لماذا اعترفت إسرائيل بدولةٍ أفريقيةٍ منفصلةٍ على أنها دولة مستقلة؟

ودائيلي تشيبيلوشي،
أمييو إيتانا (بي بي سي أفان أورومو)،
فرح لمان (بي بي سي الصومالية)

صورة: وكالة فرانس برس عبر Getty Images

سكان عاصمة صوماليلاند، هرجيسا، احتفلوا بإعلان اسرائيل اعترافها بجمهورية صوماليلاند المستقلة.

اتخذت اسرائيل قرارًا مثيرًا للجدل بالاعتراف بدولة صوماليلاند المنشقة بوصفها كيانًا مستقلاً، مما أثار إدانات من دول ومنظمات عديدة. وكانت الصين من أحدث المنتقدين، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية لين جيان للصحفيين: «لا ينبغي لأي دولة أن تشجع أو تدعم قوى انفصالية داخل دول أخرى لمصالحها الضيقة». وقد عبّرت بكين عن موقفها قبل عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة هذا القرار.

أصبحت اسرائيل، يوم الجمعة، أول دولة في العالم تعترف بصوماليلاند كجمهورية مستقلة كاملة السيادة، بعد أكثر من ثلاثين عامًا على إعلان الإقليم انفصاله عن الصومال عام 1991. وصف رئيس صوماليلاند هذا التطور بأنه «لحظة تاريخية»، بينما رفضت مقديشو الخطوة بشدة واعتبرتها مساسًا بسيادة الصومال.

العديد من الدول والمنظمات، بينها تركيا والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأفريقي، دانت إعلان اسرائيل المفاجئ.

لماذا تسعى صوماليلاند للاستقلال؟
صوماليلاند إقليم صحراوي شبه منقطع على ساحل خليج عدن، أعلن استقلاله بعد الإطاحة بالديكتاتور العسكري الصومالي سياد بري عام 1991. تخلّل ذلك صراع انفصالي طال قوات بري والمقاتلين، وأسفرت الاشتباكات عن عشرات الآلاف من القتلى ودمار واسع للمدن.

ورغم غياب الاعتراف الدولي، تمتلك صوماليلاند نظامًا سياسيًا عمليًا ومؤسسات حكومية وقوة شرطة وعملة خاصة بها. وتعود هويتها كمنطقة مميزة داخل الصومال إلى حقبة الاستعمار في القرن التاسع عشر؛ فقد كانت محمية بريطانية معروفة باسم «الصومال البريطاني» حتى اتحادها مع الصومال الإيطالي عام 1960 لتكوين الجمهورية الصومالية.

المؤيدون للاستقلال يؤكدون أن المنطقة يغلب عليها سكان من قبيلة الإساك، ما يميزها عرقيًا عن باقي الصومال. كما أن صوماليلاند، التي يقطنها نحو ستة ملايين نسمة، تتمتع باستقرار نسبي مقارنة ببقية البلاد، ولهذا يرى أنصارها أنه لا ينبغي تقييدها بالصومال الذي تعصف به هجمات متشدّدين إسلاميين منذ سنوات.

يقرأ  لماذا تتصاعد الاحتجاجات المناهضة للفساد في الفلبين؟— تقرير توضيحي

لكن الحكومة الصومالية تعتبر صوماليلاند جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وقد كررت مقديشو أن أي اعتراف باستقلال الإقليم يعد انتهاكًا لسيادتها. ووصف الرئيس حسن شيخ محمود إعلان اسرائيل بأنه «تهديد وجودي» لوحدة بلاده.

ما دوافع اسرائيل للاعتراف بصوماليلاند؟
في اتصال هاتفي مع رئيس صوماليلاند عبد الرحمن محمد عبد الله يوم الجمعة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده تعترف بـ«حق صوماليلاند في تقرير المصير»، وأضاف أن الاعتراف سيشكل «فرصة كبيرة لتوسيع الشراكة» بين البلدين. لكن المحللين يربطون القرار بأسباب استراتيجية.

قال معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن اسرائيل تحتاج إلى حلفاء في منطقة البحر الأحمر لأسباب استراتيجية، بينها احتمال شن حملة مستقبلية ضد الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران. ورأى المعهد أن صوماليلاند مرشّح ملائم للتعاون إذ قد توفر لإسرائيل منفذًا عمليًا قريبًا من منطقة النزاع.

وقد شنت اسرائيل ضربات متعددة على أهداف في اليمن منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023 ردًا على هجمات الحوثيين على اسرائيل، التي أعلنوا أنها تضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي رد على اعتراف اسرائيل بصوماليلاند، حذّر الحوثيون من أن أي وجود إسرائيلي هناك سيُعتبر «هدفًا عسكريًا» لقواتهم.

قبل أشهر ترددت تقارير أن اسرائيل تواصلت مع صوماليلاند بشأن إمكانية إعادة توطين فلسطينيين طُردوا قسرًا من غزة؛ لم تعلق اسرائيل على هذه الأنباء، بينما أكدت صوماليلاند سابقًا أن اعترافًا محتملاً لن يرتبط بالقضية الفلسطينية. ومع ذلك، حذّر كل من الصومال والسلطة الفلسطينية من احتمال ارتباط الاعتراف بخطة لإخلاء الفلسطينيين قسرًا. وقال الرئيس الصومالي لمجلسه: «لن تقبل الصومال أبدًا بإجلاء شعب فلسطين قسرًا من أرضه المشروعة إلى مكان بعيد».

رأي المحللين
قال المحلل المقيم في الولايات المتحدة كاميرون هدسون لبي بي سي إن الاعتراف الاسرائيلي يهدف بالدرجة الأولى إلى مواجهة النفوذ الإيراني في منطقة البحر الأحمر. وأوضح أن البحر الأحمر هو ممر للحركة والأسلحة والمقاتلين إلى البحر المتوسط الشرقي، وكان مصدر دعم وإمداد للمقاتلين في غزة، لذا فإن وجود استخباراتي وأمني اسرائيلي عند مضيق البحر الأحمر يخدم مصالح الأمن القومي لإسرائيل.

يقرأ  سيلفي وأهازيج في احتفال شعب الأورومو الإثيوبي بعيد الشكر

لماذا قوبل القرار بردود فعل واسعة؟
أدانت مصر وتركيا والسعودية والاتحاد الأفريقي واليمن والسودان ونيجيريا وليبيا وإيران والعراق وقطر وغيرها قرار اسرائيل. واستندت إداناتهم إلى احترام «سلامة أراضي» الصومال ومبادئ القانون الدولي. ويخشى الاتحاد الأفريقي من أن يفتح الاعتراف بقيَام سابقة تحفّز حركات انفصالية أخرى على طلب اعترافات مماثلة، ما قد يفضي إلى عدم استقرار واسع النطاق.

من جهته لاحظ محلل للقرن الإفريقي مقيم في المملكة المتحدة أن مثل هذه الاعترافات قد تمكّن الجهات الإقليمية من إبرام تحالفات خارجية دون موافقة حكومات مركزية، ما يشكل سابقة خطيرة.

هل ثمة دعم لإعلان اسرائيل؟
الدول الحليفة لصوماليلاند أو المتعاطفة مع حملتها للاعتراف ظلت إلى حدّ كبير مترددة أو صامتة. فالإمارات، التي تدير ميناءً عسكريًا في صوماليلاند، لم تصدر بيانًا رسميًا؛ ويقول بعض المحللين إن أبوظبي متحالف إلى حدّ كبير مع الموقف الإسرائيلي في هذه المسألة. كما امتنعت أديس أبابا عن التعليق، رغم اتفاقها العام الماضي مع صوماليلاند على تأجير جزء من ساحلها لإثيوبيا—خطوة أغضبت الصومال.

تدخّلت تركيا للوساطة بين الصومال وإثيوبيا، وأفضت جهودها إلى توقيع إثيوبيا اتفاقًا مع مقديشو يلتزم باحترام وحدة أراضيها. ونتيجة لذلك، رغم أن الاعتراف الإسرائيلي قد يلاقي ترحيبًا هادئًا من أديس أبابا، فإن إثيوبيا اعتمدت مبدأ «الانتظار والترقب».

آمال وخيبة أمل
كان سكان صوماليلاند يراهنون على اعتراف الولايات المتحدة بعد إشارات أُعطيت قبل فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية. لكن في رد على إعلان اسرائيل، ألمح ترامب لصحيفة نيويورك بوست إلى أنه لن يسبق نتنياهو في التبني السريع للاعتراف، متسائلًا: «هل يعرف أحد ما هي صوماليلاند، حقًا؟»

المزيد من تقارير بي بي سي عن صوماليلاند:

أضف تعليق