ماكينة الحرب الروسية: قسوة واستغلال ممنهج لجنودها

بُنيت لدى الرئيس فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين آلة حربية في أوكرانيا تلتهم الرجال بلا هوادة، وتدفع قواته إلى طلب مستمر لتجديد الصفوف.

في جوهر هذه الآلة نمط من القسوة والإكراه؛ ضباط يوزّعون الانتهاكات كعقاب بينما يستغلّون الجنود — حتى المرضى منهم والمصابين بعمى — لإبقائهم في خطوط المواجهة، وفق تحقيق أجراه نيويورك تايمز. وصف بوتين المقاتلين في حرب الاستنزاف هذه بأنهم أبطال مقدسون، ورأى في المجتمع الروسي «السلاح الأهم» لدفع قواته على الجبهات. ومع ذلك، تكشف أكثر من ستة آلاف شكوى سرية اطلعت عليها الصحيفة عن غضب واستياء يغليان تحت السطح بينما تدمر أساليب القائد للحفاظ على الحرب آلاف الأسر العسكرية.

«نعيش في رعب منذ ثلاث سنوات، نصمت عن كل شيء»، كتبت زوجة جندي من ساراتوف في إحدى الشكاوى. «أنا أنفتّك داخلياً من الجور!»

آلاف من المرتبطين بالمقاتلين يتوسلون الدولة عن إجابات حول أحبائهم المفقودين أو المعتقلين. أكثر من 1500 شكوى تفصل أخطاء وممارسات خاطئة ضمن الرتب تبقى مخفية إلى حد كبير عن الجمهور الروسي بسبب حظر نقد الجيش واقتلاع الإعلام المستقل.

تركزت شكاوى الانتهاكات الشديدة غالبًا في وحدات جندت عناصرها من السجون ودور الاحتجاز قبل المحاكمة. وتعتمد الكرملين على هؤلاء لتجنب تعبئة عامة قد تثير معارضة للحرب.

تتراوح المزاعم في الوثائق بين ما يلي:
– إرسال جنود إلى الجبهة رغم حالات طبية مدمّرة مثل كسور، سرطان في المرحلة الرابعة، صرع، ضعف شديد في الرؤية والسمع، إصابات دماغية، اضطرابات نفسية حادة ومضاعفات سكتات دماغية.
– إعادة نشر الاسرى المفرج عنهم فورًا إلى القتال النشط.
– تهديد القادة لجنودهم بالقتل إلى حد أطلق عليه اسم «التصفير» أو zeroing out.
– ابتزاز أو سرقة بعض القادة لأموال الجنود، بما في ذلك جمع أموال للتعفي من مهام مميتة.
– تعرّض الشاكيين للضرب، الحبس في أقبية، حشرهم في حفر أو ربطهم بالأشجار إن اشتكوا أو رفضوا مهام انتحارية أو رفضوا دفع رشاوى.
– ممارسة ضغوط على المجندين لتوقيع عقود مُمدّدة وتهديدهم بنقلهم إلى وحدات هجومية ذات معدلات نفاذ عالية إذا رفضوا.

في لقطات مترجمة عن شكاوى خطّتها عائلات الجنود، يظهر أن مكتب مفوض حقوق الإنسان الروسي، تاتيانا موسكالكوفا — التي تتبع تقاريرها للرئيس — استقبل عشرات آلاف الطلبات. وبسبب خطأ من مكتبها، أصبحت شكاوى رفعت بين نيسان وسبتمبر متاحة على الإنترنت، وفق ما أفاد ماكسيم كورنيكوف، مؤسس ومحرر موقع «إيكو» الروسي في برلين، الذي جمع الملفات ووفّرها للصحيفة. مكتب موسكالكوفا والكرملين ووزارة الدفاع لم يردّوا على طلبات للتعليق.

اتخذت الصحيفة خطوات واسعة للتحقق من مصداقية الوثائق: تواصل المراسلون مع أكثر من 240 من مقدمي الشكاوى؛ بينما لم يرد معظمهم أو رفضوا الحديث، أكد 75 منهم أنهم رفعوا عرائض فعلًا وأمدّ كثيرون تفاصيل إضافية. استُخدمت عناوين بريد إلكتروني وأرقام هواتف ومعلومات متاحة علنًا للتحقق من الهوية. كما أجرت الصحيفة مقابلات مفصّلة في حالات عدة، وضمّن الشاكون في مرفقات شكاواهم مواد مؤيدة كفيديوهات وصور ومذكرات صوتية ورسائل نصيّة من الجبهة وتقارير طبية وملفات قضائية ووثائق عسكرية داخلية. في حالات أخرى لم تتمكن الصحيفة من التحقق من كل الادعاءات.

يقرأ  أمطار غزيرة تغمر خيام النازحين في غزة وتزيد من معاناتهم — أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

أفاد بعض الشاكيين أن السلطات أطلقت تحقيقات جنائية أو استجابت بطريقة ما؛ وقُضي بعض الملفات. بيد أن كثيرين لم يتحقق لهم سوى ردود روتينية لا عمل جوهري بعدها. نمط الانتهاكات يتكرر عبر مئات الشهادات، لكن الشاكيين يمثلون جزءًا ضئيلاً من الجيش الروسي كله، لذا لا تُعرف مدى انتشار هذه الممارسات عبر القوات كاملة، ولا توجد دلائل قاطعة على أن ذلك يُضعف قدرات الجيش الروسي عمليًا. كما يذكر كثيرون أنهم يخشون الانتقام عند الإبلاغ، ما يعني أن حالات خاطئة أخرى ربما لم تُرفع للمفوض.

تحجب الصحيفة أسماء كاملة وبعض التفاصيل التعريفية لحماية خصوصية الجنود وعائلاتهم من انتقام محتمل، إلا حين وافق الأشخاص على الكشف. تحتوي الشكاوى اتهامات قد تكون محظورة نشرها علنًا في روسيا.

في شكوى مؤرخة في 27 آب، أرفقت أم جندي فيديو لابنها ورفيق له مكبّلين بالأصفاد ومقيدين بشجرة لأربعة أيام بلا طعام أو ماء أو مرحاض، وناشدت: «هم ليسوا حيوانات!». نشرت القصة كذلك على وسائل التواصل، مؤكدة أن ابنها ورفيقَه اُعُقبا لرفضهما المشاركة في مهمة انتحارية تطلب وضع صورة مع علم روسي على أرض تحت سيطرة أوكرانيا. تحدث الصحيفة إلى الابن إيليا غوركوف الذي قال إنه صور الفيديو قرب كريميننا بعدما أخفى هاتفًا في كمّه، وإن إفلاته لم يكن ممكنًا إلا بفضل قريب له في الأجهزة الأمنية الروسية، وأنه استعان بمحامٍ ويرفض العودة إلى وحدته لأنه «كأنّي أوقع على حكم موتي». وأضاف: «يرسلون أشخاصًا على كراسي متحرّكة للجبهة، بلا أي أطراف»، «لقد رأيت ذلك بعيني».

الوثائق تشير إلى أن الإكراه لا يزال عنصرًا جوهريًا في تعبئة الرتب الروسية: ضغوط مكثّفة على المجندين لتوقيع عقود ممتدة، تلاعب أحيانًا عن طريق أخصائيين نفسيين في القواعد لإقناعهم، وسياسات تنقل الرافضين إلى شركات هجومية خطيرة. وبعد التجنيد تتزايد الضغوط النفسية والبدنية لإبقاء المجندين في القتال حتى إن كانوا غير صالحين للخدمة.

تروي ليوبوف، التي رفعت شكوى عن معاملة ابنها، من جنوب روسيا، أنها من عائلة عسكرية وأن زوجها توفي في حرب ضد الانفصاليين الشيشانيين، لكنها لم تتخيّل «اللا قانون» الذي رأته في الجيش الحالي. ابنها كان ينتظر علاج ساقٍ مكسورة عندما اختطفه عناصر مجهولون من الشارع وأعادوه إلى الجبهة — للمرة الثالثة رغم إصاباته. بعد ارتطام رأس في 2023، قال لها قائد كتيبته: «الكثير هنا مصابون بكدمات في الرأس، ومن سيقاتل؟ ستعالج في البيت»، بحسب شكواها.

تصف ملفات متعددة حالات مغادرة الجرحى وحداتهم بحثًا عن رعاية مدنية فَيُسَجَّلون غائبين دون إذن ثم تعيدهم الشرطة العسكرية بالقوة إلى الجبهة وهم لا يزالون مصابين. في كثير من الحالات، يقول الشاكون إن تقييمات اللياقة كانت سطحية: في فيرونيج، أبلغت شقيقة جندي أن لجنة طبية نظرت في نحو مئة رجل في الساعة. وردّت شكاوى أخرى بأن الجرحى يُعادون للقتال قبل أن تُقيَم لياقتهم بشكل صحيح. في حالة واحدة، خدع أبٌ ليوقع عقدًا ثم أُرسل للجبهة رغم معاناته من اضطراب شخصية مختلط وتشوش واكتئاب وتناول أدوية مضادة للذهان قد تجعله خطرًا على نفسه والآخرين.

يقرأ  الحرب الروسية‑الأوكرانية: قائمة بالأحداث الرئيسية — اليوم ١٤٠٠

تذكر شكاوى أن العصيّ أو العكازات تُؤخذ من المصابين عند إرجاعهم، وفي حالات موثقة بالفيديو تُرى أقدام مستخدمة للعصي تُرسل إلى ساحة القتال. تواصلت الصحيفة مع أقارب رجلين ظهرَا في فيديو يُقال إنه التُقط في مزنياكيفكا في إقليم لوهانسك المحتل، حيث كانت القوات الروسية تُعيد مقاتلين من فيالق عقابية للتأهيل؛ قال الأقارب إن أحبّاءهم اختفوا منذ ذلك الحين. إحدى الأقارب، يلينا روسلياكوفا، قالت إن زوجها أندري زوباريوف (31 عامًا) بدا يعرج وهو يمسك بعكاز في المقطع.

في ما لا يقل عن 95 حالة راجعتها الصحيفة، عاد اسرى محررون إلى الخدمة الروسية رغماً عنهم — غالبًا إلى القتال النشط. أُطلق آلاف الجنود الروس والأوكرانيين في تبادلات أسرى خلال السنوات الأربع الماضية، وتُظهر الوثائق أن روسيا أحيانًا تعيد هؤلاء إلى الجبهة خلال يوم واحد من الإفراج.

أحد الشاكيين الذي أعيد إلى الخطوط الأمامية بعد سبعة أشهر من الأسر الأوكراني وصف أن ذكرياته من الأسر تدفعه إلى الذعر واتخاذ قرارات خاطئة ميدانيًا، قائلاً في شكواه: «بناء على حالتي النفسية، إرسال أسير حرب سابق إلى ساحة قتال نشطة قرار متهور. كيف أنفّذ أوامر القيادة إذا كان هذا كله يؤثر عليّ ذهنيًا؟»

التقارير تتضمن عشرات شكاوى عن تعرّض جنود لأعمال عنف وتعذيب — صدمات كهربائية وضربات — ما أسفر عن كسور وكدمات. تُقدّم صور إصابات كدليل في بعض الشكاوى. يروي أحدهم أن القادة شجّعوا إصابات «وهمية» مقابل رشاوى، وأن بعض الضباط استعملوا سلوكًا شاذًا ومهينًا، بما في ذلك ضرب الجنود بأشياء مُحْرِجة.

الإساءة في ساحة المعركة باتت متجذرة، لا سيما في الفِرق المكوّنة من سجناء سابقين؛ هناك خوف من الضرب والابتزاز من قبل قادة الوحدة بقدر الخوف من القتل على يد العدو. توزيع العقوبات البشعة يساعد بعض القادة على السيطرة أو على جني الأرباح. على سبيل المثال، ناتاليا لوكيانشوك (74 عامًا) من تولا قدّمت شكاوى متعددة عن إساءة معاملة حفيدها: ربطوه إلى مشعّ وأنهالوا عليه ضربًا لأيام في قاعدة في كامشاتكا، رغم أنه أُصيب مرتين وأُدخل شظايا في ركبته وأُبليت أوتاره.

«القادة يعاملونهم كأنهم حيوانات»، قالت لوكيانشوك. «أقول لهم صراحة: هذا ليس جيشًا. هؤلاء مستذئبون على الكتَفَيات.»

تتضمّن الشكاوى أدلة على ربط جنود بالأشجار كعقاب، ومشاهد فيديو لأناس مُقَيَّدِين ومقعورين في حفر، واعتداءات سبَّبت كسورًا وأسنانًا مفقودة. في رسالة نصّية أُلحقت بشكوى، كتب جندي لوالدته: «عاملوني كالكلاب. حبَسوني في حفرة لأسبوع ونصف».

يُدفع الجنود للرشاوى ليحصلوا على إجازات أو تحويلات أو ليُستثنوا من مهام «اللحم» ذات الوفيات العالية. روى ميخائيل للصحيفة أن بعض القادة يقبضون رشاوى لاستبعاد جنود من هجمات قاتلة، لكنهم يأخذون المال ويرسلونهم بغتة إلى المهمة.

تدفّق أموال الدولة لتعويض المصابين فتح بابًا للابتزاز: قادة يطلبون حصصًا من تعويضات الجرحى أو يزعمون إصابات ملفقة للحصول على مبالغ تُقاسَم معهم. حذّرت لوكيانشوك أنها تلقّت تهديدات بأن شكاواها ستزيد من معاناة حفيدها، لكنها أصرّت: «ما يفعلونه تعذيب. كجدة وأم، لا خيار لدي سوى النضال بكافة الوسائل القانونية وإبلاغ الناس بما يُفعل له».

لتغطية جرائم القتل يُدفن الضحايا في أماكن مهجورة أو يفجرون بالجرفيات المضادة للدبابات حتى لا يبقى شيء يُثبت الجريمة، وفق شكاوى عدة. كتبت أسرة جماعية تضم عشر نساء أن قادة وحدة رقم 36994، شرق نيجني نوفغورود، قتلوا أكثر من 300 من جنودهم على الجبهات، وفي بعض الحالات أخذوا هواتف الضحايا لسحب أموال من حساباتهم. قالت الشكوى إن السلطات أوقفت بعض الأشخاص في 2023 و2024، لكن القتل استمر بعد ذلك.

يقرأ  تصعيد إسرائيلي في قصف مدينة غزة يجبر العائلات على الفرار

ظهر في الفيديو شاب روسي، سعيد مرتضاييف (18 عامًا)، يقول إنه أُمر بجمع نحو 15 ألف دولار رشاوى من رفاقه لتجنّب مهمة انتحارية، ثم أُبلِغ أنه سيُرسل هو نفسه في الهجوم. أرسل الفيديو إلى والدته وقال في رسالة نصية إنه يُقتل عمداً لتغطية قضية الرشاوى. صار للمصطلح اسم شائع بين الجنود: «التصفير» — أو إرسال رجال لمهام موت محتوم، أو حتى قتل مباشر على يد زملاء في الميدان.

تذكر الشكاوى أن مصطلح «التصفير» ورد في ما لا يقل عن 44 ملفًا، وأكثر من 100 حالة أشارت إلى تهديد مباشر من قائد بقتل جندي خاص به، في إطار نمط أوسع من العنف الأخوي. عائلات ذعورة تخشى أن يحبّس أحبّاءهم في نهاية قريبة: يطلب بعضهم المساعدة للعثور على رفات أقاربهم، إذ لديهم أسباب للاعتقاد أن إرسالهم إلى الموت كان مقصودًا.

أحد الشكاوى الجماعية زعمت قتل جنود من قبل قياديين في وحدة رقم 36994، وذكرت أن الجثث دُفنت أو فجرت بالمناجم لتُخفي الأدلة، وأن العائلات تلقت فقط شظايا في توابيت معدنية مغلقة، بينما بقيت البقايا الكبرى في الحقول. كانت والدة سعيد نخشونوفا من بين الموقعين على تلك الشكوى؛ تقول إنه اختفى منذ 7 آذار بعد أن أرسل الفيديو وأشار إلى أنه سيُصفَّر. وفقًا لها، أخبرتها السلطات أنها لا تستطيع فتح قضية قتل إلّا إذا استُعيد الجثة، وأن معظم البقايا «ربما فُجِّرت وأكلتها الحيوانات البرية»، فليس عليها أن تتوقع رؤية الجثة.

غياب الخاتمة هذه يتكرر في آلاف الشكاوى. سفيتلانا بوبوفا من إركوتسك قالت إنها سعت بلا جدوى لمعرفة ما حدث لابنها ألكسندر تشيقولاييف الذي خفت أنه قُتل ضمن تغطية عسكرية؛ المستشفى خارج دونيتسك المدارة من الروس قال في البداية إنه توفي بسكتة قلبية ثم عدَّل الرواية إلى جلطة نومية. عند رؤيتها للجثة وجدت تشوهات عنيفة: جمجمة محطمة، أنف مكسور، وجرح في الحلق. رفض الطبيب المختص اتهام الغدر، وقال إن التلف نتيجة تشريح. لم تقتنع بوبوفا، خصوصًا وأن الهاتف الذي أعادته القوات لها أُعيد خالٍ من بياناته. قالت إن آخر ما سمعته منه في حزيران كان: «اليوم سيقتلونني».

الإكراه على القتال، الإساءة في الميدان، وممارسة «التصفير» مع قتل داخلي منظّم، كل ذلك يكوّن مشهدًا قاتمًا ينهش الأسر والمجتمعات الروسية بينما تسعى السلطة للحفاظ على آلة حربها بتكلفة بشرية هائلة. ادعاءات موثّقة، صور، فيديوهات ورسائل نصّية تشهد على واقع مليء بالخوف والابتزاز والعنف، وعلى دولة تعطي أولوية للحرب على حساب حياة جنودها وحقوق عائلاتهم.

(ملاحظة: بعض الأسماء والتواريخ التي وردت في الشكاوى نُشِرت هنا حفاظًا على سلامة المصادر، وتم حذف أو حجب identifiables لضمان حماية البعض.)

أضف تعليق