إسلام آباد، باكستان
في يوم أحد، سخر رئيس وزراء نيبال حينذاك كي. بي. شارما أولي من محتجين شبان كانوا ينوون تنظيم تحرك واسع في العاصمة كاتمندو ضد الفساد والمحسوبية. أطلق المحتجون على أنفسهم تسمية «جيل زد» واعتبرهم أولي — بسخرية — مجموعة تطمح للمطالبة بما تشاء.
أقل من 48 ساعة بعد ذلك، لم يعد أولي في منصبه، وكان تحرك «جيل زد» الذي استهان به يتباحث الآن في من ينبغي أن يقود نيبال. تَسبَّب إطلاق قوات الأمن النار على متظاهرين يوم الاثنين في مقتل ما لا يقل عن 19 شخصًا، مما أشعل الاحتقان؛ وفي اليوم التالي أضرم محتجون النار في مبنى البرلمان ومنازل عدد من الساسة البارزين، إضافة إلى حرق مبنى دار نشر كانتتيبور، أكبر مؤسسة إعلامية في البلاد. استقال عدد من أعضاء حكومة أولي وتفاقَمت الضغوط عليه حتى استقال نهائيًا. وأصبح إجمالي القتلى جراء اشتباكات الاثنين والثلاثاء 31 قتيلاً.
تحولت هذه الأحداث إلى بؤرة للتغيير السياسي في الهيمالايا، على غرار حركات شبابية طرأت سابقًا في سريلانكا (2022) وبنغلاديش (2024) وأسفرت عن سقوط حكومات في تلك الدول. ويشير الخبراء إلى أن الاضطراب السياسي في نيبال له تداعيات لا تقتصر على البلاد ذات الثلاثين مليون نسمة فحسب، بل تمتد إلى المنطقة والعالم، لا سيما لاعتبارات تاريخها السياسي المضطرب وموقعها الاستراتيجي بين الهند والصين وباكستان.
ما الذي حدث ولماذا يهم العالم؟
في 8 سبتمبر خرج عشرات الآلاف من الشباب إلى الشوارع للاحتجاج على الفساد والمحسوبية. قرار الحكومة بحظر منصات التواصل الاجتماعي فاقم الغضب. بعد أن اخترق بعض المحتجين الحواجز ودخلوا مجمع البرلمان، ردت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي وِقذائف الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، ما أسفر عن سقوط خسائر بشرية كبيرة وأثار سخطًا شعبيًا واسعًا.
تطورت الاحتجاجات يوم الثلاثاء إلى أعمال عنف أشد؛ اقتحم متظاهرون بيوت سياسيين ومكاتب أحزاب وأشعلوا فيها النيران، كما تعرضت منشآت إعلامية للتخريب. بحلول الظهيرة أعلن أولي استقالته، لكن مطالب المحتجين تصاعدت لتشمل حل البرلمان، دعوة لانتخابات جديدة، تشكيل حكومة انتقالية يشارك الشباب في اختيارها، وملاحقة مسؤولين أصدروا أوامر إطلاق النار في 8 سبتمبر.
تولى الجيش السيطرة على الشوارع وفرض حظر للتجوال في كاتمندو.
خلفية تاريخية موجزة
ليست هذه المواجهة الأولى لنيبال مع احتجاجات طلابية واسعة. تشهد البنية السياسية الحديثة للبلاد سلسلة من الحركات الطلابية وتدخلات القصر ودورات عنف امتد بعضها إلى حرب أهلية دامت عقدًا من الزمن.
في منتصف القرن العشرين شارك نخبة نيبالية متعلمة في حركة استقلال شبه القارة عن الاستعمار البريطاني، واستلهِمت دعوات إنهاء حكم سلالة رانا. في 1951 انتهت هيمنة الرانا بتسوية أدت إلى عودة الملك تريبوفان وتشكيل حكومة تضم عناصر من عشيرة رانا وحزب المؤتمر النيبالي. وفي 1959 جرت أول انتخابات عامة وفاز بيشويشوار بْرَساد كويرالا، لكنه أُطيح بحكومته بعد عام عندما فرض الملك ماهندرا نظام «بانشاياط» غير الحزبي الذي حكم البلاد لما يقرب من ثلاثة عقود. وقفت الحركة الطلابية طيلة تلك الفترة من أبرز سبل التعبير عن المعارضة، واستمرت الاحتجاجات الجامعية في السبعينيات والثمانينيات إلى أن أدت احتجاجات واسعة عام 1990 إلى انهيار نظام البانشاياط وعودة العمل البرلماني.
التمرد المسلّح وولادة الجمهورية
بين 1996 و2006 خاض حزب الشيوعيين (الماركسية–اللينينية الماوية) تمردًا مسلحًا أطاح بعشرات الآلالاف من الأرواح؛ وساهمت احتجاجات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والطلاب في 2006 في إجبار الملك جيانندرا على التنازل عن السلطة. وفي 2008 أُعلنت نيبال جمهورية ديمقراطية.
منذ ذلك الحين تناوب ثمانية سياسيين من الأحزاب الرئيسية الثلاث (حزب الشيوعي الموحد – ماركسي لينيني، حزب الشيوعي – المركز الماوي، والحزب القومي النيبالي) على قيادة البلاد في 14 ولاية حكومية. كان أولي، الذي قدم استقالته في 9 سبتمبر، في دوره الرابع كرئيس للوزراء.
أسباب الغضب الراهن
يرى محلّلون أن حظر وسائل التواصل الاجتماعي كان الشرارة التي أثارت حركة «جيل زد» لكن جذور الاحتجاج تمتد إلى استياء متراكم من الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة. يقول راجنِيش بهانداري، صحفي استقصائي مقيم في كاتماندو، إن الاحتجاجات عبّرت عن «إحباط» لدى الشباب تجاه حكام لم يستجيبوا لمطالبهم وتصرفوا بتعجرف. ويشدّد ناشط الحقوق الرقمية آشيرواد تريباثي على أن الانفجار الشعبي لم يأت فجأة، بل نتج عن تراكم إساءة استعمال السلطة والفساد في صفوف قادة الأحزاب السياسية.
هذه الدينامية الشبابية تمثل تحديًا جديدًا للنخبة السياسية في نيبال، وقد تحمل رسائل معنوية وسياسية أبعد من حدود البلاد. قال تريباثي ل•الجزيرة إن الاستياء المتراكم وال dissatisfaction الطويل ضد الجيل القديم في الأحزاب السياسية الثلاثة الكبرى، الذين لم يفعلوا سوى التنقّل على كرسي رئاسة الوزراء، قد بلغ ذروته.
الجغرافيا والجيران وتوازن القوى
ما يجري في نيبال يتجاوز حدود هذا البلد الحبيس بين الجبال؛ فنيبال تقع على المنحدرات الجنوبية للهيمالايا وتضم ثمانية من أعلى أربعة عشر قمة في العالم، ومن بينها إيفرست. تمتد البلاد نحو 885 كيلومتراً من الشرق إلى الغرب وحوالى 193 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، وتجاورها قوتان إقليميّتان: الصين من الشمال والهند من الجنوب والشرق والغرب.
على الرغم من الروابط التاريخية الوثيقة مع الهند، فإن مواقف نيبال الخارجية تتغير بتقلبات السياسة الداخلية. كان أولي يُنظر إليه على أنه يميل نحو بكين، وإزاحته أثارت تكهنات حول إعادة ضبط التأثيرات في كاتمندو.
لوكرانجان براجاولي، عالم اجتماع كتب كثيراً عن الحركات الاجتماعية والسياسة، يرى أن الحاكم المقبل مرجّح أن يكون شخصية «مستقلة» غير منحازة لأي حزب. وقال ل•الجزيرة: «ليس واضحاً تماماً مَن سيكون هذا الشخص الجديد، لكن سيكون شخصاً يمكن للجيش أن يثق به أو يعتمد عليه».
بعض المحلّلين أشاروا إلى سوشيلا كاركي، رئيسة المحكمة العليا السابقة، كخيار مؤقت محتمل. تريباثي قال إنّها «المرشحة الأكثر قبولاً ولديها فرصة عالية لقيادة الحكومة المقبلة، لكن لم يُتخذ قرار بعد»، مضيفاً أن ولاءاتها السياسية والدبلوماسية غير واضحة.
ارتفعت النيران والدخان من قصر سنغها دوربار، الذي يضم مباني الحكومة والبرلمان، بعد أن اقتحم محتجون المبنى خلال تظاهرات عنيفة في كاتمندو في 9 سبتمبر [صورة: ناريندرا شرستا/ وكالة حماية البيئة].
قد يكون بلندر شاه، عمدة كاتمندو وموسيقي راب يبلغ من العمر 35 عاماً ويتولى رئاسة المدينة منذ 2022، خياراً آخر حسب آخرين.
ومع ذلك، قال ناشط حقوقي قديم في كاتمندو، طلب عدم كشف هويته، إنّ الهند والصين، بغض النظر عن هوية القائد الجديد، سيسعيان إلى استقرار وحكومة «تحترم مصالحهما». وأضاف: «لا يريد أي من الجارين أن يرى الآخر يفرض نفوذاً مفرطاً في نيبال».
أكّد تريباثي على سياسة الموازنة التاريخية لنيبال: «لطالما كانت لنيبال علاقات ودية مع كلا الجارين، الصين والهند. ثقافياً نميل أكثر إلى الهند في الجزء الجنوبي، بينما يقترب الشمال ثقافياً من الصين. لكن مبدأنا دائماً كان الحفاظ على علاقة متوازنة مع البلدين، وسنستمر على هذا النهج».
المعادلة الإقليمية
يرى علي حسن، متخصص جنوب آسيوي لدى شركة هيليكس البريطانية لإدارة المخاطر، أن سقوط أولي قد يشكّل انتكاسة لبكين في كاتمندو ويفتح باباً أمام نيودلهي.
أقسام من حزب بهاراتيا جاناتا الهندي المرتبط برئيس الوزراء ناريندرا مودي كانت متوافقة مع الحركة المؤيدة للملكية في نيبال، التي تدعو إلى عودة آل رانا إلى السلطة. الملك السابق غيانندرا حظي باستقبال جماهيري كبير في كاتمندو في وقت سابق من العام، ما يشير إلى استمرار دعم أجزاء من المجتمع النيپالي للحكام السالفين. إذا استغلت الحركة المؤيدة للملكية الأزمة السياسية الحالية، فقد يعود ذلك بالنفع على حزب الBJP، وفق حسن. لكنه أضاف أن احتجاجات جيل زد التي أطاحت بأولي لا تبدو مؤيدة لعودة غيانندرا.
من جهة أخرى، ستتابع باكستان التطورات في نيبال عن كثب، حسب محللين. بالمقارنة مع الهند والصين، كانت علاقات نيبال مع باكستان ودّية تاريخياً لكنها محدودة من الناحية الاستراتيجية. ومع ذلك، استخدمت النخبة النيبالية علاقاتها مع باكستان أحياناً لتذكير الهند بخياراتها الإقليمية؛ ففي 1960 نددت حكومة جواهر لال نهرو بإقالة الملك ماهندرا لحكومة كويرالا، ثم زار الملك النيبالي باكستان العام التالي، واستضاف في 1963 الرئيس الباكستاني أيوب خان.
ومؤخراً، في ذروة التوتر الهندي–الباكستاني في مايو بعد مقتل 26 مدنياً في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند، استضافت نيبال وفداً من الجامعة الوطنية للدفاع في باكستان، ما أثار دهشة نيودلهي التي لطالما اعتبرت أولي قريباً للغاية من بكين — أقرب حليف لباكستان.
مع رحلة الاضطراب السياسي التي شهدتها باكستان في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد إزاحة رئيس الوزراء عمران خان عبر تصويت سحب الثقة في 2022، يرى محللون أن أزمة نيبال قد تكون أثارت قلق النخبة الحاكمة في باكستان أيضاً. قال حسن، المقيم في لندن: «قد تتساءل النخبة الباكستانية عن مدى ثبات قبضتها على السلطة، خاصة وأنها كثيراً ما تتهم بما يتهم به قادة بنغلاديش وسريلانكا ونيبال من إهمال للشعب وسمات استبدادية».
لكن الناشط الحقوقي في كاتمندو المتحدث شريطة عدم الكشف أشار إلى أنّ باكستان لن تكون أولوية بالنسبة للقائد القادم — أياً كان. «لدى نيبال علاقات ودية مع باكستان، لكن، وعلى عكس الهند أو الصين، لا تُعتبر علاقات باكستان ذات أولوية سياديه مماثلة.»