الضربات الجوية الأميركية لن تحلّ أزمة الأمن في نيجيريا وقد تزيدها سوءًا — آراء

شنت الولاياات المتحدة، بحسب تقارير، غارات على أهداف تُنسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية في شمال غرب نيجيريا، وقد عُرضت هذه الضربات في واشنطن بوصفها ردًّا حاسماً على الإرهاب. لدى مؤيدي إدارة الرئيس الأمريكي، شهدت العملية غير المسبوقة تجسيدًا لإصرار البلاد على مواجهة التهديدات المتطرفة، كما طُمِحَ من خلالها إلى تلبية وعود سياسية بتصدي ما وُصِف بـ«إبادة مسيحية» في نيجيريا.

غير أن خلف بريق العمل العسكري تكمن حقيقة أقل تفاؤلًا: حملات القصف من هذا النوع لا تبدو حلاً فعّالاً لتحسين الأمن أو استقرار بلد تعصف به أزمات عميقة. بل على العكس، قد تُشَوّه طبيعة الصراع وتُشتّت الانتباه عن الأزمة الهيكلية التي تُغذي العنف.

المشكلة الأولى تكمن في غياب منطق استراتيجي واضح للعملية. فقد استهدفت الضربات بداية منطقة سوكوتو في الشمال الغربي، وهي منطقة شهدت اضطرابات على مدى عقد من الزمن. لكن العنف هناك لا ينبع بالأساس من تمرد أيديولوجي مرتبط بتنظيم الدولة؛ ولا توجد مجموعات معروفة مرتبطة بالتنظيم تعمل في تلك البقعة. إنما تعود جذور القلق الأمني إلى عمليات النهب المسلحة (الباندتري)، وانهيار الاقتصادات الريفية، والتنافس على الأرض. الجماعات المسلحة في المنطقة مُفتتةٌ ودوافعها غالبًا مادية وتجارية.

تبدو الضربات التي وقعت في يوم الميلاد موجهةً إلى تنظيم جديد نسبيًا اسمه «لاكوراوا»، لكن ملفه وأي صلة محتملة بداعش لم تتضح بعد بصورة قاطعة.

أما الجماعات الأيديولوجية الأكثر حضورًا في شمال نيجيريا فتبقى بوكو حرام وفرع ولاية غرب أفريقيا التابع للدولة الإسلامية (آيزواب). مراكز نشاط هذين التنظيمين لا تزال في الشمال الشرقي—ولايات بورنو، ويوبي، وأداماوا—بعيدة مئات الكيلومترات عن سوكوتو، حيث يمتد تاريخ للتمرد يُفسر سبب التركيز هناك. فالسؤال المنطقي يبقى: لماذا بدأ الضرب في الشمال الغربي؟ لا يبدو هناك تفسير استراتيجي واضح.

يقرأ  سوثبي تسجّل أعلى سعر على الإطلاق لمزاد لمالكٍ واحد في فرنسا

ثمة قلق إضافي بشأن الغموض المحيط بالخسائر البشرية. حتى الآن لا توجد أرقام رسمية موثوقة. نقلت بعض الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي أن القنابل أصابت أهدافًا خالية، فيما أفاد محلل أمني أن مصادر خاصة تفيد بأن معظم الضربات لم تُصيب الأهداف المستهدفة وأن حجم الضرر الفعلي ما يزال مجهولًا إلى حد كبير. محطة نيجيرية ذكرت بدورها أن السكان المحليين عانوا من حالة هلع واسعة، وأن أحد المواقع المتضررة لم يكن معروفًا بسجلٍ من العنف سابقًا. وحتى الآن لا يمكن الحسم بوقوع إصابات مدنية أم لا.

تداولت حسابات أخرى على الإنترنت صورًا تُزعم أنها تُظهر ضحايا مدنيين، لكن هذه الادعاءات لم تُتحقّق بعد. وفي سياقٍ يعمل فيه «حرب المعلومات» جنبًا إلى جنب مع الصراع المسلح، تنتشر التكهنات أسرع من الحقائق. ونقص الشفافية في بيانات الضحايا من جانب حكومة الولايات المتحدة قد يُفاقم عدم الثقة في صفوف مجتمعاتٍ عديدة ترى بالفعل مشاركة عسكرية خارجية بعين الريبة.

للرمزية دور مهم أيضًا. وقع الهجوم في يوم عيد الميلاد، وهو توقيت يحمل دلالات عاطفية وسياسية. للكثير من المسلمين في شمال نيجيريا قد يُفسَّر التوقيت باعتباره دعما لرؤية أوسع تُصور الغرب في صفِّ «الحملة الصليبية» ضد المسلمين.

وثمة حساسية أخرى تتعلق بالمكان نفسه: سوكوتو، التي كانت عاصمة الخلافة في القرن التاسع عشر ومركزًا دينيًا وتاريخيًا مرموقًا لدى المسلمين النيجيريين. قصف مركز رمزي مماثل قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر المعاداة للولايات المتحدة، وتعميق الشكّ الديني، وتقديم مادة خصبة للدعايات المتشددة. بدلاً من تقليص نفوذ تنظيم مُزعم، قد تفضي الضربات إلى تجنيدٍ معادٍ وتوسيع روايات التظلم.

إذا كانت الضربات الجوية غير كافية لمعالجة أزمة أمن نيجيريا، فما البديل؟

يقرأ  سجن مواطنين صينيين في جنوب أفريقيا بعد إدانتهم باختطاف وإجبار ملاويين على العمل القسري

لا يكمن الحل في التدخل العسكري الأجنبي فحسب. صراعات نيجيريا من أعراض فشل أعمق في الحوكمة: تآكل قدرات الأجهزة الأمنية، الفساد، وغياب الدولة عن المجتمعات الريفية. في الشمال الغربي، حيث تنتشر العصابات المسلحة، يتفاوض السكان أحيانًا مع هذه المجموعات ليس لانسجامٍ أيديولوجي بل لأن الدولة غائبة عن توفير الأمن والخدمات الأساسية. وفي الشمال الشرقي، حيث نشأت بوكو حرام، خلَّف إهمال حكومي طويل، وسياسات أمنية قاسية، واستبعادٌ اقتصادي، أرضًا خصبة للتطرف.

لذلك يجب أن يكون الرد الأمني المستدام متعدد المستويات: استثمار في شرطة مجتمعية، فتح قنوات للحوار، مسارات لعملية إزالة التطرف، وحضورٍ للدولة يحمي بدلاً من أن يعاقب. يتطلب الأمر إعطاء الأولوية لجمع معلومات استخباراتية دقيقة، تقوية السلطات المحلية، وإعادة بناء الثقة بين المواطنين ومؤسساث الدولة.

قد تجلب ضربات الولايات المتحدة عناوين صحفية وتلبي حاجة جمهور داخلي، ولكن على الأرض في نيجيريا تُعرض لخطر أن تكون مجرد وقود للبلاغات المتشددة وتعميق الاستياء.

النيجيريون لا يحتاجون إلى قصف أجنبّي ليحلّ مكان بناء الأمن والاستقرار؛ إنما يحتاجون إلى إصلاحات محلية أصيلة: دعماً طويل الأمد محليًّا لإعادة بناء الثقة، استعادة سبل العيش، وتعزيز مؤسساث الدولة. وكل ما دون ذلك هو تلهٍ وتشتيت.

الآراء الواردة هنا تعبر عن كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لــ«الجزيرة».

أضف تعليق