ناشطو جنوب إفريقيا من أجل غذاءٍ صحيٍّ

في حديقةٍ مورِقة بمدينَةِ راندبرغ بجنوب أفريقيا، حان وقت الغداء في مدرسةِ كايروس للاستقصاء، حيث يصطفّ عشرات التلاميذ بترقّب أمام طاولةٍ تزيّنها أوانٍ كبيرة من الطعام الطازج الساخن. تُقدّم الطاهية وجبةً نباتيةً إلى حدٍّ كبير: كيتشاري مكوَّن من العدس والأرز، مع صلصة طماطم، وجبن حلّومي وسلطة طازجة.

اتخذت إدارة المدرسة سياسةً غذائيةً قائمةً على الأغذية الكاملة والنباتية أساساً، في محاولةٍ لمواجهة اتّجاهٍ عالميٍ مقلق؛ إذ للمرة الأولى أصبح عددُ الأطفالِ الذين يعانون من زيادةِ الوزن يفوق عددَ الناقصي الوزن. وتُشير تقديراتُ الأمم المتحدة إلى أن عددَ المراهقين المصابين بالسمنة أو زيادة الوزن ارتفع تقريباً ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين، بينما تضاعف تقريباً عددُ الأطفال بين خمس وتسع سنوات الذين يعانون من زيادةِ الوزن من 69 مليوناً إلى 147 مليوناً.

طالبو كايروس مطالبون أن يحضِروا وجباتٍ من أطعمةٍ كاملة وطبيعية في صناديق الغداء؛ ويقول المديرُ مارك لون إن هذه السياسة لم تقتصر على ضبطِ قوائم الطعام فحسب، بل شكّلت فرصةً تربويةً لتلقين الطلاب أهميةَ الغذاء الصحّي. وأضاف: «لو أن جميع المدارس اعتمدت نيةَ الوعي والاهتمام بما يتناوله الأطفال… لكان صحّةُ الأجيال القادمة أُعِدَّت على نحوٍ أفضل».

وترى اليونيسيف أن الانتشارَ المتزايدَ للأغذية السريعة وسلع الراحة في الدول النامية يسهم جزئياً في ارتفاع معدّلات السمنة بين الأطفال. وتروي المحامية المتدربة مامخابيلا مثيمبو (23 عاماً) لِـBBC أنّ الوجبات السريعة كانت في طفولتها امتيازاً نادرَ التوفّر، إذ نشأت مع جدتها في ظروفٍ ماديةٍ صعبة، فكانت «الوجبات الخفيفة» رمزَ احتفالٍ ومكانَةٍ اجتماعية، فحوّلت هذه الأطعمة في وعيها إلى شيءٍ مرغوبٍ ومطلوبٍ، لا إلى خطرٍ صحّي.

ومع انتقالها إلى بريتوريا للدراسة الجامعية ووجود مطعم للوجبات السريعة أسفل سكن الطالبات، وجدَت نفسها تختار الراحةَ بدل الطبخ وسط جدولٍ مزدحم، فتفاقمت تأثيراتُ هذا النمط على صحتها: «أصبحت أعاني زيادةً في الوزن، وهذا أمرٌ لا أفخر به»، تقول، وتضيف أنها لا تزال تعاني نزيفَ اللثة منذ الطفولة نتيجة الإفراط في الحلويات، وتواجه الآن صعوباتٍ في التنفّس. أدّت تجربتها إلى انخراطها كناشطةٍ متطوّعةٍ لدى يونيسيف، حاثّةً طلابَ الجامعات على الوعي بمخاطر الأغذية عالية السعرات.

يقرأ  الأمم المتحدة:مقتل ٣٨٣ من عمال الإغاثة العام الماضي —نحو نصفهم في غزة

شهدت البلدانُ الفقيرة ومتوسِّطة الدخل أكبرَ ارتفاعٍ في أعداد الأطفال ذوي الوزن الزائد. ففي البلدان الأشد فقراً يميل الأطفالٌ زائدو الوزن لأن يكونوا من أسرٍ أكثر ثراءً قادرةٍ على شراء أطعمةٍ عاليةِ السعرات، أما في اقتصادياتٍ متوسّطة مثل جنوب أفريقيا فازداد إقبالُ طبقاتٍ أوسع على المطاعم السريعة، ما أدّى إلى توسّعٍ كبيرٍ في فروع السلاسل التجارية. قيّمت سوق الوجبات السريعة في جنوب أفريقيا عام 2018 بحوالي 2.7 مليار دولار، ومن المتوقَّع أن تصل قيمتها إلى نحو 4.9 مليار دولار بحلول 2026.

ويؤكّد غيلبرت تشيتاوزيدي، مديرُ التغذية في يونيسيف جنوب أفريقيا، أن على الحكومات أن تكبحَ تسويقَ الأطعمة غير الصحية الموجّهة إلى الأطفال والشباب. ويضيف بأن تحميلَ الأفراد وحدهم مسؤولية نمط الحياة صحيّ خاطئٌ؛ فكيف نتوقّع من فردٍ أن يختار صحةً أفضل إذا كان محيطه يشجّع عكسَ ذلك؟ وقد نصحت اليونيسيف الحكومةَ بفرض قيودٍ على إعلانات الأغذية المضرة الموجّهة للأطفال.

التعرّضُ المستمرُّ لخيارات الطعام السهلة يهيئ تحدياً إضافياً للأهالي الراغبين في الحفاظ على صحة أبنائهم. تروى الأم ميموري بادي قصةَ ابنتها صوفيا، التي شُخّصت بمرضٍ مناعي نادر يُسمّى التهابُ الدماغ المنتشر الحاد عندما كانت رضيعة بعمر ثمانية عشر شهراً. استلزم علاجُها حقناتٍ ستيرويديةً ساعدت في تخفيف الأعراض، لكنّ الأمّ ترى أنها ساهمت في زيادةٍ مفرطةٍ بالوزن، فوصل وزنُ الطفلة إلى 107 كغ. تقول ميموري إن أخصائيي التغذية يرون أن المشكلة ليست في كمية الطعام فقط، وأن الفحوص تُظهر تناولها بشكلٍ طبيعي، غير أنّ السيطرة على الوزن تبقى معقّدةً بسبب أثر الأدوية والحالة الصحية.

وضعت ميموري ابنتها على حميةٍ منخفضةِ الكربوهيدرات، لكنّ المحافظة على وزنٍ ثابت تبقى صعبةً. أنشأَ داعمون صفحاتٍ على وسائل التواصل لجمع تبرعاتٍ لصالح صوفيا؛ ورغم أن الأمّ تقول إنها لا تقدر مادياً على شراء الوجبات السريعة، يتلقّى أطفالُ الخير أحياناً هداياَ من الوجبات السريعة كنوعٍ من الدلال. وتضيف ميموري: «نادراً ما نخرج، لكن حين نخرج أحياناً تطلب صوفيا طعاماً سريعاً — إنها طفلة وتريد أحياناً مثلَ أقرانها». تعيش العائلة في حيّ ألكسندرا القريب من ضواحي جوهانسبرغ الشمالية، وتواجه الأم صعوباتٍ في توفير دعمٍ طبي ورياضي لابنتها، كما أن المشي في الشارع يسببُ لها إحراجاً بسبب النظرات والازدحام المروري.

يقرأ  متاجر دورات التعليم الإلكتروني أم الاستضافة الذاتية: أيهما الخيار الأفضل؟

أدخَلت حكومة جنوب أفريقيا ضريبةً أعلى على المشروبات المُحلاة في 2018، لكن ذلك لم يردع موجةَ السمنة عند الأطفال بالكامل؛ إذ ارتفعت نسبة الأطفال دون الخامسة المصابين بزيادةٍ في الوزن أو بالسمنة إلى 22%، مقابل 13% في 2016. وتُشدِّد يونيسيف على ضرورة تحسينِ إمكانية الوصول إلى أغذية محليةٍ مغذّيةٍ للأطفال والمراهقين، مشيرةً إلى أن البلد يُعدّ آمناً غذائياً على المستوى الوطني، لكن عدداً كبيراً من الأسر لا تملك الموارد المالية لشراء خياراتٍ صحّية بسبب ارتفاع معدّلات البطالة.

في مدرسة كايروس، عاد التلاميذ إلى استراحةٍ يتناولون خلالها وجباتٍ محضّرة من فواكه وخضروات وسندويشاتٍ من خبز القمح الكامل. وحتى تتبنّى الحكومات سياساتٍ فعّالةً لقلب هذا الاتّجاه المتصاعد في سمنة الأطفال، يظلّ العبءُ على عاتق المؤسساتِ والأفراد لحمايةِ صحةِ الأجيال المقبلة.

أضف تعليق