الطبيعة تتجسَّد: تامارا كوستيانوفسكي تحول أقمشة مُعاد تدويرها إلى منحوتات حِسّية

سُئِلتْ مؤخَّراً عما إذا كنتُ قد غسلتُ ثيابَ والدي قبل أن أستعملها في التماثيل؛ أجابت: لم أفعل. لا تزال تحتوي على خلاياه.

تشكِّل هذه التماثيل من «اللحم» جزءًا من سلسلةٍ مبكِّرةٍ بعنوان Actus Reus — أي «الفعل المذنب» باللاتينية — التي تلاها مشروع Nature Made Flesh الذي بدأته كوستيانوفسكي بعد وفاة والدها. بدلًا من الحيوانات المذبوحة ذات الأحشاء المتدفِّقة والعظام البارزة، صنعت جذوع أشجارٍ ملونةً تشكَّلت في الغالب من ملابسه القديمة. ثمة صفة سريالية تسكن هذه الأعمال: هي صورةٌ واضحة لجذوع مُقلمة، لكنها مصوَّغة بألوانٍ زاهيةٍ تمنحها مسحةً شبه مرحة. هنا تُقتَل الشجرة وتُقَصّ حياتها، ومع ذلك تُنَفِخ لوحة الألوان الباستيل من أصفرٍ وبنفسجيٍ وورديٍ وأزرق شعورًا بالحيوية. تقول عن والدها: «نما المشروع من رغبتي في أن أمنحه حضورًا ماديًا في العالم يتجاوز امتداد حياته».

عنوان Nature Made Flesh لافتٌ في إحالاته إلى «اللحم» رغم غياب التمثيل الجسدي الواضح. هذه الأشجار جُرحت — مقطوعة عند الجذع — لكن لا جثة إنسانية ظاهرة. كما في كثيرٍ من أعمالها، هناك طبقاتٌ لفكِّها؛ فمصطلح «اللحم» يعود في النهاية إلى والدها. إن سؤال الناس عن غسل ثيابه قبل استخدامها يعيد إلى العمل ذلك البُعد الشخصي والحميمي. هنا يُرمَز إلى الفقدان بتدمير الطبيعة، مؤكِّدًا العلاقة المتبادلة بين الإنسان والبيئة. الأشجار، تشرح كوستيانوفسكي، «تُشخِصُ المشهد الطبيعي وتُبرِز مادِّيّةً مشتركةً بين جميع الكائنات الحيّة». هو توريةٌ مزدوجةٌ تلمح إلى فقدان أحبَّاء وإلى العنف الذي يمارسه الإنسان ضد الطبيعة. كما أن إعادة استعمالها للمواد عملٌ ضد ثقافة الاستهلاك الجامح وتأثيراتها البيئية، موضوعٌ ظلَّ يهمُّها طويلاً.

طوال مسيرة كوستيانوفسكي هناك إيماءةٌ إلى تقلبات الحياة: تُقضى الأشجار فتتحوّل إلى جذوع؛ تُرصَد الطيور والبقر والخنازير وتُعلَّق أرجلًا إلى الأعلى. ومع ذلك، تميل أعمالها مؤخرًا إلى الأمل. سلسلة Tropical Abattoir الأخيرة تُعيد توقيعها على جثث اللحم المعلّقة، لكن مع تبديلٍ مفاجئ: في تجاويف هذه الحيوانات الميتة مشاهد استوائية زاهية. تختلط الورديّات والحمريات اللحمية بأخضرٍ أليمٍ وأزرقٍ وصفرٍ استوائيين. تعشش الطيور في التجاويف كما في الأشجار وتتسلق اللِّيّّان الجوانب لتولّد أزهارًا. عناوين مثل «بطن مُزروع» و«اشفِ العالم» و«البقرة تتحول إلى منظرٍ طبيعي» تُؤكِّد فكرة التجديد والإصلاح. أعمالها ليست مجرد مواد مُعاد تدويرها في ذاتها،بل هي الآن تَحمل إيماءاتٍ إلى التجدد الطبيعي. بدلاً من جثةٍ معلّقةٍ وصلت إلى نهاية السَّطر، نرى جسدًا صار موئلًا لحياةٍ جديدة، تَحتضن طيّاته نباتاتٍ وحيواناتٍ متنوِّعة وملوّنة. تشرح كوستيانوفسكي: «الفكرة هي تحويل الجثة من موقع للدمار المحض إلى حاضنةٍ لحياةٍ تنبُت منها — كأنها بيئة فاضلة».

يقرأ  ترامب: أعتقد أن بوتين سيتوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا— أخبار حرب روسيا وأوكرانيا