مقاهي كوريا الجنوبية تكافح طلابًا لا يغادرون

جونا مون — بي بي سي كوريا
تقرير من سيول، كوريا الجنوبية

“مكتب” مطور في الثالثة والثلاثين داخل ستاربكس

في حي دايشي الراقي بسيول، يواجه هيون سونغ-جو معضلة تشغيلية واقتصادية. مقهاه يشهد أحيانًا زبائن من فئة تُعرف بـ”كاغونغجوك”؛ وهي فئة من الشباب الكوري المحبّين للدراسة والعمل في المقاهي، لكن المشكلة تكمن في التجاوز عند حدود الاستخدام المعقول للمكان.

يروي هيون أن زبونًا واحدًا حوّل المقهى إلى مساحة عمل متكاملة طوال اليوم، حاملاً حاسوبين محمولين وواحدًا من مواصلات الطاقة بست منافذ لشحن أجهزته — الأمر الذي اضطره إلى إسدال المآخذ بالكهرباء. يقول: «مع ارتفاع الإيجارات في دايشي، يصبح من الصعب تشغيل مقهى إذا استولى شخص ما على المقعد طيلة النهار».

ظاهرة “كاغونغجوك” شائعة جدًا في كوريا الجنوبية، خصوصًا في مناطق مكتظة بالطلاب وموظفي المكاتب. انتشارهم في المقاهي يفوق ما نلاحظه في بعض الدول الغربية حيث يغلب الطابع الاجتماعي على الحضور. وفي الأسابيع الأخيرة، حذرت ستاربكس كوريا من أن فئة صغيرة قد اتخذت ممارسات أشدّ من مجرد حمل الحواسب، من مثل إدخال شاشات مكتبية، أو طابعات، أو تقسيم المساحات، أو ترك الطاولات مهجورة لفترات طويلة.

أطلقت السلسلة إرشادات وطنية تهدف إلى احتواء “بعض الحالات المتطرفة” التي تشوّه تجربة الزبائن الآخرين، مؤكدة أن الموظفين سيقدمون “توجيهًا” بدل مطالبة الزبائن بالمغادرة، ومستشهدة بحالات سابقة للسرقة إثر ترك الأمتعة دون مراقبة، واصفة التدابير بأنها «خطوة نحو بيئة متجرا أكثر راحة».

مع ذلك، لم تتراجع الفئة المعتدلة من كاغونغجوك؛ فستاربكس ظلّ في السنوات الأخيرة ملاذًا لهم. على سبيل المثال، في فرع بمنطقة غانغنام مساء يوم خميس، تميّز المقهى بالهدوء وتتبع الحضور مرافئهم بين حواسب وكتب. تحدثت طالبة تبلغ 18 عامًا تستعد لامتحان القبول الجامعي “سونونغ” قائلة: «أصل نحو الحادية عشرة صباحًا وأبقى حتى العاشرة مساءً. أحيانًا أترك متعلقاتي وأذهب لتناول الطعام القريب».

يقرأ  النقابة: فصل ما لا يقل عن ٦٠٠ موظف في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية بالولايات المتحدة

خلال زياراتنا بعد صدور الإرشادات في 7 أغسطس، لم نر معدات ضخمة سوى رجل واحد بحامل حاسوب ولوحة مفاتيح وفأرة؛ ومع ذلك، لا يزال بعض الزبائن يتركون مقاعدهم مهجورة لفترات طويلة مع انتشار الحواسب والكتب على الطاولات. وعند سؤاله عن مدى التغيير المرئي، قالت ستاربكس كوريا إنه «يصعب تأكيد ذلك».

ردود الفعل على سياسة ستاربكس متباينة: كثيرون رحّبوا بها كخطوة لازمة لاستعادة طبيعة الاستخدام الاجتماعي للمقاهي، خصوصًا من يزورون المقاهي للترويح أو الحديث والذين شعروا بصعوبة إيجاد مقاعد بسبب كاغونغجوك، وبأن الصمت المشوب بحذر جعلهم يترددون في الحديث بحرية. أما قلة فانتقدت الخطوة ووصفوها بتجاوز سياسة السلسلة السابقة الأكثر تساهلاً.

تعكس القضية نقاشًا أوسع في المجتمع الكوري منذ ظهور الظاهرة حول 2010، بالتزامن مع توسع سلاسل المقاهي franchised. فقد شهدت البلاد زيادة تقدر بـ48% في عدد المقاهي خلال السنوات الخمس الماضية وفق مصلحة الضرائب الوطنية، مقتربةً من مئة ألف محل. وأظهر استطلاع شمل أكثر من ألفي من الباحثين عن عمل من جيل زد أن نحو 70% منهم يدرسون في المقاهي مرة على الأقل أسبوعيًا.

“شخصان يحجزان مساحة تكفي لعشرة” — موازنة المصالح

التعامل مع احتكار المقاعد وإشكالياته يتطلب توازنًا دقيقًا؛ وقد لجأت المقاهي المستقلة إلى إجراءات متنوعة. يقول هيون إن الحالات المتطرفة لاحتلال المساحات بأجهزة متعددة نادرة نسبيًا — ربما شخصان إلى ثلاثة من بين كل مئة — ومعظم الزبائن متفهمون، وبعضهم يطلب مشروبًا إضافيًا عند بقائه طويلًا، وهو أمر يرحب به.

يبقي مقهاه مساحة مفتوحة للنقاش والدروس الخصوصية، ويرحب بكاغونغجوك ما داموا يحترمون المساحة المشتركة. بعض سلاسل المقاهي الأخرى تقدّم لهم مخارج كهرباء، ومكاتب فردية، وسماحًا بالبقاء لفترات أطول. لكن أصحاب مقاهٍ آخرين اتخذوا إجراءات أكثر صرامة؛ فعلى سبيل المثال، مالك مقهى في جيونجو يُدعى كيم فرض «منطقة ممنوعة للدراسة» بعد تكرار الشكاوى من احتكار المكان. يقول: «كان شخصان يستوليان على مساحة تكفي لعشرة؛ أحيانًا يتركان المكان لتناول الطعام ثم يعودان للدراسة سبعًا أو ثماني ساعات». الآن يسمح مقهاه بدوران جلوس لا يتجاوز ساعتين للدارسين، مع استثناء الزبائن المنتظمين القادمين لتناول القهوة فقط، مضيفًا: «وضعتُ السياسة لتجنّب نشوب نزاعات بين الزبائن».

يقرأ  كوريا الشمالية تُخبر بي بي سي أن مواطنيها يُرسَلون إلى روسيا للعمل «كعبيد»

هل كاغونغجوك ظاهرة باقية؟

بالنسبة لكثيرين، المقاهي ليست مجرد فضاء مريح بل ملاذ يشعرون فيه بالأمان والانضباط. تحكي يو-جين مو، 29 عامًا، عن نشأتها في دور الرعاية وسكنها مع والدها في حاوية صغيرة: «لم يكن المنزل مكانًا آمنًا؛ أحيانًا يُغلَق الباب عليّ من الخارج ويتركوني وحيدة». حتى الآن تجد صعوبة في العزلة: «بمجرد أن أستيقظ أذهب إلى مقهى. جرّبت المكتبات ومقاهي الدراسة لكنها خنقتني». وامتد طموحها ليجرب إدارة مقهى عامًا واحدًا لتأمين فضاء مريح لمن يشبهونها.

ترى الأستاذة تشوي را-يونغ من جامعة آنسان، باحثة في التعليم مدى الحياة لأكثر من عقدين، أن كاغونغجوك نتاج مجتمع تنافسي مفرط. تقول: «هي ثقافة شبابية صنعناها في المجتمع الذي بنيناه. معظمهم باحثو عمل أو طلاب يعيشون تحت ضغط أكاديمي أو انعدام أمان وظيفي أو ظروف سكنية بلا نوافذ ومساحات للدراسة». وتضيف: «قد يُنظر إليهم كإزعاج لكنهم في الوقت نفسه نتاج بنية اجتماعية لا توفر مساحات عامة كافية». تختتم بأن الوقت حان لخلق مساحات أكثر شمولية وإعداد إرشادات وبيئات تسمح بالدراسة في المقاهي دون إزعاج الآخرين.

ملاحظة: المشهد يعكس صراعًا بين الحاجة الفردية للمكان والعمل والسلوك الجماعي الذي يتطلب تنظيمًا يحفظ حقوق جميع الزبائن، ويبدو أن الحل الواقعي يحتاج مزيجًا من سياسات الشركات، وحِكَم أصحاب المقاهي، وتخطيطًا حضريًا يوفر مساحات عامة أكثر.

أضف تعليق