مقتل يتيم يسلط الضوء على إساءة معاملة الأطفال في الصومال

إذاعة غالكايو

أثارت وفاة الطفلة يتيمة الرعاية صابرين سايلان دعوات متزايدة إلى تفعيل آليات حماية الطفولة بشكل جاد وفعال.

امرأة تنتظر حالياً تنفيذ حكم الإعدام في الصومال بعد إدانتها بقتل فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً كانت في رعايتها. مقتل اليتيمة صابرين في نوفمبر، والتفاصيل المروِّعة التي برزت حول ظروف وفاتها، أشعلت احتجاجات قرب منزلها في غالكايو وأعادت إحياء المطالبة بحماية أفضل للأطفال.

لمست هذه القضية وترًّا حساسًا في مجتمع تُخفي فيه حالات الاعتداء على الأطفال كثيرًا، خصوصاً حين تقع داخل الأسر الممتدة. بالنسبة لعدد كبير من الناس، أصبحت وفاة صابرين رمزًا لفشل أوسع في منظومة حماية الطفل ولتراخٍ في تنفيذ الضوابط القانونية التي تُفترض أن تمنع وقوع مثل هذه المآسي.

إدانت محكمة هدّان محمود ديرييري، البالغة من العمر 34 عاماً، بتهمة القتل، وهي إحدى النماذج النادرة في الصومال التي تفرض فيها المحكمة أقصى عقوبة على مرتكب اعتداء على طفل. المتهمه نفت التهم ومحاميتها قدم استئنافًا ضد الحكم. أما زوجها عبدالعزيز نور، 65 عاماً، فبرأته المحكمة من تهمة القتل لكن حكمت عليه بالسجن سنة وغرّمته 500 دولار بتهمة الإهمال.

كانت صابرين قد فقدت والديها في فترة قصيرة عندما كانت في السنة الأولى من عمرها، وتوفيت جدتاها أيضاً، فتكفلت بها عمة والدتها الراحلة، التي سعت إلى أن تتلقى تعليماً وأن تلتحق بمدرسة قرآنية تقليدية. لكن حياتها انقلبت بشكل مأساوي في سبتمبر عندما وافقت العمة الكبرى على أن تتولى عائلة ديرييري رعايتها بوصفهم بحاجةٍ إلى مساعدة منزلية.

أظهرت تحقيقات الشرطة أنه خلال شهرين قضتهما الفتاة في ذلك المنزل تعرّضت لـ”إساءات جسدية منهجية”؛ تعرضت للضرب والتعذيب. واستعاد المحققون أدلة من هاتف ديرييري، بينها مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية وثّقت العنف المتكرر؛ وتسرب بعضها إلى العامة قبل المحاكمة – ولم يتضح بعد من سرّبها. في تسجيل صوتي مقلق، تُسمع ديرييري وهي تقول: “أستمتع بألمك”.

يقرأ  أسقف لوثري في القدسيتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية

كشف تقرير تشريح الجثة عن إصابات متعددة وطعنات عميقة تتسق مع عنف طويل الأمد. ومع انكشاف تفاصيل التحقيق، تصاعد الغضب الشعبي.

خلال احتجاجات في غالكايو، تظاهر المئات من النساء والشباب حاملين لافتات كتب عليها «العدالة لصابرين»، مطالبين السلطات بمقاضاة كل من له علاقة بالجريمة. تجمع المتظاهرون أمام المستشفى المحلي حيث كانت جثة الفتاة في مشرحة المستشفى. تصاعدت الأحداث حتى اشتبك المتظاهرون مع الشرطة، وسُجل سقوط شاب برصاصة قاتلة، دون أن يتضح مصدر إطلاق النار.

أطلقت الفتيات والشابات حملات تضامن واسعة على منصات التواصل الاجتماعي مستخدمات وسم اسم صابرين، وبدا الاحتجاج امتدادًا لغضبٍ جماهيري، كما عبّرت إحدى المشاركات البالغة من العمر 18 عاماً، أنيسو عبدالله، والدموع في عينيها: “لا ينبغي لأي طفل أن يموت بهذه الطريقة”. وأضافت: “نرفض أيضاً محاولات الشيوخ التقليديين لحل القضية عبر الأعراف القبلية أو وراء الأبواب المغلقة”.

تتدخل مجالس الشيوخ القبلية في النزاعات بهدف تفادي الانتقام وإشعال المزيد من العنف، وغالباً ما تُفضي إلى تسويات تعويضية تُقدّم السلام على حساب تحقيق العدالة للضحية، حيث لا تُسمع أصوات النساء والأطفال كما يجب، وينشأ شعور بأن بعض الجرائم تُترك دون مساءلة حقيقية.

يظل الاعتداء على الأطفال في الصومال غالبًا خبأً داخل الأسرة، إذ تُعتبر البيوت الممتدة تقليدياً فضاءات خاصة وآمنة ينبغي أن لا تتدخل الدولة فيها. نقلت المحاكمات المتعلقة بديرييري وجلسات استماع مرتبطة بها مباشرة على مواقع التواصل لضمان ثقة الرأي العام في النظام القضائي.

قال قائد شرطة الإقليم محمد عبدالحكيم إن الحكم يمثل لحظة مهمة في السعي إلى تحقيق العدالة للفتاة المغدورة، وإن الجانية الآن تنتظر فقط تنفيذ حكم الإعدام. قالت إذا ما ظهرت أدلة إضافية تثبت تورط مزيد من الأشخاص في هذه الجريمة، فلن يُستثنى أحد؛ سيُطبَّق القانو ن كاملاً على كل من تثبت إدانته أدضا.

يقرأ  تراجع إنتاج هوندا العالمي للمركبات بنسبة ٧٪ في يوليو

قال نجيب وحيلي، مدير منظمة “دحوْدان” لحقوق الطفل، إنّ القضية تُبرز الفجوات العميقة التي لا تزال تمنع حماية أبسط حقوق الأطفال في مجتمعنا. وأضاف أن الأطفال ما زالوا يتعرّضون للعنف داخل المنازل، وأنّ الشرطة لا تصلُّ إلا في أخطر الحالات نادراً.

في حزيران الماضي، تلقّت شرطة مقديشو بلاغاً عن تعرّض طفلٍ ثلاثيّ السنوات لإساءة بالغة داخل منزل زوجة والده، وتمّ توقيف المشتبه به بسرعة.

ثمة نقاش واسع في الصومال حول مدى وجوب تدخل السلطات فيما يجري داخل الأسر.

وتفيد منظمة “أنقذوا الأطفال” في الصومال بأن ثلاث جرائم مروّعة ارتُكبت بحق أطفال خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني: حرق أدى إلى مقتل أربعة أطفال صغار في هرجيسا، والاغتصاب العنيف لطفلة تبلغ 11 عاماً في بونتلاند، وقتل أم وثلاث بناتها في وسط البلاد.

وقالت شكري عبدي، رئيسة رابطة النساء المحلية في غالكايو، إن المجتمع مُثقل بحالات عنف أسري كثيرة لا تصل معظمها إلى المحاكم.

في الأول من أكتوبر، صادق البرلمان الصومالي على الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاه الطفل، بأغلبية 130 نائباً مقابل 10 معارضين وامتناع 5 عن التصويت. يضع هذا الميثاق أطرًا قانونية لمنع إساءة معاملة القصر واستغلالهم والعنف ضدهم، وتشمل أحكامه: تجريم جميع أشكال إساءة معاملة الأطفال، تشديد العقوبات القانونية على الأوصياء المسببين للأذى أو الإهمال، ضمان مسؤولية الدولة عن الأطفال الضعفاء واليتامى، وإرساء آليات للرصد في المدارس والمستشفيات والمجتمعات المحلية.

غير أنّ وزارة الأسرة وتنمية حقوق الإنسان أوضحت بعد ثلاثة أيام أن تطبيق الميثاق سيتم وفقاً للشريعة والدستور، ولن تُطبَّق أي بنود تتعارض مع تعاليم الدين. وشدّدت الوزارة على أن سلطة الوالدين أمراً أساسياً لا يملك أي طرف خارجي تجاوزه، وأنّ منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة يتعارض — وفق تفسيرها — مع الشريعة التي تسمح بالزواج عند البلوغ، مع الإشارة إلى أن السن الأدنى المتبع عملياً في الصومال كان 15 سنة.

يقرأ  آرت بازل تكشف عن البرنامج الكامل لنسختها الافتتاحية في الدوحة ٢٠٢٦

جادلت فدومو أحمد، ناشطة حقوق المرأة والطفل، بأن تنفيذ التشريعات المماثلة الموجودة أصلاً في البلاد ما يزال ضعيفاً. وقالت إن الشرطة وخدمات الضمان الاجتماعي تفتقران إلى القدرات اللازمة للتعامل مع هذه القضايا، وإن تدخل شيوخ العشائر غالباً ما يقوّض سير العدالة ويُسكت أصوات الضحايا. وأضافت أن الأطفال كثيراً لا يعلمون أن بإمكانهم التحدث والإبلاغ، وأن المدارس لا تدرّسهم كيفية الإبلاغ عن الإساءة.

“في كثير من القضايا المُماثلة يصل طرفا العائلة إلى تسوية خلف الأبواب ثم يعلِمان الحكومة أن الأمر حُلّ”، كما أكدت السيدة أحمد.

من جانبها، نفت شكري أحمد حسين، منسقة وزارة تنمية المرأة والشؤون الأسرية في بونتلاند عن إقليم غالكايو، أن تكون السلطات قد قصّرت في حماية الأطفال. وأشارت في حديثها مع هيئة الإذاعة البريطانية إلى برامج لإعادة تأهيل شبّان تمّ تجنيدهم سابقاً في ميليشيات مسلّحة، وإلى جهود لحماية أطفال الشوارع. ومع ذلك اعترفت بأن التدخّل في قضايا مثل قضية صابرين قد يكون صعباً أحياناً، وأن المطلوب مزيد من التوعية بأن من يشتبه في عدم أمان طفل ما بإمكانه أن يتحدّث ويُبلغ.

“لكل طفل في بونتلاند الحق في أن يُنقل من أي منزل لا يشعر فيه بالأمان”، قالت السيدة حسين.

رغم أن حياة صابرين قُطِعت بطريقة مأساوية، فإن وفاتها أجبرت المجتمع على فتح نقاشات متأخّرة حول سلامة الأطفال في الصومال. ومع ذلك، يظل بعض الناس متشككين بشأن ما إذا كانت العدالة ستتحقق على المدى الطويل. قال أحد المحتجين الشباب، عبد القادر علي، في رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي: “لا شيء نستحق الاحتفال به بعد؛ نريد وضوحاً. لا نريد عدالة بالقول فقط، نريد أن نراها بأعيننا، ولا نريد تأجيلات.”

أضف تعليق