معارض بريطاني‑مصري يعتذر عن تغريداته — والمحافظون يضغطون لترحيله من المملكة المتحدة

أعرب الناشط البريطاني-المصري علاء عبد الفتاح عن اعتذاره بعد إعادة نشر عدد من تغريداته القديمة التي أثارت موجة جدل ودعوات لترحيله من المملكة المتحدة، وذلك بعد أيام قليلة من وصوله إلى البلاد عقب الإفراج عنه من السجن في مصر.

تطالب قيادات حزب المحافظين و«ريفورم يو كي» وزارة الداخلية بدراسة إمكانية سحب جنسية السيد عبد الفتاح، الذي يحمل جنسية مزدوجة، بعدما أظهرت رسائل منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي أنه دعا في تغريدات سابقة إلى قتل «الصهاينة» والشرطة. كما وردت تقارير تفيد بأن بعض نواب حزب العمال رفيعي المستوى طالبوا بسحب المواطنيه عنه.

وبعد مراجعة المنشورات التاريخية قال عبد الفتاح: «أدرك تمامًا مدى صدمة وإيذاء ما كُتب، ولهذا أعتذر بلا لبس». وأضاف: «أشعر بالانزعاج لأنني، بينما ألتقي بعائلتي لأول مرة منذ اثني عشر عامًا، أعيد نشر تغريدات قديمة تُستخدم الآن للتشكيك في نزاهتي وقيمي، وتطورت المطالبات إلى سحب جنسيتي».

نفى عبد الفتاح أن تكون توجهاته معادية للسامية وأوضح أنه يأخذ مثل هذه الاتهامات «بجدية بالغة»، معتبراً أن بعض المنشورات قد أُخرجت عن سياقها أو شُوّهت تمامًا.

تعرض زعيم حزب العمال السير كير ستارمر لانتقادات بعدما عبّر عن سروره بوصول عبد الفتاح إلى المملكة المتحدة يوم الجمعة، بعد ثلاثة أشهر من إطلاق سراحه في مصر، ويُفهم أن ستارمر لم يكن على علم بالرسائل التاريخية عند الإدلاء بتصريحاته.

ونقلت تصريحات المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء أن الحكومة «ترحب بعودة مواطن بريطاني أُخضع للاعتقال ظلماً في الخارج، كما نفعل في جميع الحالات وكما فعلنا في الماضي». وذكر المتحدث أن الحكومة «تدين طبيعة هذه التغريدات التاريخية ونعتبرها مقيتة».

وأُبلغ أن وزارة الخارجية بدأت مراجعة داخلية لمسار تعامل الحكومات المتعاقبة مع هذه القضية. كما طالبت زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوك وزعيم «ريفورم يو كي» نايجل فاراج وزيرة الداخلية شابانا محمود بالنظر في إمكانية سحب جنسية عبد الفتاح لتمكين ترحيله السريع من البلاد. وكتب فاراج في رسالة إلى الوزيرة: «لا حاجة لتوضيح أنه لا ينبغي السماح لأي شخص يحمل آراء عنصرية ومعادية لبريطانيا مثل تلك التي تُنسب إلى [عبد الفتاح] بالدخول إلى المملكة المتحدة».

يقرأ  حصدت الفيضانات في جنوب تايلاند ما لا يقل عن ١٤٥ قتيلاً | أخبار أزمة المناخ

قالت مصادر حكومية إن عبد الفتاح دخل البلاد كمواطن بريطاني، ولا توجد سبل قانونية متاحة لمنع دخوله حتى لو كان المسؤولون على علم بمنشوراته السابقة على مواقع التواصل. كما أدى حكم قضائي في 2016 إلى إلغاء اختبار «حسن السيرة» الذي كان سيتم تطبيقه عليه عند تقديمه طلب الجنسية، فتمت الموافقة عليه عام 2021 أثناء وجود حكومة المحافظين. وكان مؤهلاً للحصول على الجنسية عبر والدته المولودة في لندن.

ويُفهم أن داونينغ ستريت ترى أن عتبة سحب الجنسية مرتفعة؛ إذ يتعيّن إثبات أن المتقدم حصل على الجنسية عن طريق الاحتيال أو أنه يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي — وهو اختبار يُرى على الأرجح أنه غير مستوفى في هذه الحالة. كما ستكون أي خطوة من هذا النوع قابلة للطعن قانونيًا.

أكدت وزارة الخارجية أن العمل من أجل الإفراج عن عبد الفتاح كان «أولوية طويلة الأمد تحت حكومات متعاقبة». ويُذكر أن الرجل، البالغ من العمر 44 عامًا، أُدين في مصر عام 2021 بتهمة «نشر أخبار كاذبة» بعدما شارك منشورًا على فيسبوك عن حالات تعذيب، في محاكمة وصفها حقوقيون بأنها تفتقد معايير العدالة.

حصل عبد الفتاح على الجنسية البريطانية في ديسمبر 2021 عبر والدته المولودة في لندن، في فترة تسيّد فيها المحافظون وكانت بريطانيا تحت قيادة وزيرة الداخلية بريتي باتيل. من جانبه قال الوزير الظل للشؤون الداخلية كريس فيلب — الذي شغل منصب وزير الهجرة تحت باتيل وغادر منصبه في سبتمبر 2021 قبل منح الجنسية — إنه لم يكن على علم بهذه التفاصيل وقتها، وأضاف أنه صار مقتنعًا الآن بأنه «يجب سحب جنسيته».

أعيد نشر تغريدات قديمة تعود إلى 2012 يظهر فيها عبد الفتاح وهو يقول: «أنا عنصري، لا أحب البيض» وفي تغريدة أخرى يدعو إلى «قتل المستعمرين وبالأخص الصهاينة»، كما نُسبت إليه تغريدة تُفيد أنه اعتبر أن الشرطة «ليست لها حقوق» وأن «يجب قتلهم جميعًا». واعتبر فيلب أن «لا مبرر لمثل هذا الخطاب»، وأن من يعبّرون عن هذا النوع من الكراهية والتطرف وتحريض العنف «ليس لهم مكان في المملكة المتحدة».

يقرأ  الشرطة البيروفية تعتقل مشتبهين بعد بث مباشر لوقوع جريمة قتل امرأة في الأرجنتين

من جهتها انتقدت النائبة دام إميلي ثورنبرري، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، تصريحات فيلب واصفة إيّاها بأنها «أفكار تُطرح دون أساس قانوني». وأكدت قائلة: «في الأساس، هو مواطن بريطاني؛ كان مؤهلاً للحصول على الجنسية، وادعى حقه فيها، فصار مواطنًا بريطانياً. الحكومة البريطانية بذلت قصارى جهدها لإعادته إلى البلاد وإخراجه من السجن».

تلتزم المملكة المتحدة بموجب القانون الدولي بعدم ترك أشخاص بلا جنسية؛ ولا يمكن سحب الجنسية البريطانية من شخص مؤهل أيضًا للحصول على جنسية دولة أخرى. وقالت بادينوك إن التعليقات المنسوبة إلى عبد الفتاح «قذرة ومقيتة» ومعادية لبريطانيا، وأضافت أن قرارات الجنسية «يجب أن تأخذ في الاعتبار نشاط الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصريحاتهم العلنية، وأنماط المعتقدات». قالت إنها تميّز بين بذل الجهد لإطلاق سراح شخص تعرّض لظلم —كما فعلت حكومات سابقة— ورفع شأنه علناً ودون نقاش أو انقتاد إلى مرتبة بطل أخلاقي.

وأضافت أنه كان ينبغي أن يحظى عبد الفتاح بمحاكمة حرة ونزيهة في مصر، لكنها أتمت قائلة: “هنا تنتهي مساحات تعاطفي”.

في رسالة موجهة إلى وزير الداخلية، وصف فاراج أن عملاً مذهلاً أن يخلو أي من نواب حزب العمال أو المحافظين أو غيرهم من إجراء “العناية الواجبة الأساسية” أثناء حملاتهم للمطالبة بالإفراج عنه. واعتبر أن ستارمر ارتكب “خطأ تقدير استثنائياً” عندما رحب بعودته عبر منشور على منصة X.

وصف مجلس نوّاب اليهود البريطانيين القضية بأنها تثير “قلقاً عميقاً”.

وقال أدريان كوهين، النائب الأول لرئيس المجلس: إن خطاب عبد الفتاح السابق المتطرف والعنيف، والهادف إلى «الصهاينة» والأشخاص البيض عموماً، يمثل تهديداً ليهود بريطانيا وللجمهور الأوسع. وأشار إلى أن الحملة العابرة للأحزاب من أجل شخص كهذا، والترحيب الحار الذي أبدته الحكومة، يكشفان عن نظام معطوب ونقص مدهش في إجراءات التقييم من قِبل الجهات المعنية.

يقرأ  «مقاطع لتجمّعات فرنسية تُنسب زوراً إلى اشتباكات في نيبال»

وعلى الرغم من اعترافه بأن بعض تصريحاته كانت “مصدمة ومؤلمة”، يؤكد عبد الفتاح أن رسائل قديمة فُهمت خطأ. وذكر مثلاً أن تغريدة استُخدمت لتوجيه اتهام بميول معادية للمثلية كانت في واقع الأمر تسخر من رهاب المثلية. وأضاف: “دفعت ثمناً باهظاً لتأييدي العلني لحقوق مجتمع الميم في مصر والعالم.”

قالت منظمة العفو الدولية المقيمة في المملكة المتحدة إنها دافعت عن قضيته نصرة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، وشدّدت على أنها لا تتسامح مع “أي تصريحات تغذي الكراهية أو التمييز أو الانقسام”.

كاتب ومفكر ومطوّر برمجيات، برز عبد الفتاح خلال انتفاضة 2011 التي أدت إلى استقالة الرئيس السابق حسني مبارك. أمضى أكثر من عقد من حياته خلف القضبان، وأُفرج عنه في سبتمبر بموجب عفو رئاسي عقب حملة طويلة قادتها أسرته وضغوط من حكومة بريتانيا.

في 2014 رُشح لجائزة ساخاروف لحقوق الإنسان الأوروبية، لكن الترشيح سُحب بسبب تغريدات عن إسرائيل نشرها في 2012. ونفى أنها تعكس موقفه العام، قائلاً إن بعض ما ورد كان جزءاً من “محادثة خاصة” جرت أثناء هجوم إسرائيلي على غزة وأُخرجت عن سياقها.

وبعد أن أُزيل اسمه من قائمة حظر السفر التي فرضتها السلطات المصرية وأبقته في البلاد ثلاثة أشهر بعد الإفراج عنه، التقى الآن بابنه البالغ من العمر 14 عاماً والّذي يقيم في برايتون.

أضف تعليق