أحيانًا نكتشف أن أبطالنا الجماليين كانوا معرضين لسقوط أخلاقي دراماتيكي — أو لِينْقطات وشذوذات غريبه في سلوكهم. من الفئة الأخيرة نورد أن فرانك لويد رايت، أحد أبرز معماريي القرن العشرين، خضع لعلاجات طبية قديمة وغريبة المظهر. والأدهى أنه استقى بعض أفكاره من الفنانة والمنظِّمة التي وكلته بتصميم متحف سولومون ر. غوغنهايم في نيويورك.
هِيلا ريباي كلّفته بتصميم المتحف لراعيها، وكتبت إليه في رسالة عام 1943: «أحتاج إلى مقاتل، محبّ للفضاء، مبدع، مجرّب وحكيم. أريد معبداً للروح، نصبًا تذكارياً! وأريد مساعدتك لتحقّيق ذلك».
في كتابه Frank Lloyd Wright: The Guggenheim Correspondence، يروي بروس بايڤر أن لقاءهما الأول في نيويورك كان لقاءً ودّيًا فوريًّا: «أعجب كلٌّ منهما بالآخر على الفور… وسرعان ما صار بينهما مخاطبة بالأسماء». وبعد أسبوعين فقط من تلك الرسالة تمّ توقيع الاتفاق؛ تعهّد رايت لغوغنهايم بأن متحفه الطليعي سيجعل المتحف المتروبوليتان يبدو «كحظيرة بروتستانتية». المتحف الذي فُتح في 1959 وفتَح أبواب ردهته الحلزونية أصبح من أشهر مؤسسات الفن العالمية، إن لم يكن من أكثر المباني المعمارية شهرة.
وُلدت ريباي في ستراسبورغ عام 1890 باسم هيلديغارد آنا أوغوستا إليزابيث فراين ريباي فون إهرنفيزن، السيدة هيلّا فون ريباي، ابنة ضابط بروسياوي. كانت فنانة رسمت بورتريه غوغنهايم عام 1928، واغتنمت الفرصة للترويج لـ«الفن غير الموضوعي»—مفهوماً فرّقته عن الفن التجريدي الذي، كما قالت، «مُجرد» من الطبيعة—والذي صنعه فنانون أمثال فاسيلي كاندينسكي. وسرعان ما أصبحت مستشارته ومنظِّمة معروضاته.
يكتب بايڤر أن شخصيتها القوية كانت بحيث «جعلت ليس فقط السيد رايت بل أيضاً السيدة رايت يشاركانها في نزواتها الطبية». وتلك النزوات لم تكن تافهة: وصفها بريندان غيل في مقالة في نيويوركر عام 1987 بـ«طبيبة هاوية شيطانية».
من ذلك النوع من الممارسات كانت جلسات الحجامة بالعلميات القديمة؛ فقد آمنت ريباي باستخدام العلق لأساليب نزف الدم، وهي ممارسة طبية قديمة تراجعت عبر الزمن—ولو أنك قد تتفاجأ أنها كانت شائعة حتى قبل قرن من رسالتها إلى رايت. يذكر غيل أن عائلة رايت رضخت أحيانًا لوضع العلق على حناجرهم «لاستخراج الدم القديم السام من أجسامهم وتحفيز إنتاج دم جديد طاهر». تاريخيًا اعتُبر نزف الدم وسيلة لموازنة «المزاجات» أو الخلطات الغامضة التي يُعتقد أنها تحكم الصحة.
أكثر غرابة من ذلك، وبحسب بايڤر، أن الرايت استأذن في خلع كل أسنانه واستبدالها بأطقم خلال ستة أسابيع من تعارفهما، تلبيةً لنصح ريباي. تشير أرشيفات هيلّا ريباي في غوغنهايم إلى اهتمامها بـ«العلاجات الطبية الجديدة والبديلة بما في ذلك أشعة الأسنان والجمجمة».
مع ذلك كانت هناك حدود: لاحظ غيل أنه «عندما لاحظ الرايتان ذات يوم أن ريباي تطيل النظرات السريرية في أسنان ابنتهما الصغيرة إيوفانا، توقّفا عن أخذ نصائحها الطبية على محمل الجد».
قد يُغضُّ النظر اليوم عن أفكار طبية من عصر مضى وتُصنَّف كآراء بالية، إذ كانت الأزمنة مختلفة. في الأربعينيات كانت المؤسسات الطبية تمنح أهمية لمسائل لم تعد تُعدّ خطيرة الآن، مثل الأقدام المسطّحة أو الأسنان المعوجّة أو همسات القلب. كانت المضادات الحيوية تنتشر للتو، ولم يُكتَشف الهيستامين إلا عام 1946، ما فتح أبوابًا لعلاجات للحساسية.
ولكن الأفكار الطبية الغريبة اليوم تحمل ارتباطات أشد خطورة، في زمن يروّج فيه رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب ووزير الصحة المفترض روبرت ف. كينيدي جونيور (الذي يرفع شعار «اجعل أمريكا صحيّة مجدداً») لمعلومات مضلِّلة ضارة. تذكّروا أنه خلال ذروة جائحة كوفيد-19 اقترح ترامب علاجًا عبر حقن المطهرات أو تعريض الجسم لأشعة قوية. وفي الآونة الأخيرة ادّعى، من دون دليل، وجود صلة بين تايلينول والتوحد. أمّا كينيدي فادعى بما لا يفسره العقل أن «لا لقاح آمن وفعال»، مع أن لقاحًا طُوّر بظل إدارة من كانوا في موقعه أنقذ أعدادًا لا تُحصى من أرواح البشر. في ظل مخاوف لا أساس لها لكنها واسعة الانتشار حول اللقاحات، تعاود أمراض كان يُفترض أنها منقرضة تقريبًا، مثل الحصبة، الظهور والانتشار.
طبعًا، لم تكن ريباي رئيسة دولة، ولم تكن حتى وزيرة صحة—ولم تكن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالاسم الذي نعرفه قائمًة في زمن ريباي. ومن ثم لم تكن أفكارها تشكّل تهديدًا صحيًا عامًا بمقياس الملايين.
لكن يبقى السؤال التأملي: لو كان رايت حيًا اليوم، هل كان ليُشارك بالكامل حملة «اجعل أمريكا صحيّة مجدداً» ويقتنع بمَن يروّجون لمثل هذه الادعاءات؟