تسلّم سيباستيان ليكورنو رئاسة الحكومة يوم الأربعاء وسط تحدٍ فوري يتمثّل في موجة احتجاجات متوقعة ستؤدي إلى اضطرابات في النقل والتعليم وخدمات أخرى، في تعبير شعبي عن السخط تجاه الرئيس إيمانويل ماكرون.
الاحتجاجات، التي تقودها مجموعات يسارية متباينة أطلقت على نفسها شعار «أقفلوا كل شيء»، قد تكون بمثابة اختبار حارق لليكورنو، البالغ من العمر 39 عاماً، والقيادي المقرب من ماكرون الذي شغل حقيبة الدفاع خلال السنوات الثلاث الماضية.
عيّن ماكرون ليكورنو مساء الثلاثاء، بعد أن خسر سلفه فرانسوا بايرو ثقة البرلمان في تصويت أدى إلى استقالته وحكومة تصريف الأعمال.
تعثّر بايرو في محاولته تنفيذ حزمة تقشّف تهدف إلى خفض مستوى الدين العام، ولا يزال من غير الواضح أي تنازلات يعتزم ليكورنو تقديمها لتمرير ميزانية التقشف.
من المقرّر أن تجري مراسم تسليم السلطة بين بايرو وليكورنو يوم الأربعاء عند منتصف النهار (الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش).
وقالت الرئاسة الفرنسية إن «الرئيس مقتنع بأنه (تحت قيادة ليكورنو) من الممكن التوصل إلى اتفاق بين القوى السياسية مع احترام قناعات الجميع»، فى تصريح يؤكد سعي الإليزيه إلى تهدئة الأجواء.
ماكرون، الذي يقود جهوداً دبلوماسية دولية لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، واجه واحداً من أكثر القرارات الداخلية حسماً في ولايته عندما كان عليه اختيار رئيس حكومة جديد.
يُنظر إلى ليكورنو على أنه عنصر رزين وبارع في العمل التنفيذي، والأهم بالنسبة إلى ماكرون أنه لا يضمر طموحاً رئاسياً قد ينافس الرئيس.
كان اسمه مطروحاً لتولي المنصب منذ ديسمبر، لكن بايرو ضغط على الرئيس للحصول على فرصة استمر فيها على رأس الحكومة حتى سحب الثقة منه.
يصبح ليكورنو بذلك السابع في منصب رئاسة الحكومة منذ تولّي ماكرون السلطة عام 2017، والخامس منذ بدء ولايته الثانية في 2022، والثالث خلال عام واحد.
يواجه مهمة جليلة في بناء جسور عبر البرلمان وتفادي مصير بايرو الذي لم يدم طويلاً (تسعة أشهر)، مع هدف البقاء في منصبه حتى انتهاء ولاية ماكرون عام 2027.
وعد ليكورنو عبر منصة إكس بأن حكومته ستعمل على «الاستقرار السياسي والمؤسسي من أجل وحدة البلد».
اتساع التحركات وصعوبة تقدير مدى تأثيرها تعود جزئياً إلى المشاركة المحدودة للنقابات، التي تعتزم غالبية أُطرها تنظيم إضراب وطني واسع في 18 سبتمبر، بينما يدعو تحرّك اليسار المتفرق إلى «حجب كل شيء» قبل ذلك الموعد.
أثار هذا النداء قلق السلطات إلى حدّ نشر نحو 80 ألف عنصر من قوى الأمن في أنحاء فرنسا.
حذّر وزير الداخلية برونو ريتايو المتظاهرين من أن هناك «صفر تسامح» تجاه أي أعمال عنف أو عرقلة لمواقع حيوية، فيما أعلن رجال الشرطة أنهم يراقبون عن كثب «النقاط ذات الأهمية الحيوية» للاقتصاد مثل مصافي النفط.
قال ريتايو إن فرنسا بحاجة إلى حكومة جديدة بسرعة «لتجسيد سلطة الدولة»، واتهم حزب اليسار المتطرّف (فرنسا المتمسكة)، وزعيمه الجريء جان-لوك ميلنشون، بمحاولة خلق «مناخ تمرد».
فيما تعمل قطارات السرعة العالية ومترو باريس بشكل شبه طبيعي، يتوقع أن تشهد خدمات القطارات الإقليمية والضواحي ومطارات البلاد، ومنها شارل ديغول وأورلي بباريس، اضطرابات واسعة.
الطابع اللامركزي للاحتجاجات، والذي قد يتصاعد حتى في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة، يذكّر بحركة السترات الصفراء عام 2018 التي شكلت امتحاناً صعباً لماكرون في ولايته الأولى.
ومع ذلك يرى محلّلون أن الحراك الحالي أكثر وضوحاً في انتمائه اليساري ويضم نسبة أكبر من الشباب ذوي الخلفية الفكرية.
أعرب قائد شرطة باريس لوران نونيز عن اعتقاده بأن «اليسار الراديكالي» يقود الاحتجاجات وينظّم «أعمالاً استعراضية»، لكن من دون تأييد واضح من «المجتمع المدني».
مطالب المتظاهرين، بحسب الجهات التي تم تحديدها، تتراوح بين التراجع عن مقترح بايرو إلغاء يومي عطلة بنكيين سنويين، إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية على الأجور وتحسين شروط الإجازات المرضية.
كان بايرو قد أصرّ على أن تخفيضات إنفاق بقيمة 44 مليار يورو ضرورية لكبح الدين العام واستقرار المالية العامة.