تشييعُ رئيسِ هيئةِ الأركانِ الليبيِّ في مصراتة

مصراتة، ليبيا — بعد أيام من الحداد، وُوري جثمان رئيس أركان الجيش الليبي اللواء محمد الحداد إلى مثواه الأخير إلى جانب أربعة من كبار الضباط الذين قضوا معه.

نُقلت جثامين الحداد ومستشاره البارز محمد العسّاوي ومصوِّره العسكري محمد المحجوب مساء السبت إلى مسقط رأسهم في مصراتة تمهيداً للدفن. كما نُقلت جثامين قائد القوات البرية، الفريق فتوري غريبيل، ورئيس تصنيع الأسلحة محمود الجدوي إلى مدنهم الأصلية بعد تحطم الطائرة في وسط تركيا يوم الثلاثاء.

كان الخمسة عائدين من أنقرة عقب اجتماعات مع مسؤولين أتراك في مجال الدفاع، بعد يوم من تصويت البرلمان التركي لتمديد وجود قواته في ليبيا في إطار تعزيز التعاون العسكري مع الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس. وتشير السلطات التركية إلى أن التحقيقات الأولية ترجح وجود فشل فني.

أرسلت لجنة عسكرية ليبية إلى أنقرة للمشاركة في التحقيق، واتفق الطرفان، حسب عضو في اللجنة، على نقل مسجل رحلة الطائرة إلى دولة محايدة لإجراء تحقيق شامل.

مشهد مروّع

بعد معاينة موقع الحادث وصفت مصادر من اللجنة العسكرية الليبية الحادث بأنه «مشهد مروع»، إذ تفرقت بقايا الجثث في المكان، وكانت عملية التعرف صعبة للغاية لدرجة اضطرار السلطات لإجراء فحوصات حمض نووي لتحديد هوية الأجزاء وإسنادها إلى الركاب. وبعد عملية مطوّلة وشاقّة أعيدت الجثامين إلى ليبيا، وأقامت تركيا مراسم عسكرية تكريماً لهم فجر السبت، ثم وُضعت الجثامين على متن طائرة متجهة إلى ليبيا، لكن الأمور تعقّدت حينها بسبب خلافات داخلية حول تفاصيل مراسم الاستقبال والدفن ومواقع إقامتها.

هل يعوّض اللواء الحداد؟

حكومة طرابلس تُدار من قِبل المجلس الرئاسي، وهو هيئة ثلاثية تعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة وفق الاتفاق السياسي الليبي، لكن الجهات المتنافسة في شرق البلاد بقيادة القائد المتمرد خليفة حفتر لا تعترف بهذا المجلس، رغم توقيع البرلمان الشرقي على الاتفاق.

يقرأ  دراسة تحذّر: ارتفاع مستوى البحار قد يعرّض تماثيل جزيرة الفصح الأيقونية للخطر بحلول عام ٢٠٨٠

رآه كثيرون رجلاً مسالماً ذا احترام واسع حتى لدى خصومه. ولعب دوراً محورياً في صدّ حملة حفتر على طرابلس عام 2019، والتي أوشكت قواته خلالها على محيط العاصمة. تحت قيادته استعادت القوات الحكومية السيطرة على غرب ليبيا وأعادت حفتر إلى الشرق، وساهم الحداد في تمهيد الطريق لاتفاق وقف إطلاق النار الوطني الموقع عام 2020.

أعرب حفتر في بيان عن «حزنه العميق» لوفاة الحداد وقدم التعازي لعائلته.

في مايو اندلعت اشتباكات حول مطار معيتيقة الدولي بين قوات حكومية وقوة الردع الخاصة، وهي فصيل مسلّح قوي يتبع للمجلس الرئاسي ويعارض رئيس الوزراء المؤقت في طرابلس عبد الحميد الدبيبة. ووجه الدبيبة ultimatum (إنذاراً نهائياً) لقوة الردع بتسليم المطار وسجونهم والاندماج في جهاز الأمن أو أن تُستهدف من الحكومة. وبوساطة ودعم تركي تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتشكيل لجنة تهدئة برئاسة الحداد من قبل المجلس الرئاسي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

لا شك أن ملء فراغ قيادة الأركان مهمة شاقّة. عيّن المجلس الرئاسي نائبه الفريق صلاح النمروش بالوكالة، الذي ودّع في تأبينه «رجال الوطن الذين حملوا أعباءه وجعلوا الانضباط نهجاً والقيادة مسؤولية». تعهّد النمروش بمواصلة مسار الحداد والعمل على توحيد الجيش.

على الرغم من صعوبة المهمة، قال المحلل السياسي محمد محفوظ لقناة الجزيرة إن «النقاشات جارية؛ وبالنظر إلى أهمية المنصب، أتوقع صدور قرار خلال الأيام العشرة المقبلة».

شهدت ليبيا موجة استياء وتظاهرات انتقادية للحكومة على خلفية الوضع الاقتصادي، ما دفع السلطات إلى الإعلان عن خطة لتعديل وزاري كان من المقرر الإعلان عنها في 24 ديسمبر، إلا أن وفاة الحداد أجلت الإعلان. وسيُدرَج منصب رئيس الأركان الآن ضمن تفاصيل تعديل الحكومة وخياراتها القادمة. القائمونن على التحقيق ما زالوا مستمرين في عملهم. قد يشير اختيار خليفة الحداد إلى قرارٍ سياسي يهدف إلى تلطيف نفوس أطرافٍ معينة بدلاً من أن يكون اختياراً مبنياً على الكفاءة والمؤهلات المهنية.

يقرأ  «شعرت بأن صوتي أُخمد»ميشا شفي: ردة الفعل المضادة في باكستان تجاه حركة #أنا_أيضًا — قضايا المرأة

«هذا ما يخشى كثيرون منا»، قال محفوظ.

حكاية مطارين

في مشهد يعكس انقسام ليبيا، اضطرت حكومة طرابلس لاستقبال جثامين الحداد وعددٍ من المسؤولين العسكريين في مطار طرابلس الدولي، الذي تعرض للتدمير أثناء القتال عام 2014. المطار يخضع حالياً لأعمال ترميم، ويُستخدم الآن فقط لاستقبال الطائرات الحكومية وطائرات الإخلاء الطبي الطارئ.

عادةً كانت الجثث ستُستقبل في مطار معيتيقة الدولي، الذي صار المطار التجاري الرئيسي لطرابلس، إلا أنّه يخضع لسيطرة قوة مسلّحة مختلفة، فلم يتمكّن رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبه، من التواجد هناك. هو غير مرحبٍ به.

انتظر الدبيبة، وأعضاء المجلس الرئاسي، وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين وصول الجثامين في مطار طرابلس الدولي، ثم نُقلت الجثامين إلى قاعدة عسكرية جنوبي المدينة لإقامة مراسم عسكرية تكريماً لهم. أعلن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، «ترقية كل شهيد إلى الرتبة التالية»، فترقى الحداد بعد وفاته إلى رتبة مشير.

قال الدبيبة في المراسم: «كان المشير محمد الحداد ركيزة في حماية الدولة والحفاظ على الاستقرار». وأكد أن التحقيقات في الحادث «مستمرّة بدقّة ومصداقية تامّتين وبالتنسيق مع توركيا».

نُقلت جثامين الحداد والعيساوي والمحجوب إلى مسقط رؤوسهم في مصراتة مساء السبت، وفي صباح الأحد تدافعت الحشود من مختلف أنحاء البلاد لتشييعهم. اجتمع آلاف المواطنين في ملعب كرة القدم بمصراتة لأداء صلاة الوداع، وأعلنت السلطات المحلية يوم الجنازة عطلة رسمية حتى يتسنّى للناس الحضور.

غادر عبد الله العلفي، زعيم قبلي من رجّبان في جبال نفوسة غرب ليبيا، منزله عند الثالثة فجراً ليقطع مئات الكيلومترات ويشارك في إبداء الاحترام. عندما سُئل عن وفاة الحداد قال: «خسارة كبيرة. وفاة محمد الحداد خسارة لنا جميعاً ولليبيا. كان وطنياً صادقاً، رحمه الله».

وأضاف: «وجودنا هنا رمز للوحدة. كفى انقسامات؛ آن الأوان لأن نتكاتف لبناء دولة وجيشٍ موحّد».

يقرأ  أم في غزة تُحمّل المجاعة مسؤولية انخفاض وزن ابنتها إلى النصف

أضف تعليق