مكاوتشي أوكافور/بي بي سي أفريقيا
غيفت أوفيوما/بي بي سي
تعرّضت مبانٍ في قرية نكورو لأضرار جمة جرّاء شدة الصواريخ التي استهدفت مواقع على بُعد نحو 10 كيلومترات ليلة عيد الميلاد.
خوف عميق غرِس منذ زمن طويل في سهوب السفانا الجافة وهضاب شمال غرب نيجيريا — وكان موجوداً حتى قبل الغارات الامريكية على المسلّحين الإسلاميين الذين اتخذوا من هذه المنطقة قاعدة لهم ليلة عيد الميلاد.
المتطرفون المسلّحون تجهيزا كاملا، والذين يرتدون زِيّاً تمويهيّاً ويلفّون عمائم ملونة، أقاموا معسكرات في تانغازا، وهي منطقة نائية في ولاية سوكوتو قرب الحدود مع النيجر، لسنوات عدة.
ينتمون إلى جماعة تُعرَف باسم لاكورَوا، وأصول بعضهم من مناطق شمالي النيجر والمالي في منطقة الساحل.
يعتقد سكان تانغازا، وهم مجتمع يغلب عليه المسلمون المعتدلون، أنهم قادِمون من النيجر ومالي — وهم يشعرون برعب شديد من وجودهم.
في الآونة الأخيرة، صرّحت كلٌّ من السلطات الأمريكية والنيجيرية بأن المسلحين مرتبطون بتنظيم الدولة في الساحل — رغم أن التنظيم لم يعلن رسمياً أي صلة بأنشطة لاكورَوا كما فعل مع جماعات أخرى في المنطقة.
عندما زارت بي بي سي نكورو، إحدى القرى النائية في تانغازا وعلى بُعد نحو 10 كيلومترات من موقع الصواريخ، بدا معظم السكان متوجّسين للغاية وامتنعوا عن الحديث عن لاكورَوا خشية الانتقام إن تكلموا.
لم يوافق بعض الرجال على إجراء مقابلات إلا بعد أن طمأنّوهم بأن هوياتهم ستبقى مجهولة، فتحدّثوا همساً.
سافرنا إلى تلك المنطقة الخطرة، التي تبعد نحو 12 كيلومتراً عن حدود النيجر، يوم السبت بمرافقة قوات الشرطة ومع عناصر أمن إضافية للحماية.
تقول الشرطة إنها عادة لا تخاطر بالدخول إلى هذه الأقاليم لأنها تفتقر إلى القوة النارية الكافية لمواجهة المسلحين إذا تعرّضت لهجوم.
لم يتمكّن فريقنا من الوصول إلى موقع الغارات بسبب مخاطر أمنية مستمرة — ونُصحنا بعدم البقاء طويلاً حتى لا تتاح للمقاتلين فرصة زرع ألغام أرضية على طريق خروجنا.
قال مزارع يقطن بالقرب من نكورو إن بعض المسلحين الهاربين تجمعوا في قريته بعد ساعات قليلة من الغارات ليلة الخميس.
وفرت الشرطة مرافقة أمنية من مدينة سوكوتو إلى القرية النائية نكورو — رحلة تقارب 70 كيلومتراً.
“جاؤوا على نحو 15 دراجة نارية”، قال لبي بي سي، موضحاً أن في كل دراجة ثلاثة مقاتلين.
سمعهم يتصلون هاتفياً بالآخرين، يطلبون منهم الإخلاء السريع، ثم انطلقوا هاربين على الدراجات.
“بدو عليهم أنهم محطمون — كنا خائفين أيضاً،” قال. “لم يحملوا جثثاً، بل بعض الأمتعة فقط.”
لا يزال من غير الواضح إن تسبّبت الغارات التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سقوط قتلى في المخيمين المستهدفين.
لكن سكان نكورو — وهو مستوطنة صغيرة تضم نحو أربعين بيتاً طينياً ذات أسقف من القش ومدافن طينية لحفظ الحصاد — يشهدون على شدة الصواريخ.
قال رجل سبعيني: “كانت الأبواب والأسقف تهتزّ، وتهدّمت الأسقف القديمة.”
“لم نستطع النوم لأن كل شيء كان يهتزّ. لم نعرف ما الذي يحدث، سمعنا أشياء تقع من السماء، ثم ظهر اللهب.”
اضطرّ أهالي قرية نكورو طيلة سنوات لدفع ضرائب لمسلحي لاكورَوا.
ولا يخفى عليهم أن المسلحين قادرون على التجمع مجدداً؛ فهم رشيقون ويستخدمون الدراجات للانتقال بسرعة عبر تضاريس المنطقة الوعرة.
وليس من الصعب أن نفهم كيف نجحوا في فرض موطئ قدم لهم هنا، إذ تكاد تكون غياب مظاهر الوجود الحكومي واضحاً.
لا توجد مدارس أو مستشفيات مرئية، ولا طرق معبدة. وأجزاء واسعة من المنطقة لا تُبلَغ إلا عبر مركبات قادرة على عبور مسالك صحراوية وعرة.
في نكورو، بدا أن حمير النقل هي وسيلة السكان الأساسية للتنقّل.
قال القرويون إن مسلحي لاكورَوا يدخلون المجتمع نهاراً بعد أن أصبحوا السلطة الفعلية القائمة.
المزارعون والسكان ليس لديهم خيار سوى قبول شروطهم ودفع ضرائبهم لأن الإسلاميين مسلّحون جيداً؛ ومن لا يطيع يتعرّض لهجوم وتُسرق مواشيه.
وأضاف المزارع الذي تحدّث إلى بي بي سي أن المقاتلين يمرّون بقريته معظم الأيام في طريقهم إلى تجمعات أخرى.
“عرفنا أنهم لاكورَوا من ملبسهم،” قال، واصفاً زيهم التمويهي وعمائمهم التي اعتاد رجال منطقة الصحراء في مالي والنيجر على ارتدائها.
يتحدّث المقاتلون فيما بينهم بلغة الفولفودي — لغة جماعة الفولاني المنتشرة في عدة دول بغرب أفريقيا — لكنهم يتواصلون مع السكان المحليين بالهوسا، وهي اللغة المشتركة في المنطقة، حسب قوله.
يبقى المقاتلون ليلاً في معسكراتهم المعزولة على الأرض المرتفعة التي تمنحهم موقع مراقبة جيداً فوق السهول. ولا يُعتقد أن هناك نساء أو عائلات تقيم في تلك القواعد المؤقتة.
حين دخلت لاكورَوا إلى ولايات سوكوتو وكيبي ذات الأغلبية المسلمة، قدّمت نفسها في البداية كقوة دينية تريد مساعدة مجتمع هش في منطقة غير مستقرة.
تواجه نيجيريا طيفاً واسعاً من القضايا الأمنية المعقّدة. على مدار خمسة عشر عاماً مضت، كان شمالها الشرقي مسرحاً لتمرد إسلامي دمرته جماعات جهادية مثل بوكو حرام.
في الآونة الأخيرة، شهد شمال غرب البلاد موجة إرهاب من قِبل عصابات إجرامية تُعرَف محلياً بـ”اللصوص” أو “القطاع”، الذين يجنون أرباحاً من خطف الناس وطلب فدية.
عندما انتشرت لاكورَوا في مجتمعات على طول الحدود النيجرية النيجيرية، دفعت ذلك بالعصابات إلى الانتقال إلى أماكن أخرى.
في البداية ظنّ بعض المحليين أن الجماعة قد أعادت نوعاً من النظام، لكن هذا الرأي لم يدم طويلاً. يروي سكان منطقة تانغازا أن المتطرفين الدينيين صاروا صارمين وظلّوا يفرضون قواعد قاسية وينشُرون الخوف.
تحدث أحد سكان نكورو عن الإيديولوجيا المتشددة التي فرضها المسلحون — بما في ذلك حظر أمور اعتبروها مخالفة للشريعة الإسلامية.
قال شاب لبي بي سي: “لا نستطيع أن نعيش بحرية. حتى تشغيل الموسيقى على هاتفك ممنوع — لن يكتفوا بمصادرته، بل سيعاقبونك.”
ترى بعض الطوائف الإسلامية المحافظة أن الموسيقى من شأنها أن تُلهي عن الواجبات الدينية أو تشجّع السلوكيات المرفوضة لديهم — وقد عومل المخالفون أحياناً بالجلد.
يُعتقد أن بعض مسلحي لاكورَوا تزوّجوا من نساء في مجتمعات على الحدود، وأبقوا عائلاتهم بعيداً عن المعسكرات، كما جنّدوا شباباً محليين.
بعض هؤلاء المجنّدين يُستخدمون كمخبرين، بينما يساعد آخرون في تجارة الإمدادات أو جمع المؤن من السكان.
تُستَخدَم هذه المخازن الطينية لحفظ الحصاد بعد موسم الأمطار.
كانت غارات الخميس ثاني مرة تُستهدَف فيها الجماعة بعمليات في يوم عيد الميلاد.
في عيد الميلاد الماضي، شنّت القوات النيجيرية هجوماً ضدهم قرب جِيدان ساما ورمطوا، على بعد عدة كيلومترات من نكورو، وأسفرت العملية عن مقتل نحو عشرة مدنيين.
بعد شهر تقريباً، وفي أيام ما بعد تنصيب ترامب، صنّفت الحكومة النيجيرية الجماعة كمنظمة إرهابية.
وُجّهت إلى المسلحين في مستندات المحاكمة اتهامات بالسرقة المنظمة للماعز والماشية، والخطف للحصول على فدية، واحتجاز رهائن، وشنّ هجمات على مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى.
منح هذا التصنيف الحكومة صلاحيات واسعة لاتخاذ إجراءات قاسية ضد الجماعة.
عندما أعلن ترامب عن غارات يوم عيد الميلاد قال إن السبب أنها كانت “تقتل بوحشية، بالأساس، مدنيين أبرياء من المسيحيين، بمستويات لم تُشهد منذ سنوات عديدة، وربما قرون.”
أوضح وزير الخارجية النيجيري يوسف مايتاما توغّار أن الضربات الأخيرة كانت “عملية مشتركة” و”لا علاقة لها بدين بعينه”.
غالبية أهل القرى والمزارعين الذين يعيشون في ظلّ تهديد المسلحين هم مسلمون، لا مسيحيون.
لكن إذا نجحت العملية المشتركة بين الولايات المتحدة ونيجيريا في تفكيك سيطرة لاكورَوا على حياتهم، فسيكون أهل المنطقة ممتنين لتحرّرهم من هذا الإرهاب.
تقرير إضافي من أبيومي أديشا وغيفت أوفيوما.