على بعد نحو 4,000 ميل (6,000 كم) من غزة، في تلال غوا المكسوة بغابات المانغروف، يضغط شباب اسرائيل بأقدامهم على الأرض على أنغام موسيقى الترانس. هنا لن تسمع أمهات ينوحن فوق أكفان بيضاء؛ الإبادة الجماعية تجري في مكان آخر، وهذا هو المغزى.
على دروب الرحّالة، من وديان الأنديز إلى شواطئ تايلاند، تتكرر المشاهد. يسمّونها «تارميلاوت»: طقس العبور بعد الخدمة العسكرية، وفرصة، كما يقول الدي جي زركين، «للجنون بسلام».
ليست مجرد عادة للهبيين. أظهرت دراسة إسرائيلية عام 2018 أنها «مؤسسة عملياً»، مقدّرة أن نحو 50 ألف شخص يسافرون كل عام بعد الخدمة. ببضعة آلاف من الدولارات، تروّج وكالات السفر لنسيان شامل: رحلات مخفّضة، مطابخ كوشير، وفنادق خمس نجوم حيث لا وجود للفلسطينيين.
بعد عامين من مذبحة مهرجان نوفا، وفي ظل مجزرة غزة، بات مفهوم «الهروب» يحمل بعداً مختلفاً. يسافر كثيرون للخارج للهروب من ما يسمّونه «ها-ماتساف»—حرفياً «الوضع»—تعبير تلطيفي يقلِّل من الاحتلال إلى مجرد إزعاج. بالنسبة للفلسطينيين لا مفر: باتت بحار غزة وسماءها ومعابرها محكمة الإغلاق. بينما «يجنون بسلام» في الخارج، يُدفع الفلسطينيون إلى الجنون بلا سلام.
لمدّة ثلاث سنوات يقفون عند الحواجز في الضفة الغربية المحتلة، بأجساد نحيلة تتحول مهددة ببندقية M16 على صدورهم. ثم تكاد الدولة أن تسلّمهم حقيبة ظهر وتذكرة ذهاب بلا عودة. هذه الرحلة ليست مكافأة على ما فعلوا فقط، بل تخفي جرائمهم في جيب بسحّاب، على أمل ألا يعودوا.
متعة للبعض
ليس غريباً أن تصبح التارميلاوت تقليداً شبه إلزامي في إسرائيل؛ الدولة تشجّعها كما تستثمر في مهارب أخرى مثل مسابقة الأغنية الأوروبية وصورة «براند إسرائيل».
في رواية ألدوس هكسلي «عالم جديد شجاع»، لم يؤدِّ عقار السُّوما إلى الاسترخاء والسعادة فحسب، بل ساهم أيضاً في النسيان. تعمل نظرة الهروب الإسرائيلية بطريقة مماثلة؛ فهي تعترف بأن اللذة رواية سياسية بطبيعتها.
حتى دبلوماسيون إسرائيليون اعترفوا بهذا علناً. قال نيسيم بن شِتريت من وزارة الخارجية عام 2005: «نرى الثقافة أداة دعاية من الرتبة الأولى، ولا أفرّق بين الدعاية والثقافة». وبعد ثلاث سنوات عبّر دبلوماسي آخر، إيدو أهاروني، بوضوح أكبر: «أهم لإسرائيل أن تكون جذابة من أن تكون على حق».
تصدير «الثقافة» الإسرائيلية يفعل ما يعجز عنه المتحدثون العسكريون: يبيع الاحتلال كطريقة حياة ويُثبت أن العنف يمكن أن يتعايش مع الحياة الطبيعية، بل ومع المرح أيضاً.
داخل إسرائيل، يقدم ذلك تفريغاً عاطفياً بلا مواجهة، فرصة لـ«الضياع» مع إنكار الإبادة. في هذه المساحات لا يُستبعد الفلسطينيون فحسب؛ بل يُنظر إلى وجودهم نفسه على أنه قاطع لسلام الآخرين.
خارجياً، يصوّر الإسرائيليين كأناس بلا هموم وليبراليين، خيال يتيح للجماهير الغربية التلذذ بلا ذنب. يُقدّمون كـ«منّا»، بينما يُصوَّر الفلسطينيون كمن يفسد الحفل.
الهاسبارا بلمعان
إبقاء هذا الحفل مستمراً مشروع وطني حرفياً. لعقود أنفقت إسرائيل ملايين لتصوير نفسها كمكان للانغماس والترف.
خُطّت «براند إسرائيل» عام 2006 كإعادة تسمية منظّمة من الدولة، تستبدل الحواجز بالبيكيني والشواطئ. بدأ ذلك حين جمع الدبلوماسي إيدو أهاروني فريقاً رفيعاً ضم ممثلين عن شركات علاقات عامة مثل بورسون-مارستيلر، المشهورة في تلميع صور أنظمة أو أحداث مروعة مثل الديكتاتورية الأرجنتينية وحادثة اتحاد الكربيد في بوبال. كما اعترف أهاروني، لم يكن الهدف جعل إسرائيل على حق، بل جعلها جذابة. ومع مثل هؤلاء منظِّفين السمعة، بدا من الواضح أن الحياء لم يكن بين أولوياتهم.
كانت إحدى حيل «براند إسرائيل» الأولى جلسة صور لمجلة مكسيم تستهدف النظرة الذكورية الأميركية تحت عنوان «نساء قوات الدفاع الإسرائيلية»، ظهرت فيها المتوّجة حديثاً «ميس إسرائيل» غال غادوت بملابس داخلية. لو ظهرت في 2025 لقلنا ربما «الاستيطان الاستعماري يتحول إلى صوّارات الإغراء».
عندما بلى ذلك، استبدلت «براند إسرائيل» الملابس الداخلية بمسيرات الفخر. وبحلول 2011 كانت هيئة السياحة الإسرائيلية تنفق نحو 100 مليون دولار لتسويق تل أبيب كوجهة عطلات للمثليين.
صار ما يُسمّى «التبييض الوردي» سياسة دولة، ولا يزال البريق متمسكاً بتل أبيب. يصوّر الإسرائيليين مرغوبين والفلسطينيين متخلّفين، ويبيع وهم حماية إسرائيل للفلسطينيين المثليين. كما يكتب إلياس جهان، إنها خدعة استعمارية أنيقة: قنابل ملفوفة بورق قوس قزح، أو اليوم بألوان أي أقلية إقليمية تختار إسرائيل دعمها لإحداث شرخ.
الرقص على العظام
إن نزعت الحفلات والمسيرات والمهرجانات، يظهر الواقع: حوّلت إسرائيل السعي وراء السعادة إلى سلاح سياسي. وليست الأولى في ذلك — جنوب أفريقيا الفصل العنصري فعلت الشّيء نفسه، بجولات الكريكيت و«صن سيتي»، محوّلة الترف إلى غطاء للحكم الاستعماري.
الآن في غوا، كما في غيرها من الأماكن، يشتكي السكان المحليون من المسافرين الإسرائيليين، وتكاد سلاسل من المواضيع على ريديت تُكرّس هذا الشعور بالامتياز. يقولون إن الإسرائيليين يعاملون التمتع كحق مولود، كما يعاملون فلسطين كشيء مستحق لهم.
شاهدت ذلك بنفسي. بينما كنت أعيش قرب تلة فرنسية، مستوطنة إسرائيلية غير شرعية بجوار مخيم الشفاط للاجئين في شرق القدس المحتلة، سمعت إسرائيليين، يزعجهم تبعات احتلالهم، يرددون العبارة نفسها مراراً: «لماذا لا نستطيع أن نستمتع فقط؟»
تلك العبارة — التي تُلقى غالباً بلكنة أميركية مصطنعة — تلتقط حالة الجمود في المجتمع الإسرائيلي: شوق إلى السلام مع خوض الحرب، إصرار على المتعة مع إلغاء وجود الآخرين. الفرح، مثل البلد نفسه، يتحوّل إلى نظام فصل عنصري. محظورات الحياة مُخصصة لشعب واحد وممنوعة عن آخر، وتُسوَّق للعالم على أنها مهرب بريء.
لدَت جنوب أفريقيا الفصل العنصري «صن سيتي». لأميركا وودستوك بينما كانت قنابل النابالم تسقط على فيتنام. لإسرائيل غوا ومسيرة فخر تل أبيب. يزعمون أن بهجتهم برهان براءتهم. لكن الفرح المبني على عظام الآخرين لم يكن أبداً فرحاً، ولن يدوم.
الآراء الواردة هنا للكاتب وحده وقد لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للقناة.