تتعرض مفوضية الانتخابات الهندية لاختبار حاد للمصداقية، بعد سلسلة اتهامات وجهتها أحزاب المعارضة تتراوح بين تزوير أصوات وتلاعب في القوائم الانتخابية، واتسعت رقعة الخلافات إلى احتجاجات واسعة ونقاشات سياسية ساخنة.
زعم قادة المعارضة أن المفوض الأعلى للانتخابات، جيانش كومار، قد يُعرض لمسألة عزله عبر قرار مساءلة برلمانية، رغم أن تلك الخطوة لم تُقدَّم رسمياً حتى نهاية الدورة البرلمانية لموسم الأمطار، ولدى المعارضة حالياً أعداد أضعف من أن تمضي بها قدمًا.
في إطار تصعيد سياسي لافت، أطلق راهول غاندي زعيم حزب المؤتمر مسيرة «يالات الُمُنتخب» — مسيرة حقوق الناخبين — امتدت 16 يوماً و1300 كيلومتر في ولاية بيهار احتجاجاً على ما وصفه إهمالاً وخللاً في عمل المفوضية. تأتي هذه المسيرات على خلفية جدل ساخن حول التعديل الاستثنائي لقوائم الناخبين في بيهار (SIR)، الذي جرى بين يونيو ويوليو، وأكدت المفوضية أنها زارت جميع الناخبين البالغ عددهم 78.9 مليوناً للتحقق منهم.
اتهم غاندي في أغسطس، مستنداً إلى بيانات مفصّلة من سجلات المفوضية نفسها، المفوضية بالتواطؤ مع حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم لسرقة أصوات في الانتخابات العامة 2024، مشيراً إلى وجود أكثر من مئة ألف ناخب مزيف في دائرة برلمانية بجنوب كارناتاكا، شملت تسجيلات مكررة وعناوين غير صالحة وتسجيلات جماعية في مواقع واحدة.
من جهتهم، رفضت المفوضية الاتهامات ووصفتها بـ«المضللة والكاذبة»، بينما نفى حزب بهاراتيا جاناتا الاتهامات وهاجم المعارضة، وقال أنوراغ ثاكور إن ائتلاف المعارضة جَمَعَ ادعاءاته «التي لا أساس لها» بدافع الخوف من خسارة محتملة في انتخابات بيهار.
أثار مشروع القوائم الجديد المنشور في 1 أغسطس قلقاً واسعاً إثر تقارير عدة أشارت إلى أخطاء إدارية مثل تسجيل الجنس الخاطئ، وضع صور غير مطابقة لأسماء أصحابها، ووجود أسماء متوفين في القوائم. تضاءل العدد الإجمالي إلى 72.4 مليون اسم — أي أقل بمقدار 6.5 مليوناً — وذكرت المفوضية أن الحذف شمل الأسماء المكررة والمتوفين والنازحين. ومنح أولئك الذين اُستبعدت أسماؤهم مهلة حتى الأول من سبتمبر لتقديم استئناف.
انتقدت المعارضة طريقة نشر أسماء الـ6.5 مليون مستبعدين، لكون المفوضية نشرت صوراً ممسوحة ضوئياً بدلاً من قوائم قابلة للقراءة آلياً يمكن للباحثين والأحزاب التحقق منها بشكل مستقل. وفي نهاية المطاف أمرت المحكمة العليا بنشر قائمة قابلة للبحث توضح أسباب الاستبعاد، وهو ما اعتبرته صحف مرموقة بمثابة «تأنيب للمفوضية» على إخفاقاتها الإجرائية.
في 17 أغسطس عقدت المفوضية مؤتمراً صحفياً نادرًا ردّت فيه على بعض الادعاءات. قال رئيس هيئة الانتخابات جيانش كومار إنه إذا استُعملت مصطلحات مثل «سرقة الأصوات» لتضليل المواطنين فذلك «إهانة للدستور»، واستشهد بحكم للمحكمة العليا عام 2019 ليبرر قلقه من أن نشر قوائم قابلة للقراءة آلياً قد يمس بخصوصية الأفراد. كما طالب أن يقدم غاندي إقراراً خطياً تحت القسم يثبت مزاعمه أو أن يعتذر للأمة. ومع ذلك، أثارت تصريحات المفوض موجة سخط إضافية، واشتكى سياسيون معارضون من أنه تجاهل أسئلة محددة أو لم يقدم تفسيرات مُرضية؛ ووصف باوان كيرا من حزب المؤتمر نبرة كومار في المؤتمر بأنها «تشبه كلام زعيم من حزب بهاراتيا جاناتا».
يقول خبراء إن اتهامات غاندي أو مجرد وقوع تغييرات ضخمة في قوائم الناخبين لا تثبت بالضرورة وجود تلفيق أو تلاعب متعمد. فحين تُجرى مراجعات شاملة، فإن فروقاً كبيرة في الأرقام تصبح متوقعة. وذكر إن. جوبالاسوامي، المفوض السابق، أن مراجعة قائمة الناخبين في كارناتاكا عام 2008 أدت إلى حذف نحو 5.2 مليون اسم، وتقدّم نحو مليون منهم بطلبات لإعادة الإدراج. وأيد أيضاً مطلب المفوضية بأن يُقدّم اتهام خطي موثق لمنع إقامة سوابق سيئة للمؤسسة.
مع استمرار مسيرة غاندي واقتراب انتخابات بيهار، من المتوقع أن يبقى الموضوع في صدارة الاهتمام السياسي. واعتبرت الصحفية المخضرمة سميتا جوبتا أن «المعارضة ستستغل هذا الموضوع بالتأكيد في انتخابات بيهار المقبلة».
الخطر الأكبر، كما يرى مراقبون، لا يكمن فقط في الخلاف السياسي، بل في تآكل ثقة الجمهور في المفوضية. كتب المفوض السابق إس. واي. قريشي أن الثقة التي كانت تكاد تكون مسلمة سابقاً باتت الآن محط مراجعة عامة، وأن «تصور الحيادية لا يقل أهمية عن واقعها؛ فإعادة بناء تلك الثقة لا تقل أهمية عن ضمان الدقة الفنية». وأظهرت دراسة نشرتها شبكة لوكنيتي تراجعاً حاداً في الثقة بالمفوضية: ففي ست ولايات شملها الاستطلاع عام 2025 ارتفعت نسبة الأشخاص الذين لا يثقون بالمفوضية مقارنة بعام 2019، ففي ولاية أوتار براديش مثلاً ارتفعت من 11% إلى 31%.
كما واجهت المفوضية وقياداتها ضغوطاً إضافية بعد اعتذار رئيس وحدة تحليل البيانات سانجاي كومار عن نشر بيانات خاطئة بشأن نسب الإقبال في ولاية ماهاراشترا، ما عزز الانطباع بوجود عجز يدفع نحو عجز ثقة متصاعد قد يشكل «مشكلة كبيرة» للمؤسسة إذا لم تُعالَج سريعاً.