أنتوني زورشر — مراسل شؤون أمريكا الشمالية في بي بي سي
قال دونالد ترامب إن قصة جيفري إبستين «قضية منتهية». ومع ذلك، وفي أسبوع حمل انكشافات جديدة مدوية، لا تزال جرائم إبستين — وتبعاتها — تطارد عدداً كبيراً من معارفه السابقين.
دفتر الأمنيات الذي أُهدِيَ لإبستين عام 2003 وأُعلن عن نشره علناً يوم الإثنين أعطى منتقدي ترامب ذخيرة جديدة، وسيبقي قاعدته وأنظار الجمهور العام متطلعة لمزيد من التفاصيل. قد لا يكون الدفتر دليلاً قاطعاً مدوِّناً على ارتكاب جرائم تدمر مسارات مهنية أو تفجر تحقيقات جنائية بصورة مباشرة. لكنه يُعد دليلاً ملموساً ومقلقاً على العلاقة الوثيقة بين الممول الراحل والمدان بجرائم جنسية وبين نخب نافذة وثرية.
هذا وحده يجعل القصة متفجرة وجاذبة للاهتمام بشكل يختلف عن أي خبَر سياسي عادي.
كيف غيّر دفتر الأمنيات مجرى القصة
النسخة المجموعة من الدفتر على يد غيسلاين ماكسويل، شريكة إبستين آنذاك والمتهمة بالتآمر، تحوي عشرات الملاحظات الشخصية، لكن ما نسب إلى ترامب حول تحوّل القصة من ملف الاتجار الجنسي والاستغلال إلى مسرح سياسي حزبي هو تلك الملاحظة المزعومة — حوار متخيل مليء بالإيحاءات ورسم تجسيمي لجزء علوي عاري لامرأة، وهي صورة نُشرت أجزاء منها مسبقاً في تغطية صحفية.
التفاصيل الواردة في المسودة — نص فاحش ورسوم توضيحية وتلميحات جنسية — كانت معروفة منذ تقرير وول ستريت جورنال في يوليو، لكن رؤية الشيء الحقيقي اختلفت تأثيراً عن مجرد وصفه في صحيفة مالية: توقيع يشبه توقيع ترامب وموضعه الذي يوحي بشعر العانة جعل المشهد أكثر إثارة للجدل.
رد ترامب في بادئ الأمر بإنكار قاطع واصفاً الأمر بـ«خدعة»، ورفع دعوى تشهير فيما شككت محامو الجهة القانونية له في وجود مثل هذه الملاحظة. مستشارو البيت الأبيض وأنصاره يواصلون التشكيك في أصالة الملاحظة، لكن من غير الممكن الآن إنكار وجودها.
«الرئيس لم يكتب هذه الرسالة، ولم يوقّعها، ولهذا يتابع الفريق القانوني الخارجي إجراءات قانونية ضد صحيفة وول ستريت جورنال»، هكذا قالت كارولين ليفيت، متحدثة البيت الأبيض، لكن في كتابٍ عامر بالملاحظات يبدو أن ترامب وحده يُنكر صحة ما نسب إليه. ولحَرَص ليفيت على ألا تصف الدفتر بكامله بأنه «خدعة»، أثر ذلك في توازن الدفاع عن صورة الرئيس لدى قواعده، فكل تبرير معادٍ أو تعديل جديد يُضعف صورة الرجل الذي يروّج له أنصاره كشخص لا ينخرط في الحيل السياسية التقليدية.
قطعة ضمن فسيفساء أكبر
ما يبعث على القلق في البيت الأبيض ليس الملاحظة بحد ذاتها بقدر ما سيولّد الدفتر من تجدد الاهتمام بقضية إبستين ككل. الملاحظة المنسوبة إلى ترامب مجرد قطعة في فسيفساء أوسع تُصوّر رجلاً له علاقات مع نُخَب عليا، ومن بينهم من اعتبر سمعته حول الانتهاكات الجنسية مصدراً للسخرية أو التسلية.
أيام قليلة بعد أن نُظمت وقفة لضحايا إبستين وعوائلهم أمام مبنى الكابيتول، جاء نشر دفتر الأمنيات ليقدِّم أدلة حية على ما بدا من قسوة اللامبالاة لدى كثيرين في محيط إبستين تجاه مغامراته. احتوت الملاحظات الأخرى صوراً فاحشة ورسومات عارية، وفي حالة ما أُدلت صور لمشاهد حيوانات في أوضاع جنسية. كما وُجدت رسائل من سياسيين ومحامين ورجال أعمال؛ وذَكَر الرئيس الأسبق بيل كلينتون «فضول إبستين الطفولي» ورغبته في «إحداث فرق»، في حين أرفق اللورد بيتر ماندلسون، السفير البريطاني الحالي لدى واشنطن، صور مواقع استوائية وأشار إلى إبستين بأنه «صديقي المقرّب».
وقد امتنع مكتب كلينتون عن التعليق على طلب بي بي سي، رغم أنه سبق ونفى علمه بجرائم إبستين. ونفى متحدث باسم لورد ماندلسون صحة علاقات حميمة، قائلاً إنه يندم على لقائه بإبستين.
قصة أكبر من الرئيس
المشهد اتّسع حتى صار أكبر من الرئيس وحده؛ فقصة إبستين — التي تمتزج فيها الجنس والجريمة والسلطة — ستستمر في جذب الاهتمام مهما تباينت الدوافع السياسية لمن يروّجون لها. بعض الجمهوريين يشيرون إلى تركيز الديمقراطيين تقريباً حصرياً على ترامب كدليل على أن دوافع الغضب سياسيّة بحتة، وهذا ما يصعب إنكاره تماماً.
أفرج الديمقراطيون في لجنة الخضوع الرقابي في الكونغرس، على سبيل المثال، سريعاً عن الصفحة المخصّصة لعيد ميلاد ترامب بعد أن زودهم بها صندوق إبستين، وتوقّع أن أي وثائق أخرى تتعلّق بالرئيس ستُسرّب أو تُنشر بسرعة مماثلة. لا يوجد دليل على ارتكاب ترامب أي فعل إجرامي، لكن صداقته الطويلة مع إبستين (التي انتهت بعد شقاق عام 2004) ومكانته في قمة السلطة الأميركية تضمنان بقاء اسمه محورياً في هذا الملف ما دامت وقائعه تتكشف.
لا يزال في حوزة الجمهور الكثير مما قد يتعلّم عنه من وثائق إضافية: إفادات شهود، سجلات مالية، وأدلة جمعتها جهات إنفاذ القانون خلال مداهماتها لممتلكات إبستين. يحشد عضوان في الكونغرس، الجمهوري توماس ماسي والديمقراطي رو خانا، تواقيع لفرض تصويت علني لإطلاق بقية الملفات على الملأ، وهو إجراء يعارضه البيت الأبيض بشدة.
قصة إبستين، التي بدت كأنها أخبار قديمة في مطلع العام، باتت الآن على وشك بلوغ كتلة حرجة ذاتية التغذية يصعب على أي جهة، مهما بلغت نفوذها وصلتها، احتواؤها. وبالرغم من أن الرئيس ليس محور الاتهام الجنائي، فإن صداقته الماضية مع إبستين ومكانته السياسية ستبقيه لاعباً مركزياً في هذه الدراما المديدة.
BBC InDepth هو القسم على موقعنا وتطبيقنا المكرّس للتحليلات العميقة ووجهات النظر التي تتحدى الافتراضات، مع تقارير تحقيقية عن أهم قضايا اليوم. يمكنك إرسال ملاحظاتك على قسم InDepth عبر الزر المخصص في الموقع.