة، مهددة إخراج الجيش من ولاية راخين الغربية واحتلال مقر إقليمي عسكري رئيسي في لاشيو بشمال شرق البلاد، على بُعد نحو 120 كم من الحدود الصينية. واستخدم المتمرّدون طائرات مسيّرة مُعدّلة لحمل قنابل، ووصلوا إلى تهديد مدينة ماندالاي، ثاني أكبر مدن البلاد.

يقرأ  قمة العشرين تفشل في تقديم حلول لأزمة الديون السيادية— أخبار الديون

حملت العملية، المسماة 1027، أخطر تهديد للجيش منذ انقلاب 2021. لكن الزخم تراجع هذا العام بفعل تدخل الصين.

في أبريل توسطت بكين في اتفاق دفع جيش ميانمار الوطني الديمقراطي إلى تنازل عن لاشيو دون تبادل لإطلاق النار. واستعاد الجيش لاحقاً بلدات رئيسية في الشمال والوسط منها ناونغكيو، ثابيكيين، كياوكمي، وهيسباو. وفي أواخر أكتوبر توسطت الصين مجدداً لسحب جيش تحرير طا’انغ الوطني من بلدتي مناجم الذهب موغوك ومومييك.

«الجيش الوطني يستعيد قوته بلا شك»، يقول مورغان مايكلز، باحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. «إذا استمر هذا المنحى، قد يعود الجيش إلى موقع مهيمن خلال عام أو عامين تقريباً».

قلبت المعادلة حملة تجنيد وإدخال طائرات مسيّرة موسعة وتعيين ضباط ملموسي القدرة القتالية. فمنذ إعلان الخدمة العسكرية الإلزامية في فبراير 2024 جندت القوات ما بين 70,000 إلى 80,000 شخص بحسب الباحثين. ويقول مين زاو أوو، المدير التنفيذي لمعهد ميانمار للسلام والأمن: «حملة التجنيد فَعّالة على نحو مفاجئ. الضائقة الاقتصادية والاستقطاب السياسي دفعا شباناً كثيرين إلى الانضمام»، مضيفاً أن كثيراً من المجندين متمكنون تقنياً ويعملون كقناصة ومشغّلي مسيّرات. «وحدات الطائرات المسيرة لدى الجيش الآن تتفوق على مثيلاتها لدى المعارضة».

وتشير بيانات مشروع رصد النزاع المسلح ACLED إلى ارتفاع في هجمات الطائرات المأهولة والمُسيّرة نفّذها الجيش بنحو 30% هذا العام. وسجل المشروع 2,602 هجوماً جوياً أسفرت، حسب قوله، عن مقتل 1,971 شخصاً — وهو أعلى عدد منذ الانقلاب. ويضع التقرير ميانمار في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث عمليات الطائرات المُسيرة، بعد أوكرانيا وروسيا.

الصين لم تكتفِ بدور الوسيط فقط؛ بل مارست ضغوطاً إضافية. بحسب محللين، دفعت بكين أحد أقوى الفصائل العرقية المسلحة، جيش ولاية الو، إلى قطع إمدادات السلاح عن مجموعات أخرى، ما أدّى إلى نقص في الذخائر على نطاق واسع. كما أن القوى المعارضة عانت من تفكك داخلي: «هم مجزأون كما تبقى دائماً»، يقول مايكلز، مشيراً إلى تدهور العلاقات بين هذه الجماعات وتخلّي بعض المنظمات المسلحة العرقية عن قوات الدفاع الشعبي، وهي الميليشيات المعارضة التي تشكلت بعد الانقلاب.

يقرأ  «قبة ترامب الذهبية»خطة دفاعية تشمل صواريخ فضائية وأسلحة ليزرية— تقرير — أخبار دونالد ترامب

حسابات بكين

يعمل دور الصين، وفق مراقبين، انطلاقاً من خشيتها من انهيار الدولة في الجوار. يقول إينار تانغن، محلل مقيم في بكين بمركز الابتكار الحوكمي الدولي: «الوضع في ميانمار فوضوي وخطر، وهو على حدود الصين». وترمي بكين إلى إرساء الاستقرار لحماية طرق تجارية حيوية، بما في ذلك ممر اقتصادي صيني–بيمـانمار يربط مقاطعة يونان الداخلية بالمحيط الهندي وميناء عميق هناك.

تانغن يؤكد أن بكين ليست مولعة بالجيش لكنها ترى قلة بدائل. فعلى الرغم من امتناعها عن تطبيع العلاقات فور الانقلاب أو الاعتراف بقائد الانقلاب مين أونغ هلاينغ، التقى به الرئيس شي جين بينغ مرتين هذا العام. وفي محادثات بتشنغ في أغسطس قال شي لمين أونغ هلاينغ إن بكين تدعم ميانمار في صون سيادتها وفي «توحيد القوى السياسية الداخلية» و«إعادة الاستقرار والتنمية».

ترى بكين في الانتخابات مساراً نحو حكم أكثر قابلية للتنبؤ. روسيا والهند أيضاً دعمتا العملية، بينما وصفت الأمم المتحدة وعدد من الدول الغربية الانتخابات بأنها «مسرحية». غير أن تانغن لفت إلى أن الدول الغربية، بالرغم من إدانتهم للجيش، لم تتعامل بجدية مع المتمرّدين، فيما الولايات المتحدة زادت من عزلة النظام عبر قطع المساعدات الخارجية وإنهاء تسهيلات التأشيرات لمواطني ميانمار.

«الغرب يكتفي بالتصريحات الشكلية ازاء الأزمة الإنسانية»، كما يقول محللون محليون ودوليون. شرووط الحل تبقى معقدة، ومع استمرار الحرب ونمو قدرات الجيش، تبدو آفاق انتقال سلمي للحكم بعيدة في ظل واقع إقليمي ودولي يوازن بين مصالح الاستقرار والشرعية. مكاسب محدودة.. وحرب ممتدة

قال تانغن إن الصين تحاول التدخّل لكنها لا تزال تفتقر إلى سبل واضحة لحل الأزمة.

في المقابل، تظل المكاسب الإقليمية للجيش محدودة. في ولاية شان الشمالية، أكبر الولايات في ميانمار، استعاد الجيش ما يقارب 11.3% فقط من الأراضي التي فقدها، بحسب معهد الاستراتيجية والسياسة ـ ميانمار. لكن ولاية راخين الغربية تبقى «المسرح الأكبر والأشدّ اشتعالاً للحرب»، بحسب خين زا وين، المحلّل المقيم في يانغون.

يقرأ  ترامب يصدر إنذاراً نهائياً لحماس لقبول خطة غزة بحلول الأحد — أخبار دونالد ترامب

هناك، يدفع جيش أراكان إلى ما وراء حدود الولاية، مستولياً على قواعد متعددة ويتحرك شرقاً في مسعى يهدد صناعات الدفاع التابعة للجيش. وفي ولاية كاتشين الشمالية، تقترب المعارك على مدينة بامو من ذكرى اندلاعها الأولى، بينما استولت عناصر مسلّحة في الجنوب الشرقي على «عدد من المواقع الهامة على طول الحدود مع تايلاند»، وفق محلّلنا.

لهذا السبب، اعتبر خين زا وين أن المكاسب الأخيرة للجيش في مناطق أخرى «ليست بالذات ذات أهمية كبيرة».

ووصف مرصد ACLED أيضاً ما حققه الجيش بأنه «مقتصر في سياق الصراع الكلي». في إحاطة هذا الشهر، كتبت سو مون، كبيرة المحلّلين في المرصد، أن الجيش لا يزال «في وضع أضعف مقارنة بما كان عليه قبل انقلاب 2021 والعملية 1027، وغير قادر على فرض سيطرة فعّالة على المناطق التي استعادها مؤخراً».

ومع ذلك، تمنح هذه المكاسب الجيش «مزيداً من الثقة للمضي قدماً في إجراء الانتخابات»، كما قال خين زا وين.

ويتوقع أن يشكّل حزب الاتحاد للتضامن والتنمية المدعوم من الجيش الحكومة المقبلة، بعد أن حلّ الحزب الوطني للديمقراطية بقيادة أونغ سان سو شي، ولا تزال زعيمة الحزب محتجزة ومن دون تواصل مع الخارج، بينما مُنع عدد من الأحزاب المعارضة الأصغر من المشاركة في الانتخابات.

أضاف خين زا وين أنه لا يتوقع أن تؤثر الانتخابات «بدرجة ملحوظة» على مجريات الحرب، وأن الجيش قد ينسجم مع وهم إمكانية تحقيق نصر عسكري كامل. من جهة أخرى، بإمكان الصين أن تلعب دوراً في خفض التصعيد، لأن جهود تحكيمها موجهة نحو تسوية تفاوضية؛ فهي تتوقع «مردوداً» ولا ترغب في حرب مطوّلة تضرّ بمصالحها الكبرى.

كتبت زاهينا رشيد ونفّذت تقارير من كوالالمبور بماليزيا، وغطّى كيب دايموند التقارير من يانغون، ميانمار.

أضف تعليق