السناتور عن فيرمونت بيرني ساندرز و«جولة مكافحة الأوليغارشية»
يتجوّل السناتور التقدّمي بيرني ساندرز في أنحاء الولايات المتحدة ضمن جولة حملها شعار “محاربة الأوليغارشية”، سلسلة لقاءات عامة تهدف إلى حشد وتفعيل الناخبين التقدّميين على مستوى البلاد. مساء السبت، نقل ساندرز رسالته إلى جامعته السابقة، كلية بروكلين، في لقاءٍ مشترك مع مرشح رئاسة بلدية نيويورك زهران ممداني.
حضور جماهيري ورسائل متقاطعة
جلوس ساندرز إلى جانب السياسي التقدّمي المخضرم جذَب نحو 1700 شخص إلى القاعة، مما يبرز مكانة ممداني كمتصدّر واضح في سباق رئاسة البلدية — سباق استقطب اهتمامًا وطنيًا لدى التقدّميين الذين يرون فيه ومن على شاكلته قدرة على إعادة تعبئة حركتهم، وفي المقابل أثار ذلك هجمات منظمة من اليمين، بما في ذلك من الرئيس السابق دونالد ترامب.
قال ممداني للجمهور: «السياسة يمكن أن تقاد بواسطة الناس العاديين». ولتُبرز الفعالية، التي تُعد جزءًا من جولة ساندرز التي شملت حتى الآن 21 ولاية وحققت تواصلًا مع أكثر من 300 ألف شخص، الأضواء الوطنية المتزايدة على سباق بلدية نيويورك والخطاب المتشنّج من البيت الأبيض تجاه عضو المجلس التقدّمي.
اتهامات من اليمين وعموم الانتقادات
على هامش ذلك، أطلق ترامب في تصريحاته وصفًا خاطئًا لممداني، واصفًا إياه بأنه «شيوعي». وقد تعرّض ممداني منذ مدة لانتقادات من ديمقراطيين أكثر اعتدالًا ولجمهور الجمهورية بسبب سياساته التي اعتُبرت لدى بعضهم غير واقعية أو متطرّفة، لا سيما على صعيد القضايا الاقتصادية — بحسب تحليلات أُجريت في وسائل إعلامية مختلفة.
لكن الرسالة التي لاقت صدى قويًا لدى أنصاره تناولت اتساع فجوة الدخل وتركيز الثروة في أيدي فئة صغيرة.
هجوم على أصحاب وسائل الإعلام والمليارديرات
وجه ساندرز نقدًا حادًا إلى مالكي كبرى شركات الإعلام من المليارديرات، وذكر على وجه الخصوص ديفيد إليسون الذي أصبح يدير شركة بارامونت، وعبّر ساندرز عن استيائه من قلة النقد الموجّه للبيت الأبيض من قبل تلك المؤسسات تحت ملكياتها الجديدة. الشبكة، التي اندمجت مؤخرًا مع شركة سكاي دانس، دفعت تسوية بقيمة 16 مليون دولار لحل دعوى زعمت تعديل مقابلة مع المرشحة الديمقراطية آنذاك كامالا هاريس. كما أعلنت سي بي إس مؤخرًا أنها لن تجري تعديلات على مقابلات برنامجها السياسي الأحدي “فيص ذي نيشن” عقب شكاوى من إدارة ترامب.
وأيضًا شن ساندرز هجومًا على إيلون ماسك، مشيرًا إلى موافقة مساهمي شركة تيسلا على حزمة تعويضات بلغت قيمتها تريليون دولار للرجل الأغنى في العالم. وقال ساندرز: «نحن نعيش في عالم مجنون… ملايين الناس يكافحون لتأمين طعام على الموائد، وهم يجعلون شخصًا واحدًا تريليونيرًا».
ممداني والاقتصاد المحلي و«نيويورك ليست للبيع»
ركّز ممداني جزءًا من رسالته على الشركات الكبرى، مثل خدمة التوصيل دورداش، التي أنفقت مليون دولار في محاولات للإطاحة به — فذكرها مرتين أثناء اللقاء. وخاطب الحاضرين بقوله: «مدينة نيويورك ليست معروضة للبيع».
على الرغم من أن نقد الحملة لم يلقَ قبولاً لدى مجتمع الأعمال الأكبر، فقد شرع ممداني في مخاطبة تلك المخاوف؛ ففي يوليو، عقب حصوله على الترشيح الديمقراطي، التقى بقادة أعمال من أنحاء نيويورك لمناقشة مواقف سياسته، والتي وُصفت بأنها لقاءات منتجة من جهات مناصرة للأعمال.
ومع ذلك، فإن جوهر الرسالة التي لامست الناخبين كان خارج إطار مجتمع الأعمال، إذ طرحت قضايا تَجاوبت مع طبقات العمال والمتوسطين، وهي قضايا دعمت حملة ممداني ونشاطه الانتخابي.
قضية الرعاية النهارية والضغوط المعيشية
كان موضوع رعاية الأطفال من أبرز ما طرحه السكان خلال اللقاء؛ وفقًا لمجلس مدينة نيويورك، قد تصل تكلفة الرعاية إلى حوالي 25% من دخل الأسرة. وأوردت مشاركة من الجمهور — أم عاملة — أنها تنفق 36,000 دولار سنويًا على رعاية أطفالها. ردًا على سؤال من معلمة حول خطته، قال ممداني: «علينا أن نشعر بعمق الإحصاءات التي باتنا نخدرنا منها». ويقترح ممداني رعاية أطفال مجانية للأطفال منذ عمر ستة أسابيع حتى الخامسة.
تدخل محتمل من ترامب في السباق
تأتي جهود ممداني في ظل مخاوف من تدخل إدارة ترامب في سباق بلدية نيويورك، بعد تقارير عن تقديم دعم محتمل للمحافظ الحالي إريك آدامز، الذي يظهر في مراتب متأخرة حاليًا في استطلاعات الرأي مقارنة بممداني. آدامز يحتل المرتبة الرابعة بحسب معظم الاستطلاعات، فيما يتقدم ممداني بفارق مزدوج الأرقام على أندرو كومو، الحاكم السابق لولاية نيويورك، باستثناء استطلاع واحد صادر عن معهد منهاتن المائل لليمين؛ ويتبع الجمهوري كيرتيس سليفا آدامز في الترتيب.
وردت تقارير بأن آدامز قد يُنظر إليه لشغل منصب في إدارة ترامب، ومن ذلك احتمال ترشيحه لسفير لدى المملكة العربية السعودية، لكنّ ترامب نفى هذه الأنباء. ويُذكر أنّ آدامز نفى في وقت سابق أنه كان يجري محادثات مع إدارة ترامب لشغل منصب في وزارة الإسكان والتنمية الحضرية. وأكد آدامز للصحفيين أنه لن ينسحب من السباق رغم التقارير التي أشارت إلى احتمالات تعليق ترشحه.
لم ترد حملة آدامز على طلبات التعليق. كما رفض كومو بدوره ما أُشيع عن تدخل الرئيس في السباق، قائلاً للصحفيين: «لا أريده أن يكون متورطًا في أي شيء يخص حملتي». ويعتبر فريق كومو أن معسكر ممداني يقلق من احتمال أن يؤدي انسحاب آدامز أو كيرتيس سليفا إلى تدفق أصوات لصالح حملته.
رغم التفوّق المريح في الاستطلاعات، لم ينجح ممداني بعد في تجاوز علامة 50% في أي من الاستطلاعات الرئيسية.
اتهامات أخيرة ودعوات بالانسحاب
انتقد ممداني أيضًا بيل أكمان، الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط بيرشنغ سكوير، بعد منشور لأكمان على منصة إكس دعا فيه إلى أن ينسحب العمدة آدامز من السباق. عندما حسم مامداني ترشيح الحزب الديمقراطي، تعهّد بيل آكمان بتمويل مرشحٍ أكثر اعتدالاً.
دفعة وطنية
حظي سباق عمدة نيويورك باهتمامٍ واسع باعتبارها أكبر مدن البلاد ومركزاً عالمياً للمال والإعلام، لكنّها ليست المكان الوحيد الذي يحقق فيه التقدميون تقدماً ملحوظاً. في أنحاء الولايات المتحدة، يخوض مرشحون ذوو توجهٍ يساري معارك في مدن كبيرة وصغيرة، غالباً ما ترتكز حملاتهم على اتساع فجوات الدخل، ارتفاع تكاليف السكن، وحماية حقوق العمال.
أشار بيرني ساندرز إلى أن اندفاعة مامداني ورد الفعل من البيت الأبيض يعكسان، حسب رأيه، أن موجة التقدميين ما تزال تحتفظ بزخمها.
وقال ساندرز لأنصاره: «ما هم خائفون منه هو أن يصبح مامداني مثالاً لما يمكن أن يحدث في أنحاء الولايات المتحدة كلها».
في مينيابوليس، يخوض السناتور الولائي عمر فاتح، وهو ديمقراطي تقدمي، سباق رئاسة البلدية ضد العمدة الحالي جاكوب فراي. حملته، التي تردّد فيها كثير من موضوعات مامداني في نيويورك، تضع محورها على السكن الميسور وتعزيز حماية العمال.
في ألبركركي بولاية نيو مكسيكو، يترشح ألكس أوبالاز على برنامج «السكن للجميع»، مؤكداً تشديد الحماية للمستأجرين وتوفير المزيد من المساكن الانتقالية للسكان الذين يكافحون الإدمان.
في سياتل بولاية واشنطن، تتحدى المنظِّمة التقدمية كاتي ويلسون العمدة بروس هاريل ببرنامج يركّز على ارتفاع تكاليف السكن، أزمة التشرد، ودعم الشركات الصغيرة.
لكن الحركة تواجه عقبات، لا سيّما على المستوى الفدرالي. في شيكاغو، اصطدم العمدة براندون جونسون مع ترامب، الذي دعا إلى تدخل فدرالي لمعالجة الجريمة العنيفة. وصف ترامب المدينة بأنها «ميدان قتل» بالرغم من أن معدلات الجريمة تتجه نحو الانخفاض؛ فقد سجّلت نسبة جرائم القتل في النصف الأول من عام 2025 انخفاضاً بنسبة 33% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
في نيويورك، قال مامداني إن المدينة يجب أن تكون مستعدة إذا حاول ترامب تكرار نفس الإجراء هناك.
«علينا أن نستعد لحتمية تلك التعبئة. لا يمكننا أن نطمئن أنفسنا بأن مجرد كونه أمراً غير قانوني سيمنع دونالد ترامب من القيام به»، قال مامداني.
ونوّه إلى ضرورة التنسيق مع المسؤولين الولائيين، مستشهداً بكاليفورنيا كمثال؛ حيث تحدّت سلطة عمدة لوس أنجلوس والنائب العام والحاكم غافين نيوسوم انتشار الحرس الوطني في المحكمة بنجاح، واعتُبر القرار لاحقاً غير قانوني.
ومع ذلك، لو أرسل ترامب الحرس الوطني بذريعة مكافحة الجريمة فلن يكون ذلك سابقة؛ إذ إن الحاكمة الديمقراطية كاثي هوكول نشرت الحرس القومي العام الماضي لمراقبة مترو نيويورك بزعم الحفاظ على السلامة العامة، رغم أن معدلات الجريمة كانت في تراجع مستمر.
وأظهرت بيانات شرطة نيويورك التي نُشرت الأسبوع الماضي أن المدينة سجّلت عدداً أقل من حوادث إطلاق النار في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام مقارنةً بأي فترة مماثلة في تاريخها.