شاهد: تسريعٌ زمني لإعادة بناء مدينة كاولون المسوّرة الشهيرة بمقياس حقيقي داخل ماينكرافت

مدينة كولون المسوّرة، التي اعتُبرت أكثر تجمع سكني كثافةً على وجه الأرض، أُزيلت من الوجود في منتصف تسعينيات القرن العشرين. في ذروتها خلال ثمانينيات القرن الماضي كانت تأوي نحو 33 ألف شخص بحسب مسح حكومي، بينما تذهب تقديرات أخرى إلى ما يقترب من 50 ألفاً — وكل ذلك ضمن مساحة لا تتجاوز 2.6 هكتار، أي أقل بقليل من 6.5 فدان، أصغر من مساحة خمسة ملاعب كرة أميركية أو نحو قطعتَي شارع في نيويورك.

بداية المدينة كانت عرضة لظروف تاريخية وعمرانية خاصة؛ نشأت أولاً كمنشأة عسكرية في عهد أسرة سونغ ثم تحوّلت إلى حصن في عهد أسرة تشينغ عام 1810. كانت تقع داخل حدود ما يُعرف اليوم بمنطقة كولون في هونغ كونغ، التي خضعت لاحقاً للسيطرة البريطانية بعد معاهدة نانكينغ 1842، إلا أن السلطات البريطانية لم تتدخل فعلياً في الموقع لفترات طويلة، وبقي تعميرها الأولي مقتصراً على بضع مئات من السكان. حتى عام 1940، لم يكن فيها سوى مقر حكومي مركزي (يامن)، ومدرسة، ومنزل واحد قبل أن تتحول تدريجياً إلى متاهة عمرانية ذات أبعاد هائلة.

ما يُميّز تاريخ المدينة هو أنها نتجت إلى حد كبير عن فراغ قانوني وإداري؛ اختلطت السلطات المحلية والوطنيّة، وخلّف هذا فراغاً سمح بتكاثر البناء بصورةٍ غير منظّمة. بعد الحرب الأهلية الصينية بدأ تدفق اللاجئين إلى الموقع، حيث بلغ الوافدون نحو 2,000 شخص بحلول 1947، ثم تفاقم الوضع بعد حريق عام 1950 الذي دمّر بيوت أكثر من 17,000 نسمة؛ ومنذ ذلك الحين وازدادت الكثافة السكانية بالمعدل الكبير الذي صار يُميّز المكان.

من الناحية البنائية، كانت مبانٍ المدينة متلاصقة عملياً، مع فتحات أبواب وممرّات عُدّت بشكل عرضي تربط بين الهياكل إلى درجة أن المرء ربما كان يستطيع أن يعبر المدينة من جانب إلى آخر دون أن يطرأ له أن يخرج إلى الهواء الطلق؛ وما كان خارج هذه الكُتلة العمرانية اقتصر على أزقّة ضيقة لا يتسع بعضها إلا لمرور المشاة.

يقرأ  السريالية الساخرة في أعمال إدوارد بورا

اليوم يثير هذا التركيب المعماري المخالف لكل قوانين الكود العمراني حفيظة المهندسين المعاصرين، لكنه أيضاً يعكس واقع المساحة المحدودة واللجوء إلى البناء الحدودي كحل للبقاء. هذا المزيج من الفوضى التنظيمية والذكاء العملي منح المدينة طابعاً بصرياً ونفسيّاً فريداً.

مهندس التصميم المعروف باسم Sluda Builds أنشأ مشروعاً مفصلاً داخل لعبة Minecraft لإعادة بناء المدينة من الصفر، مع إيلاء عناية خاصة بدرجات الأرض والمناظر الملتبسة التي لا تظهر جيداً في الصور، وإعادة تشكيل ناطحات السحاب الصغيرة والميزانين والممرّات الداخلية والأسطح والأزقّة بتركيز دقيق. جذبته المدينة ليس فقط لندرتها التاريخية، بل لما تملكه من جاذبية جمالية غامضة لا يسهل تحديد مصدرها: مبانٍ شاهقة يصل بعضها إلى أربعة عشر طابقاً، مبنية بلغة بصرية عاميّة أقرب إلى أحياء الحَشْد البشرية مثل الفافيلات، وفي كل مبنى مقدار كبير من الشخصية والخصوصية — وعندما تتراصف خمسون مبنى فريدة بجانب بعضها، يتكوّن مشهد أيقوني لا ينسى.

لمزيد من الاطلاع يمكن متابعة أعمال Sluda Builds على منصات الفيديو والصور، والاطلاع على سلسلة صور الرّوح الحضرية من أعمال المصوّر Romain Jacquet‑Lagrèze أو الدليل المصوّر لِـ Hitomi Terasawa الذي تضمن مقاطع عرضية تفصيلية. مدينة كولون المسوّرة تظل حالة فريدة من نوعها: ظاهرة حضرية قاسية ومذهله في آن واحد، تدعو إلى إعادة التفكير في العلاقة بين القانون والمساحة والعيش المشترك.

أضف تعليق