عندما يُصوَّر وجود الفلسطينيين على أنه كراهية — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

أنا فلسطيني. ومع مرور الوقت، باتت هذه الحقيقة وحدها تُعتَبَر استفزازًا.

شهدت في الأشهر الأخيرة كيف تُفرَغ كلمة «معاداة السامية» — ذلك الشكل الحقيقي والمميت للكراهية الذي له تاريخ طويل ومروع — من معناها، وتُستَخدم كسلاح لإسكات الفلسطينيين، وتجريم التضامن معنا، وتغطية إسرائيل من المساءلة بينما ترتكب إبادة في قطاع غزة. المسألة هنا ليست حماية اليهود. انه حماية للسلطة.

النمط صار لا يُحتمل تجاهله.

مُعلمة للأطفال، السيدة راشيل، التي بُني عملها العام كله على العناية والتعلّم والتعاطف، وُصِفت بـ«معادية السامية» — ليس لأنها مارست خطاب كراهية، بل لأنها عبّرت عن قلقها على أطفال فلسطين. لأنها اعترفت أن أطفال غزة يُقتلون بالقصف، ويُجوعون، ويعانون صدمات نفسية. لأنها أبدت شفقة.

بوصفي فلسطينياً، أسمع الرسالة بوضوح: حتى التعاطف مع أطفالنا بات خطراً.

ثم حركة Palestine Action، التي تُنظِم احتجاجات ضد مصنّعي السلاح المزودين للجيش الإسرائيلي، تُعامل ليس كمطلب سياسي يُناقش أو يُنتقد في إطار ديمقراطي، بل تُصنَّف «إرهابية» وتُساوَى بلا مبالاة بتنظيم داعش — مجموعة مسؤولة عن إعدامات جماعية واستعباد جنسي وعنف إبادي.

هذه المقارنة لا تُعد فحسب بذيئة؛ إنها مقصودة. إنها تدمج معنى «الإرهاب» حتى يصبح الخلاف السياسي تشدُّدًا بالضرورة. تصبح المقاومة مرضًا. يصبح الاحتجاج «إرهابًا». ويُعاد تأطير الفلسطينيين، مرة أخرى، ليس كشعب تحت احتلال، بل كخطر دائم.

اللغة نفسها تُجرَّم الآن. تُحظر عبارات مثل «عولمة الانتفاضة» دون أي تعامل جاد مع التاريخ أو المعنى. الانتفاضة — كلمة تعني حرفياً «الهزة» أو «التخلص» — تُقتطع من سياقها السياسي كانتفاضة ضد احتلال عسكري وتُقلَّل إلى شتيمة. يُمنَع عن الفلسطينيين حتى حق تسمية مقاومتهم.

وفي الوقت نفسه، يُعاد تفكيك القانون الدولي بشكل علني.

يُعاقَب موظفون وقضاة في المحكمة الجنائية الدولية ويُرهبون لأنهم تجرأوا على التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية. فَرَانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين، لم تُعاقَب فحسب؛ بل شُنَّت ضدها حملة تشويه مستمرة — لأنها تستخدم لغة القانون الدولي لوصف الاحتلال والفصل العنصري والإبادة.

يقرأ  إعلان حالة كارثة بعد مقتل ٦٩ شخصًا جراء زلزال ضرب إقليمًا في الفلبين

عندما يُطبَّق القانون الدولي على زعماء أفارقة، يُحتفى به.
عندما يُطبَّق على إسرائيل، يُعتَبَر عداءً.

وهنا تأتي أستراليا — وإحدى أكثر اللحظات كشفًا للوقائع.

بعد الهجوم الفظيع على شاطئ بوندي، الذي صدم وأرعب أustralia (أستراليا)، اتهم رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الحكومة الأسترالية بتشجيع معاداة السامية. ليس بسبب تحريض، ولا بسبب خطاب تحريضي — بل لأن أستراليا تحرّكت نحو الاعتراف بفلسطين كدولة.

اقرأ ذلك ثانية.

الاعتراف الدبلوماسي بدولة فلسطين — الذي كان يُقدَّم طويلاً كركيزة للسلام ومستنِدًا إلى القانون الدولي — عُرِض كفشل أخلاقي، بل كمُحرِّك للعنف المعادي للسامية. وجود الفلسطينيين نفسه صُوِّر كمشكلة.

ما يزعج في هذه اللحظة ليس فقط ادعاء نتنياهو، بل أن الكثير من مراكز القوى روّجت الفكرة بدل أن تتصدى لها.

بدلاً من رفض الفكرة بحزم — أن اعتراف الحقوق الفلسطينية قد «يشجع معاداة السامية» — سمحت حكومات ومؤسسات ومعلقون بقبول الفرضية. بعضهم كرّرها صراحة. آخرون سكتوا. قلّ من تصدَّوا للمنطق الخطير في جوهره: أن الاعتراف السياسي بالفلسطينيين بطبيعته مُزعزع للاستقرار أو استفزازي أو تهديدي.

هكذا يحدث الانهيار الأخلاقي — ليس ببرقٍ مدوٍ، بل بالرضوخ.

النتيجة ليست أمانًا لليهود، بل محوًا للشعب الفلسطيني.

كم هو مدمر هذا بالنسبة لي.

يعني أن هويتي ليست مجرد موضع خلاف — بل مُجرَّمة. حزني ليس مجرد مُتجاهَل — بل مُموَّل سياسياً. مطالبي بالعدالة لا تُناقَش — بل تُسوَّق ككراهية.

معاداة السامية موجودة فعلًا. يجب مواجهتها بجدٍّ وبدون تردد. للشعب اليهودي حق الأمان والكرامة والحماية — في كل مكان. لكن عندما تُوسع مصطلحات معاداة السامية لتشمل معلمات أطفال، وخبراء أمميين، وقضاة دوليين، وحركات احتجاج، وهتافات، وكلمات، وحتى الاعتراف الدبلوماسي بفلسطين، فإن المصطلح لا يعود يخدم حماية اليهود.

يقرأ  دليلك لجوائز إيمي ما الذي سيحدث وكيف تتابع الحفل

إنما يحمي دولة من المساءلة.

والأسوأ من ذلك، أن هذه الأسلحة اللغوية تُعرض اليهود للخطر بإذابة الهوية اليهودية في أفعال حكومة ترتكب فظائع جماعية. إنها تُعلِم العالم أن إسرائيل تمثل كل اليهود — وأن أي معارض يجب بالتالي أن يكون عدواً لليهود أنفسهم. هذا ليس حماية؛ إنه تهور متنكر بمظلة أخلاقية.

بالنسبة لنا كفلسطينيين، الأثر النفسي هائل.

سئمت أن أبدأ كل جملة بتصريحات توضيحية.

أشعر بألم عميق وأنا أشاهد شعبي يُجوع فيما يُلقى علينا محاضرات عن الأسلوب والنبرة.

أغضب لأن تطبيق القانون الدولي يبدو مقتصرًا على قضايا سياسية مُريحة.

وأنا أحزن — ليس فقط على غزة، بل على الانهيار الأخلاقي الذي يتكشف حولها.

مناهضة الإبادة ليست معاداة للسامية.
التضامن ليس «إرهابًا».
الاعتراف بفلسطين ليس تحريضًا.
تسمية معاناتك ليست عنفًا.

إذا أصرت الدنيا على وصفي بمعادٍ للسامية لأنني أرفض قبول إبادة شعبي، فليس معاداة السامية ما يُواجَه.

إنما تُبرَّر الإبادة.

وسيتذكر التاريخ من ساعد في جعل ذلك ممكنًا.

وجهات النظر المعبر عنها هنا للمؤلف وحده ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق