«الرسّام الذي جسّد الجانب المظلم للزهور»

بوسطن — رقيق، مُتقَن المظهر، ومتحفّف بالأناقة: هذه دلالات شائعة لما يثيره تصوير الزهور في اللوحات. كثيرون يربطون هذه الأعمال بجمعيات الأندية البستانية وترتيبات الزهور وحياة يسودها الأمان، وقد يظن المرء أن معرضاً كاملاً مكرّساً لها سيكون مملاً إلى حد ما. لكن هذا التصور يغفل الكثافة الحسية للزهور — ألوانها، بتلاتها المعقّدة، وروائحها — ووظيفتها الجوهرية التي لا تُحجب: التكاثر. دورة حياة الزهرة تشبه دورتنا نحن؛ تبرعم، تتفتح، تذبل وتموت. فلنكرّم سيدات نوادي الحدائق: فقد كنّ على تماس وجهًا لوجه مع جوهر الوجود ذاته.

لوحات راشيل رويسخ (1664–1750)، المعروضة حالياً في معرض «راشيل رويسخ: فنانة، عالمة، وطليعية» في متحف الفنون الجميلة، تلتقط هذه القوة الكامنة في الزهور. عبر عشرات اللوحات الموزعة على أربعة أجنحة، والتي غالبيتها باقات، يستطيع الزائر أن يغتني بوفرة وتنوّع زهري، مع وعي حاد بالموت والتحلل وعنف الطبيعة. نادراً ما رسمت رويسخ الزهور منعزلة؛ فباقاتُها تعجُّ بالحشرات والعناكب فيما تزحف أسفلها برمائيات جائعة وسحالي مشاكسة. ولتأكيد الدقّة العلمية في تمثيلاتها، تضمّ التركيبة المعرضية العديد من العينات الطبيعية المعلّقة في جرار ومثبّتة في صناديق، بتعاون مع متحف هارفارد لعلم الحيوان المقارن.

راشيل رويسخ لم تكن أول امرأة تتخذ الزهور موضوعاً للرسم، لكنها كانت الأنجح بلا منازع. ابنة عالم تشريح ونبات، تلقت دروسها على يد رسّام الطبيعة الساكنة ويليم فان آيلست وبدأت في بيع أعمالها قبل أن تبلغ الثامنة عشرة. ومن النادر في ذلك العصر أن تتابع امرأة فنانة ممارستها الفنية طوال زواجها من زميلها الرسّام يوريان بول، والأدهى أنها فعلت ذلك أثناء تربية عشرة أطفال.

من السمات النموذجية لصور الزهور في تلك الحقبة عرض أزهار من مواسم مختلفة معاً بطريقة تبدو مستحيلة زمنياً، بحيث تحتكُّ البتلات ببعضها كأن الزمن لا معنى له. وتقوم رويسخ بالأمر نفسه بالنسبة لنطاقها الجغرافي، منغمةً نفسها في شبكة من العلماء والفنانين الذين جمعوا وسجّلوا عينات من أنحاء الإمبراطورية الهولندية الاستعمارية. تدمج أعمالها أزهاراً من مواقع بعيدة جداً في تركيبات واحدة؛ وأقصى مثال على ذلك لوحة «طبيعة ساكنة بزهور غريبة على حافة رخامية» (حوالي 1735)، التي تضم 36 نوعاً مختلفاً من أوروبا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، أفريقيا، آسيا، إندونيسيا، وأستراليا. فراشة واحدة جاثية أسفل الباقة تبدو خجولة أمام هذا التعدد.

يقرأ  «البيئات» لمارتن بيك:فن يستحضر مناظرٍ وأصواتٍ لعصرٍ جديد

لم تمثّل لوحات رويسخ موضوعاتها فحسب، بل احتوت بعضها على انطباعات حرفية منها. على غرار رسّام هولندي آخر، أوتو مارسيوس فان سرييك، كانت أحياناً تَضغط أجنحة عينات الفراشات على سطح الطلاء الرطب (كما في «طبيعة ساكنة بفواكه وحشرات»)، فتنقل قشورها الدقيقة إلى القماش. وكانت تقنيتها الأقل رعباً استخدام الطحلب الفعلي: تأخذ عيّنة وتطبّق عليها طلاءً ثم تلصقها على اللوحة لتعيد إنتاج ملمسه المرصّع الرقيق.

كذلك بدا أن رويسخ تستمتع بتقاطع خواص الزيت — ألوانه المكثفة، لَمعانه، وإمكاناته في الشفافية والعَتامة — مع خواص بتلات الزهور، خصوصاً مع تغيّر مظهرها بتغيّر الضوء. في لوحة «مزهرية بالورود» (1700) في متحف موريتسهاوس، تتباين البتلات الخارجية الشاحبة لزهرة الفاوانيا مع وسطها الغني الصبغة. وقد يغبط الناظر النحلة التي تستغرق في عمقها الزهري الوردي الشهي.

توجد في لوحات رويسخ دعوة فعلية لانغماس المشاهد تقريباً في المشهد. مع تقدّم مسيرتها الفنية ازدادت تركيباتها العامة نحو وفرة تصاحبها حالة من الدوار البصري. رافضة الأسلوب الأكثر تهويناً والأوراقي الذي كان يتبعه فان آيلست، تضُمّ رويسخ زهورها معاً كقطع أحجية متداخلة. لذا فالمسافة المثلى للمشاهدة تقارب ثماني عشرة بوصة؛ من هذا المدى يمكنك التدبّر في تفاصيل اللوحة والارتواء من جمال كل زهرة كما لو كنت حشرة تتغذى.

حوالي 1708، اختاره يوهان فيلهلم، ناخب بالاتينات في دوسلدورف، رسامةً في بلاطه. شغلت رويسخ هذا المقام التكريمي إلى حد بعيد عن بُعد، إذ كانت تُرسل إليه لوحاتها المكتملة بانتظام. أهدى منها اثنتين لوالد زوجته، كوزيمو الثالث دي ميديشي، دوق توسكانا، لكنه احتفظ بالأفضل لنفسه: أكبر لوحاتها بعرض يقارب أربعة أقدام. العنوان الحديث للوحة «طبيعة ساكنة بفواكه وزهور» لا يوفيها حقها. حافة حجرية تدعم سلة زهور ومشهد بعيد لغابة مغطاة بالضباب تقدمان تنظيمًا ضئيلاً للتركيب؛ لكن المشهد يتفجّر بالدراق والرمان والخوخ والعنب الأحمر والأخضر والبندق والتوت الأبيض وكمّون من الذرة وتوت أسود وثلاث بطيخات مبهمة المظهر، إحداها انشق جلده ليكشف عن لحم وردي. أما الزهور فحاضرة بكثرة، ومعها فراشات، عثّ، نمل، نحل، خنافس، عناكب، يرقيات، حلزونات، سحالي، جراد، يرقات ذباب، وطائر جاثٍ في عش. هل كان الناخب البالاتيني يجد وقتاً لشيء آخر غير التحديق فيها؟

يقرأ  انتخابات مالاوي: ما الذي على المحك؟

واصلت رويسخ الرسم حتى دخلت العقد التاسع من عمرها، وكانت اللوحات أصغر وأقل تعقيداً ولكن لا تقل عشقاً للبنية الدقيقة للزهور وٱلحشرا والحشرات التي صورتها. وردة باهرة الوردي تهيمن على «باقة زهور» (1741)، بتلاتها مرشوشة بقطرات ماء. تجلس على حافة حجرية محاطة بشعاب أزهار أصغر وبدعم نحلة. خنفساء قرنية الأطراف تقف بقوام أنيق إلى اليسار، وهوائيها المخططان منتصبان. جذع الوردة مكسو أشواكاً كثيفة يبرز نحونا متحدّياً أن نمسكه. برعم من الورد ذاته ينحني إلى الخلف، وكأنيّة قواعده تدوير خطي باللونين الأخضر والأصفر. وداخل هذا التشابك، استعملت رويسخ نفس الأصباغ لكتابة اسمها على الوجه المقابل للحافة. كرّموا رسامة الزهور، فهي كانت على تماس مباشر مع جوهر الحياة نفسها.

معرض «راشيل رويسخ: فنانة، عالمة، وطليعية» مستمر في متحف الفنون الجميلة ببوسطن (465 شارع هنتنغتون، بوسطن، ماساتشوستس) حتى 7 ديسمبر. أشرفت على تنسيق المعرض آنا كناب من متحف الفنون الجميلة في بوسطن، وقدّم تشاورات المحتوى العلمي تشارلز ديفيس من جامعة هارفارد.

أضف تعليق