في 29 نوفمبر 1947 افتتح معرض ضم 53 لوحة زيتية للفنان الفلسطيني-اللبناني مارون تومب في كنيسة مارونية بحيفا. كان ذلك آخر معرض أقامه تومب في وطنه، ويوافق تاريخ الافتتاح نفسه موافقة الأمم المتحدة على القرار 181، خطة تقسيم فلسطين، التي مهدت لاحقاً للنكبه ولتهجير نحو 750,000 فلسطيني، من بينهم تومب وعائلته. فُقد معظم أرشيفه وأعماله، بما فيها اللوحات المعروضة آنذاك، عندما ضمّت إسرائيل حيفا.
المعرض الجديد في مونتريال، المعنون “اللوحات المفقودة: مقدمة للعودة”، يكرم تلك اللوحات الـ53 المفقودة عبر تقديم نفس العدد من الأعمال لفنانين متعددي التخصصات — رسم، نحت، وفيديو — كاستجابة وتأمل في ما فُقد. أعدّته رولا خوري، جويل تومب (حفيدة مارون)، وهايدي موتلا بالتعاون مع مؤسسة Montréal, arts interculturels (MAI)، ويُعرض في فضاءي MAI وarticule.
واجه القيمون على المعرض تردداً أخلاقياً في عرضه أثناء ما يجري في غزة من قتل جماعي وحملات تطهير عرقي. تقول موتولا إن فكرة المعرض وُلدت في مطلع 2021، وأن مشهد الإبادة والدمار حالياً جعل الفكرة تبدو في البداية «عديمة الجدوى وغير ذات صلة». لكن، وبمرور الوقت وباستجابة الفنانين، تبدل موقفها؛ إذ تعاظمت لديها وإجمالاً لدى الفريق حاجة الإبقاء على الحوار حول فلسطين والنكبة المستمرة والعنف الاستعماري والمقاومة.
قصة ولادة “اللوحات المفقودة” تقوم على الصدفة والتقاطع. جويل، البِكر من أحفاد تومب، نشأت محاطة بحضوره؛ تزيّنت جدران منازل أولاده الخمسة بأعماله، فصارت تلك المنازل بمثابة متاحف مصغّرة تعبق برؤيته وألوانه وروحه. رغم شهرته في لبنان، فوجئت جويل خلال بحثها بأنه كان أيضاً فناناً ناشطاً على الساحة الفلسطينية ومعرضاً في حيفا. بمحض الصدفة التقت موتولا، الذي كان جدّه صديقاً لتومب في حيفا، فانبثقت الشراكة.
تبقى من معرض 1947 بضع وثائق فقط، بينها إعلان المعرض وقائمة كاملة بعناوين الأعمال. استُدعِيَ 53 فناناً للتأمل في تلك القائمة وإعادة تصور عناوينها؛ فأعاد كثيرون تسمية أعمالهم تيمناً بعناوين تومب أو كردّ فعل عليها. تقول موتولا إن دعوة إعادة تخيل العناوين تفتح إمكانية استحضار ليس فقط ما كان، بل وما كان يمكن أن يكون. معظم الفنانين من فلسطين — عرب 48 والضفة وغزة — أو من الشتات، ويشارك في المعرض بعض أقارب تومب، منهم ابنه فؤاد وحفيداته لورينا وساندرا.
من بين الأعمال المعروضة أعمال معاصرة مثل “صانعو الكعك” (2025) لبيان كيوان، و”الحديقة” (2024) لفؤاد تومب. استلهمت جوانا بركات عنوان تومب “حديقة الحيوان — القاهرة” بعد العثور على صورة لوالدها في ذلك المكان تعود إلى الثلاثينات؛ ورسمت بركات تلك الصورة. صممت المصممة هدى كيليان تجربة واقع افتراضي تحكي قصة أجدادها الذين عاشوا في حيفا، ونجا الرسام والملصّق رائد عيسى حديثاً من غزة حاملاً سلسلة لوحات ورسومات صغيرة بدأها في 2023. كما تقول خوري: «هذه نكبة مستمرة منذ 1948؛ ما زال الموضوع ذا صلة».
ترى موتولا أن “اللوحات المفقودة” يتألف من بعدين متداخلين: أحدهما مادي وملموس، والآخر رمزي. البحث عن لوحات تومب الضائعة مهم بذاته لأن الفنان من حقه أن يُدرج في السرد الفني والتاريخي الفلسطيني الأكبر؛ وفي الوقت نفسه، فقدان الأعمال المنتجة في فلسطين هو رمز لفقد أوسع، ويدعو إلى فعل رمزي لاستعادتِه والتخيل من خلال الممارسات الفنية. في ربيع 2024 أعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن «الإبادة المدرسية» في غزة — تدمير المؤسسات التعليمية والثقافية — ويقدم المعرض طريقة لإحياء أعمال اختفت بفعل الطمس الثقافي عبر الذاكرة والخيال.
يُعرض ضمن المعطيات الوثائقية إعلانات وقوائم ومخطوطات قليلة باقية تشكل أثراً حياً للتاريخ؛ ومن خلال استحضار هذه الآثار، يسعى المعرض إلى تشكيل مساحة للعودة الرمزية وللمساءلة الثقافية عن الأعمال التي أُخذت أو فُقدت. في ختام المعرض يظهر عمل «مذكّرات التشريد» (Diary of Displacement) (2025) لرائد عيسى كواحد من أصوات كثيرة تعيد سرد تجربة التهجير والذاكرة الجماعية.