الصراع بين كاليفورنيا وتكساس على إعادة رسم الدوائر
يخوض مشرّعو ولايتي كاليفورنيا وتكساس — أكبر ولايتين من حيث عدد السكان في امريكـا، ويجمع بينهما أكثر من سبعين مليون نسمة — معركة سياسية حامية قد تعيد تشكيل توازن القوى في واشنطن. بدأت المواجهة عندما أقرّ برلمان تكساس مشروع قانون لإعادة تقسيم دوائر الكونغرس في منتصف العقد، بخطوة غير مألوفة تهدف إلى إضافة خمس مقاعد جديدة تُرجّح كفة الجمهوريين في مجلس النواب. ردّت كاليفورنيا بصيغة مضادة، فصوّت مشرّعوها الخميس على خرائط جديدة مصمَّمة خصيصاً لتعويض خطوة تكساس، وتمهَّد هذه الخرائط لتعرض على الناخبين في نوفمبر.
لماذا يهم هذا الآن؟
عادةً تُرسم الدوائر بعد كل تعداد سكاني يتم كل عشر سنوات لمراعاة تغيّر أعداد السكان بين الولايات. لكن ما يجري الآن هو إعادة رسم منتصف العقد — استراتيجية يسعى من ورائها الطرفان إما لتعزيز أو لعرقلة جدول أعمال ترامب. بتغيير حدود الدوائر يمكن لأي حزب أن يزيد حظوظه في الفوز بمقاعد أكثر في مجلس النواب، وحيث إن الديمقراطيين يحتاجون إلى حوالي ثلاثة مقاعد فقط لقلب توازن المجلس لصالحهم، فأي تعديل قد يكون حاسماً.
كيف تعمل عملية إعادة الرسم ومن يرسم الخطوط؟
يتكوّن مجلس النواب من 435 نائباً يُنتخبون كل عامين، وكل نائب يمثل دائرة حدودها تُحدّد وفق قوانين وإجراءات كل ولاية. بعض الولايات تعتمد لجاناً مستقلة وغير حزبية لترسيم الخطوط، بينما تركّب أخرى الأمر إلى الهيئات التشريعية. من يرسم الخطوط وكيفية رسمها يحددان الميل الأيديولوجي للدائرة وإمكانية انتخاب مرشح ديمقراطي أو جمهوري.
هل الأمر قانوني؟
المصطلح المتداول هنا هو “الجيري منديرينغ” — أي إعادة رسم الحدود الانتخابية لمصلحة حزب سياسي — وهو ممارسة يتُّبعها الطرفان الرئيسيان في امريكـا، وتُعدّ قانونية ما لم تُثبت دوافع عنصرية تنتهك قوانين الحقوق الانتخابية الفدرالية. لكن ندرةً ما يظهر رئیس الولايات المتحدة بدعم علني لمخطط حزبي على غرار ما فعله ترامب مع تكساس. اتّهم ديمقراطيون ومجموعات حقوقية خرائط تكساس بتقليل وزن أصوات الأقليات، مهددين برفع دعاوى قضائية استناداً إلى قانون الحقوق الانتخابية. ويقول النقّاد إن العملية تتيح للسياسيين “اختيار ناخبيهم” بدلاً من أن يختار الناخبون ممثليهم، الأمر الذي يولّد خرائط ذات أشكال متعرّجة غير منطقية تجمع مجموعات بعيدة جغرافياً.
محكمة العدل العليا والحدود القضائية
في 2019، حدّت المحكمة العليا من صلاحية المحاكم الاتحادية في التدخّل لوقف الجيري منديرينغ السياسي، حيث كتب رئيس المحكمة جون روبرتس أن القضاة الفدراليين “ليس لهم إذن لإعادة توزيع القوة السياسية بين الحزبين الرئيسيين”.
ما الذي يحدث الآن بين كاليفورنيا وتكساس وما تبعاته؟
خلاصة المعركة أن كل طرف يسعى للحصول على مزيد من المقاعد لصالحه قبل انتخابات التجديد النصفي المقبلة. إلى جانب كاليفورنيا التي سعت لتعويض خمس مقاعد لصالح الديمقراطيين، فإن ولايات ديمقراطية أخرى — مثل إلينوي ونيويورك ونيوجيرسي ونيوهامبشير وميريلاند — تستعد لخطوات مضادة. وفي المقابل، تبحث ولايات تسيطر عليها الجماعات الجمهورية — بما في ذلك إنديانا وفلوريدا وميسوري وأوهايو — عن طرق لتعزيز تمثيلهم في واشنطن.
واجهت محاولة تكساس عقبات عملية وسياسية: هرب نواب ديمقراطيون من الولاية في محاولة لحرمان الهيئة اللازمة من النصاب لتمرير مشروع إعادة الرسم، ثم عادوا بعد أسبوعين بعدما أصدر الحاكم أوامر بالقبض عليهم؛ وبعد عودتهم صوت المجلس لصالح خلق خمس مقاعد بنسبة 88 صوتاً مقابل 52. تُرجّح التوقعات أن يوقع الحاكم غريغ أبوت مشروع القانون ليصبح نافذاً.
المشهد في كاليفورنيا وبقية الولايات
حاكم كاليفورنيا جافين نيُسوم تعهّد بمواجهة الخطوة بالتكافؤ: “مواجهة النار بالنار”، لكن عملية كاليفورنيا أبطأ بسبب قانون أُقرّ عام 2008 ليقلّل من الطابع الحزبي لإعادة الرسم، كما أن الناخبين سيبتّون في الخرائط الجديدة عبر اقتراع خاص في الخريف، في خطوة قد تثير الجدل لأنهم سبق أن وافقوا على منح لجنة مستقلة صلاحية تحديد خطوط الانتخاب.
في نيويورك، يَستغرق المسار وقتاً أطول لأن تعديل الدستور قد يكون مطلوباً. وقالت حاكمة نيويورك كاثي هوكل إنها ستتصدّى لما سمّته “التمرد القانوني لترامب” وستواجهه بنفس الأساليب لتفوقه على الأرض. بحسب خبراء القانون والسياسة، فإن الولايات التي تسيطر عليها الأجهزة الجمهورية قد تجد الطريق أسهل لإعادة الرسم، بينما تمتلك الولايات الديمقراطية حواجز قانونية ودستورية أكثر لحماية العملية من الانحياز الحزبي.
حتى الولايات الصغيرة التي تحوز مقعداً واحداً فقط في مجلس النواب — مثل ديلاوير وفيرمونت — قد تبدو هامشية اليوم، لكن نظراً لكثافة المصالح قد تلتحق بالسباق في المستقبل. انتهى.