يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة في الاسكا لمناقشة سبل إنهاء الحرب التي تشنها موسكو على اوكرانيا منذ ثلاث سنوات.
من المقرّر أن يبحث القائدان مسألة «تبادل الأراضي»، ما يوحي بإمكانية دعم ترامب لاتفاق يسمح لروسيا بالمحافظة على سيطرتها على بعض الأراضي الأوكرانية التي تحتلها حالياً، من دون الاحتفاظ بكل المناطق المحتلة.
في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض يوم الثلاثاء قال ترامب: «روسيا احتلت جزءاً كبيراً من أوكرانيا. لقد استولت على أراضٍ ذات قيمة كبيرة. سنحاول استعادة بعض تلك الأراضي لصالح أوكرانيا.»
لكن فكرة التبادل تلمّح أيضاً إلى احتمال أن تضطر أوكرانيا للتنازل عن أجزاء من الأرض التي تسيطر عليها حالياً.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كرر مراراً أن أي صفقة تنطوي على التنازل عن أراضٍ أوكرانية لروسيا ستكون غير مقبولة ولن تحقق النجاح.
ماذا يريد بوتين؟
في الشهر الماضي حذّر ترامب من تشديد العقوبات ما لم توقف روسيا القتال داخل مهلة 50 يوماً. تلك المهلة انقضت دون أن تفرض واشنطن عقوبات جديدة على موسكو، لكن الولايات المتحدة طبّقت رسوماً بنسبة 50% على واردات النفط الهندية كعقوبة لشرائها المستمر للطاقة الروسية.
طالب ترامب بوتين بالموافقة على وقف إطلاق النار يوم الجمعة لتجنّب فرض واشنطن لرسوم إضافية على دول تشتري أصول الطاقة الروسية.
من جهته، صرّح بوتين أنه يريد السيطرة الكاملة على مناطق شرق أوكرانيا، بما في ذلك لوغانسك ودونيتسك وزابوريزيا وخيرسون، أجزاءٌ من بعضها أعلنت روسيا ضمّها في 2022، إضافةً إلى القرم الذي ضمّته روسيا عام 2014.
لو وافق كييف على ذلك، فسيعني ذلك انسحاب القوات من أجزاء من لوغانسك ودونيتسك، حيث تتركز معظم الاشتباكات الحديثة.
وأفادت بلومبرغ في تقرير بتاريخ 8 أغسطس أن مسؤولين أمريكيين وروس يعملون نحو اتفاق «يجمد الحرب» ويسمح لموسكو بالاحتفاظ بالأراضي التي استولت عليها.
إلى جانب ذلك، يصر بوتين باستمرار على أن تبقى أوكرانيا دولة محايدة تتخلى عن طموحات الانضمام إلى حلف الناتو.
هل يمكن لأوكرانيا التنازل عن أراضيها؟
التنازل عن مناطق خسرتها أوكرانيا خلال هذه الحرب أو سابقاً في 2014 ليس خياراً مقبولاً سياسياً أو قانونياً في الداخل الأوكراني.
قال زيلينسكي يوم السبت إنه لن «يهدي» الأراضي لروسيا، وأن الأوكرانيين لن يتخلوا عن أرضهم أمام المحتلين الروس.
وعلاوة على ذلك، فإن التنازل عن أي أراضٍ سيكون مخالفة للدستور الأوكراني.
كم من أوكرانيا تسيطر عليها روسيا؟
تسيطر روسيا على نحو خُمس مساحة أوكرانيا — نحو 114,500 كيلومتر مربع (44,600 ميل مربع).
يمتد خط الجبهة النشط لمسافة تقارب 1,000 كيلومتر عبر مناطق خاركيف ولوغانسك ودونيتسك وزابوريزيا وخيرسون.
تسيطر روسيا على نحو ثلاثة أرباع منطقتي زابوريزيا وخيرسون.
كما تحتل أجزاء صغيرة من مناطق خاركيف وسومي وميكولايف ودنيبروبتروفسك. عبر مناطق سومي وخاركيف تسيطر روسيا على نحو 400 كيلومتر مربع من الأراضي، وفي دنيبروبتروفسك احتلت منطقة ضئيلة قرب الحدود.
تسيطر روسيا على نحو 46,570 كيلومتر مربع، أي حوالى 88% من مساحة منطقة الدونباس المكوّنة من لوغانسك ودونيتسك. تحتل روسيا معظم لوغانسك وثلاثة أرباع دونيتسك.
ما يزال لدى أوكرانيا نحو 6,600 كيلومتر مربع من الدونباس، على الرغم من تركيز روسيا لطاقة هجوماتها على جبهة دونيتسك، متقدّمةً نحو المدن الكبرى القليلة المتبقية خارج سيطرتها.
جزء من هذا المسعى يهدف إلى تأمين ما يُعرف بـ«حزام الحصون».
ما هو «حزام الحصون»؟
يمتد «حزام الحصون» نحو 50 كيلومتراً على طول طريق استراتيجي بين بلدتي كوستيانتينيفكا وسلوفيانسك.
يضم الحزام بلدات رئيسية — سلوفيانسك، كراماتورسك، دروجكيفكا، أوليكسييفو-دروجبكيفكا وكوستيانتينيفكا — التي ظلت تحت سيطرة القوات الأوكرانية منذ 2014 وتكتسب أهمية استراتيجية كبيرة كمراكز لوجستية وإدارية.
محاولات القوات الروسية للسيطرة على سلوفيانسك ومدن الحزام في 2022–2023 فشلت، ودفعت الهجمات المضادة الأوكرانية القوات الروسية بعيداً عن مواقع رئيسية.
وفي تقرير صدر في 8 أغسطس، قالت مؤسسة معهد دراسة الحرب في واشنطن إن «حزام الحصون الأوكراني شكّل عقبة كبرى أمام أطماع الكرملين الترابية في أوكرانيا على مدار السنوات الأحد عشر الماضية».
التقدم الروسي: ما الوضع ميدانياً الآن؟
في أغسطس حققت القوات الروسية مكاسب ملموسة، متقدمة نحو 10 كيلومترات خلف خطوط الجبهة مع تكثيف الجهود للسيطرة على حزام الحصون من الجنوب الغربي، مع تركيز قواتها في اتجاهي توريسك والجانب الشرقي من بوقروفسك.
قال الخبير العسكري في قناة الجزيرة أليكس غاتابولوس: «لست متأكداً مما يمكن لأوكرانيا تقديمه من حيث الأراضي. روسيا تحوز على الكثير وتكسب هذه المعركة شيئاً فشيئاً، وإن كان ذلك بتكلفة باهظة.
هناك حركة حالياً حول بوقروفسك في الشرق، وكونستانتينيفكا مهددة أيضاً بالخطر. إذا لم تقم أوكرانيا ببناء مواقع دفاعية عميقة، فستتمكّن القوات الروسية من الخروج نحو مناطق مفتوحة. هذا وقت خطر فعلاً على أوكرانيا. لقد خسرت كل الأراضي الروسية التي كانت قد استولت عليها في كورسك ولا تملك كثيراً لتتبادله.»
كيف تطورت الحرب خلال السنوات الثلاث الماضية؟
في أسابيع الحرب الأولى تقدمت روسيا من الشمال والشرق والجنوب، مستولية بسرعة على مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية، مع معارك عنيفة في إيربين وبوتشا وماريوبول، التي سقطت في أيار/مايو 2022 بعد حصار كان من بين الأكثر دموية ودماراً في الحرب، حيث قدّرت السلطات الأوكرانية سقوط عشرات الآلاف من المدنيين.
بحلول مارس 2022 سيطرت القوات الروسية على محطة زابوريزيا النووية — الأكبر في أوروبا — وبحلول أبريل ذلك العام كانت روسيا تسيطر على نحو 27% من أوكرانيا.
إلا أن أوكرانيا نجحت في أواخر 2022 في تغيير المعادلة من خلال هجمات مضادة كبرى في خاركيف وخيرسون، واستعادت كييف نحو 54% من الأراضي التي كانت روسيا قد بسطت سيطرتها عليها منذ بداية الحرب، وفق بيانات معهد دراسة الحرب، لتتقلّص المساحة المحتلة إلى نحو 18% من البلد.
في أغسطس 2024 شنت أوكرانيا توغلاً ملحوظاً في منطقة كورسك الروسية، متقدمة نحو 10 كيلومترات داخل الأراضي الروسية وسيطرت على نحو 250 كيلومتراً مربعاً، وقد استعادت روسيا تلك المكاسب لاحقاً.
بحلول أواخر 2024 ومع دخول 2025، تحوّلت الحرب إلى مأزق مدمّر مع خسائر فادحة للطرفين، لكن التقدّم الروسي الأخير نحو سلوفيانسك يشي بإمكانية شن هجوم آخر لاستعادة أراضٍ طالما واجهت روسيا صعوبة في اقتحامها.
ما كان الوضع قبل الحرب؟
قبل الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022 كانت روسيا قد ضمّت القرم في 2014، كما دعمت موسكو الانفصاليين في إقليم الدونباس، مما أدى إلى قيام ما أُعلِن عن نفسه جمهوريات دونيتسك ولوغانسك الشعبية. اعترفت روسيا بهذه الكيانات رسمياً في 21 فبراير 2022 وشنت بعد ثلاثة أيام غزوها الشامل.
أزمة النزوح
أسفرت الحرب عن واحدة من أكبر وأسرع أزمات النزوح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ووفقاً للأمم المتحدة، فقد نزح نحو 10 ملايين أوكراني، أي حوالى 21% من سكان البلاد قبل الحرب.
من بين هؤلاء، لا يزال 3.7 مليون نازحاً داخلياً داخل أوكرانيا، بينما فرّ نحو 6.9 مليون إلى الخارج كلاجئين.