أنسيلم كيفر وفان جوخ ما الروابط التي تجمع بين فنهما؟

إظهار «التأثير» بين فنّانين عمل محفوفاً بالمطبات. المقارنات المباشرة قد تكشف كيفية استيلاء فرد أو حركة على ممارسة تقنية أو أيقونية ثم تطويرها لاحقاً، ما يسهم في تطوّر التاريخ الفنّي؛ لكن الانحياز التأكيدي قد يلوّث جهود التنظيم، فيُصوّر التأثر المباشر حيث قد تكون الصدفة أو التلاقح البسيط هما السبب الأرجح.

المعررض «كيفر / فان غوخ» في الأكاديميّة الملكية يواجه تحدياً مختلفاً: ربط اثنين من الفنانين مختلفي الجذور، أحدهما يعلن أنه متأثر بالآخر. يتصرّح المعرض من بدايته باختلاف الثنائي، فالشرح الأوّلي يقول إن «الأعمال الضخمة لكيفر قد تبدو وكأنّها لا تشترك كثيراً مع فان غوخ». في الجوهر، كيفر أقرب إلى النحت: يصوغ أنماط إمباستو ذات مقياس هائل وملمس سطحي يُنحت بالقشّ وبقايا المواد في سُمْغ أحادي اللون يقطعه أحياناً لونٌ ذهبي، بينما فان غوخ هو، بلا منازع، واحد من أعظم الرسّامين الفرديّي الأسلوب في تاريخ الفنّ، وصانع ألوان بذائقة استثنائية. كيفر، المولود في ألمانيا قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية ونشأ في ظلّ ظلال الهولوكوست، مشغول بقضايا الحياة والموت الكبرى ويحظى باعتراف واسع من مؤسسات الفنّ. كان هَمّ فان غوخ أضيق وأشخص — مناظر محلية وبورتريهات أنجزها وهو يكافح مرضاً عقليّاً منهكاً — ولم ينل تقديراً حقيقيّاً إلّا بعد رحيله. وفارق المهارات التصويرية بينهما يظهر جليّاً إذا قورنّت رسومات كيفر الخطّية القليلة الصغيرة بلوحات فان غوخ المتمكّنة.

رغم أن اسم العملاق المعاصر البالغ من العمر ثمانين عاماً جاء متساوياً في عنوان المعرض مع أسطورة ما بعد الانطباعية في القرن التاسع عشر — والمَعررض مدعوم من غاليري White Cube الذي يعرض أعمال كيفر بشكل متزامن — فإنّ التركيز منصبّ بوضوح على تعظيم تقدير كيفر لفان غوخ على امتداد ستّين عاماً من مسيرته. يبدأ العرض بمنحة السفر الأولى التي نالها كيفر كطالب، والتي قادته عبر هولندا وبلجيكا وباريس وأرل، ما سمّاه القيمون جوليان دوميرك وناتاشا فيف «اتباع خطى فان غوخ». لكن بدلاً من استكشاف «التأثير» بموضوعية، فإنّ المعرض أكثر ما هو عن كيفر نفسه، الذي ببساطة يُحب فان غوخ حبّاً شديداً. ففي ثلاث صالات العرض، يُظلم حضور فان غوخ: عرض كيفر للأعمال الضخمة يسيطر على امتداد الجدران في الصالتين الأولى والأخيرة، ما يجعل عمل فان غوخ الوحيد في كلّ غرفة يبدو ضئيلاً: «أكوام الروايات الفرنسية» (1887) و«الأحذية» (1886).

يقرأ  مواجهات بين متظاهرين مناهضين للحكومة وقوات الشرطة في عدة مدن صربية — أخبار الاحتجاجات

مفتاح فهم «التأثير»، أو بالأدق في حالة كيفر وارتباطه بفان غوخ، «الألفة» أو «الإلهام»، يمرّ عبر الكلام أكثر من الصورة، خصوصاً من خلال تأويلات الفنان نفسه وردود فعله الشخصية. تعليق لوحة الأحذية المتواضعة عند فان غوخ يورد فكر كيفر: «هذه اللوحة للأحذية المتهالكة هي بالنسبة لكيفر نوع من البورتريه في غياب صاحبها، أثر من رحلاتٍ مضت وفي الوقت نفسه رمز لما سيأتي». مرة أخرى، تعلو كبرياء هموم كيفر على لحظة فان غوخ البسيطة واللحظية، تلك المرسومة من أشياء يومية حوله.

بالمثل حاول القيمون ربط الاثنين عبر الأيقونية، وخصوصاً منظر الحقول، لكن هذه المحاولات إما عمومية أو تُقوّض مرة أخرى بالاختلافات الجوهرية في رؤيتهما. تقول مواد المعرض: «لكلا الفنانين، لوحة الحقل ليست مجرد منظر، أو قمح أو تربة، بل مشبعة بمعنى أعمق» — ألم يكن هذا حال معظم الرسامين؟ والنص نفسه يعترف بالفوارق: «يرى كيفر في المشهد شاهدًا صامتًا على التاريخ البشري، بينما كان فان غوخ يراه قناةً للتعبير عن مشاعر مكثفة».

القاعة الوسطى تضم لوحات مختارة من زمن فان غوخ في أرل، ظاهريًا لإقرار رابطة مكانية مع كيفر الذي زارها. نُبلغ أن اللوحات «انتُخبت لتتحدث إلى حساسية كيفر»؛ هذه الصيغة المموّهة توحي بأن القيمين ربما اضطرّوا لتركيب شيء دون مشاركة مباشرة منه. ومن المدهش أن هذه الاختيارات تضمّ أعمالاً مثل بورتريه «الآرلِزية» (1890)، ربما لمجرد أنه صُوّر في أرل، مع أنّ البورتريه لم يكن قط اهتماماً محورياً لكيفر، أو «حقل مغطّى بالثلج ومعه محراث (بعد ميليه)» (1890)، نسخة جليدية من إحدى سلسلة فان غوخ التي عالج فيها أعمال جان-فرانسوا ميليه. في الواقع، ألا يستحق ميليه / فان غوخ معرض منفصل؟

لا بدّ من القول إنّ تقديم فهم شامل لتأثير فان غوخ على كيفر يتطلّب عرض أعداد كبيرة من أعمال كليهما — وحتى لو صحّ ذلك، فكان يجب أن يُعطى فان غوخ مساحة أكبر ممّا مهّد له هنا — ووجود إرشاد أكبر بكلمات كيفر نفسه. إنّ التعليقات المنقولة عن فكر كيفر في الشروحات تُقدّم بصيص فهم محدود: «في فان غوخ، هناك دائماً شيء أكثر، ليس بمعنى شيء إضافي أو مكسب، ‘الشيء الأكثر’ هو كلّ شيء، الأصغر دون ذرّي الذي لا يمكن تمثيله إلا بالاستعارات الرياضية وكذلك الأكبر — ما وراء كل سنوات الضوءَ.» استبدِل «فان غوخ» بأي اسم آخر وقد تبدو العبارة ككلام طالب متكبّر يشرح لماذا «الفنان س» هو الأفضل على الإطلاق بطريقة ستظل غامضة على السامع.

يقرأ  الجيش الإسرائيلي ينشر صورة جديدة لمتحدث حماس القتيل أبو عبيدة ويعرض لقطات للضربة الجوية التي أودت بحياته

الكتالوج المرافق للمعرض يحوي المزيد من تأملات كيفر، إلى جانب صور معلّمة بأعمال فان غوخ التي تُعيد له حقّه الحقيقي. فلنعترف: الأكاديميّة الملكية لن تحصل بطبيعة الحال على «الليلة المرصعة بالنجوم» (1889) من متحف ميتروبوليتان لتقارنها بالإصدار العملاق المصنوع من المعكرونة الجافة لدى كيفر. النتيجة أن الكتالوج نفسه أكثر إفادة بكثير — ما يجعل المعرض ذاته، بشكل غريب، أمراً شبه زاايد في قيمته.

المعررض «كيفر / فان غوخ» مستمر في الأكاديمية الملكية (بيرلنغتون هاوس، لندن) حتى 26 أكتوبر. نظّمته الأكاديمية الملكية بالتعاون الوثيق مع متحف فان غوخ في أمستردام، وقام بإخراجه القيمون جوليان دوميرك وناتاشا فيف. دعم المعرض قُدّم أيضاً من غاليري White Cube، الذي يعرض أعمال كيفر بالتوازي.

أضف تعليق