حكم مرتقب بحق بولسونارو — ماذا ينتظر البرازيل وما رد فعل ترامب؟ — أخبار الصراع

المحكمة العليا في البرازيل تقترب من الفصل في مصير الرئيس السابق

قد تصدر المحكمة العليا البرازيلية حكمها يوم الخميس بشأن ما إذا كان الرئيس السابق جاير بولسونارو مذنباً بتدبير محاولة انقلاب للبقاء في السلطة بعد الانتخابات الرئاسية المتوترة لعام 2022. هذه الدعوى، التي وصفها بعض البرازيليين بـ«التاريخية»، أدخلت البلاد في حالة توتر واسعة، مع تجمع عشرات الآلاف دعماً للزعيم الشعبوي السابق وتصاعد في التوترات الدبلوماسية بين البرازيل وواشنطن.

طبيعة الاتهامات

يواجه بولسونارو خمس تهم أساسية تتعلق بمحاولات قلب نتائج الانتخابات؛ من بينها التخطيط لانقلاب، والانتماء إلى تنظيم إجرامي مسلح، ومحاولة إلغاء النظام الديمقراطي بالعنف، إضافة إلى تهم تتعلق بتدمير ممتلكات الدولة خلال احتجاجات من أنصارِه في 8 يناير 2023. ينفي بولسونارو هذه التهم، ويقول إن المحاكمة مسيسة وتهدف لمنعه من الترشح في انتخابات 2026. حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عبّر عن مواقف مؤيدة لبولسونارو وحاول الرد بفرض تعريفات تجارية أعلى على البرازيل.

المحاكمة والسير القضائي

جلسة محاكمة الهيئة المكونة من خمسة قضاة بدأت تبدي نتائج تصويت مبكرة: ثلاثة منهم أدلوا بأصواتهم خلال هذا الأسبوع، ويتوقع أن يصوت القاضيان المتبقيان يوم الخميس، مع احتمال صدور الحكم النهائي — ومن ثم النطق بالعقوبة — اعتباراً من يوم الجمعة. التوصيف القانوني للتهم يجعل العقوبات المحتملة شديدة؛ على سبيل المثال، تهمة التخطيط للانقلاب وحدها قد تصل إلى عشرات السنين بالسجن، فيما قد يواجه بولسونارو إجمالاً عقوبة تقارب الأربعين عاماً في حال الإدانة.

أين يقبع بولسونارو الآن؟

منذ أغسطس، يقضي بولسونارو عقوبة الإقامة الجبرية في مبنى محصن بالعاصمة برازيليا، وهو محظور من استخدام منصات التواصل الاجتماعي ولديه اتصال محدود بالعالم الخارجي. كما منعت لجنة الانتخابات الوطنية ترشحه حتى عام 2030 معتبرة أنه أساء استعمال السلطة.

المتهمون الآخرون

يقف إلى جانب بولسونارو عدد من حلفائه المقربين الذين يواجهون اتهامات مماثلة، من بينهم نائبُه في السباق الانتخابي لعام 2022 والتر براغا نيتو، ومستشارون عسكريون ووزراء سابقون وقائد بحرّي سابق، وضباط سابقون في الشرطة. المحامي سيلسو فيلاردي يدافع عن موكله ويقول إن أيّ مرسوم طارئ لوقف الانتخابات لم يصدر فعلياً، وأن بولسونارو أمر في النهاية بانتقال السلطة إلى لولا.

يقرأ  لمحة عن منتجع الشاطئ الجديد في كوريا الشمالية

مآلات التصويت في المحكمة

المحكمة بدأت مداولاتها في 9 سبتمبر ومن المنتظر أن تختتم في 12 سبتمبر. للوصول إلى حكم بالإدانة يجب أن يدعم الإدانة ثلاثة من أصل خمسة قضاة. حتى يوم الخميس، أعلن ثلاثة قضاة بالفعل تأييدهم للإدانة، من بينهم القاضي ألكسندر دي مورايش الذي ألقى مرافعة طويلة بيّن خلالها أن حكم بولسونارو كاد أن يعيد البلاد إلى «شبه ديكتاتورية»، مشيراً إلى مخطط أطلق عليه اسم «الخنجر الأخضر والأصفر» الذي استهدف اغتيال لولا ونائبَه وبعض القضاة، وأن هذا السياق صبغ أحداث العنف في 8 يناير 2023 عندما هاجم أنصار بولسونارو مقر البرلمان والقصر الرئاسي والمحكمة العليا.

قاضٍ مفاجئ وادعاءات بالإجراءات الشكلية

إلا أن القاضي لويز فوكس فاجأ زملاءَه يوم الأربعاء بطلب إلغاء القضية لمخالفة إجراءات التقاضي، بحجة أن المحكمة العليا افتقدت الاختصاص المطلق على القضية وأنها كان ينبغي أن تُعرض على محكمة أدنى لأن المتهمين لم يعودوا يشغلون مناصب سياسية في تلك اللحظة. كما انتقد فوكس قصرَ الزمن الممنوح للدفاع مقارنةً بوفرة الأدلة لدى الادعاء. مع ذلك، حكم فوكس بالإدانة على تهم محددة ضد اثنين من حلفاء بولسونارو في اتهامات تتعلق بمحاولة إلغاء النظام الديمقراطي بالعنف.

المرحلة الحاسمة

يتبقى الآن قاضيان ليقلاَ بأصواتهما — فقط صوت واحد آخر مؤيد للإدانة سينقلب إلى حكم يقضي بإدانة بولسونارو. القاضيان المتبقيان، كارمن لوسيا وكريستيانو زانين، عُيّنا في عهود رئاسية سابقة للرئيس لولا، ويُرجَّح أن يصوّتا لصالح الإدانة بحسب كثير من المحللين، رغم أن سجل القاضي كارمن لوسيا يظهر أنها سبق أن صوتت ضد لولا في محاكمة سابقة انتهت ببراءة الأخير.

ماذا يعني الحكم المحتمل؟

إدانة بولسونارو ستشكل سابقة تاريخية في البرازيل: لأول مرة يواجه زعيم سابق اتهامات منظمة بمحاولة الإطاحة بالديمقراطية ويخضع لعقوبة قد تطاله بالسجن لسنوات. من جهة أخرى، يخشى مؤيدوه اندلاع احتجاجات عنيفة إذا صدر حكم بالإدانة. يبقى الرهان على قدرة المؤسسات والدولة على احتواء ردود الفعل والحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي فى الأيام القادمة. المتظاهرون طالبوا باعتقال الرئيس السابق جايير بولسونارو وأعربوا عن رفضهم لسياساتٍ أميركيةٍ حديثةٍ تجاه البرازيل، في تظاهراتٍ امتدّت إلى عدة مدن.

يقرأ  هل تُضعِف الضغوط الأميركية النفوذ الإيراني في العراق؟آراء

لماذا انقسمت البرازيل بشأن قضية بولسونارو؟
محاكمة بولسونارو عزّزت الانقسامات الحادة بين ملايين مؤيديه ومن يرى أن ملاحقته قضائياً مبرّرة. خلال الأسبوع الماضي، ومع استمرار الجلسات في المحكمة العليا، حشد أنصار بولسونارو مسيرات واحتجاجاتٍ وطنية طالبوا فيها بمنح العفو للرئيس السابق والمتهمين معه، واتهموا الحكومة بمنع محاكمة عادلة. أنصاره يصرّون أيضاً على حقه في الترشّح مرة أخرى لانتخابات 2026، وهو مطلبٌ أعلنه هو بنفسه مراراً.

في ساو باولو، خاطبت ميشيل بولسونارو حشوداً من المشجّعين حاملة الأعلام ومرددة الهتافات؛ وبتأثرٍ بكىَت قائلةً إن المحاكمة جلبت “إذلالاً” لعائلتها. تزامن ذلك مع احتفالات البرازيل بيوم الاستقلال في 7 سبتمبر، ذكرى انفصال البلاد عن البرتغال عام 1822. بالمقابل، واحتشد الألاف في تظاهراتٍ مضادة خلال الأيام الماضية للمطالبة بإدانته ورفض دعم واشنطن له خلال عهد ترامب.

وفي العاصمة برازيليا، حمّل الرئيس لولا الرسالة في عيد الاستقلال مؤكداً أن البرازيل “ليست مستعمرة أحد” ولن تطيع أوامر من أي جهة.

كيف قد ترد الولايات المتحدة عند صدور الحكم؟
في مؤتمر صحفي، ألمحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إلى أن واشنطن قد تتخذ ردود فعل قوية — اقتصادية وحتى عسكرية — إذا صدر حكمٌ إدانتة. قالت إن هذه المسألة “أولوية للإدارة، وأن الرئيس لا يتردّد في استعمال القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة لحماية حرية التعبير في العالم”. ولم تُفصح عن تفاصيل محددة.

ردّت زعيمة برلمانية برازيلية، غلايسي هوفمان، على تصريحات ليفيت مستنكرةً إياها واصفةً إياها بأنه تهديد بـ”غزو البرازيل لتحرير بولسونارو من السجن”. وندّدت بالادعاء الأميركي بأنه يدافع عن حرية التعبير، مشيرةً إلى أن الحرية التي تتحدث عنها هي حرية الكذب والضغط على السلطة القضائية والتخطيط لانقلاب — وهو ما تُحاكم من أجله جماعة بولسونارو ضمن إجراءات قانونية رسمية.

كيف دعمت إدارة ترامب بولسونارو؟
ترامب كرّر دفاعه عن بولسونارو وحاول معاقبة البرازيل على محاكمة حليفه. في تدويناتٍ خلال يوليو، شبّه ترامب محاكمة بولسونارو بالملاحقات التي واجهها هو بعد أحداث السادس من يناير 2021. أرسل أيضاً رسالة إلى الرئيس لولا يتهمه فيها بسوء معاملة بولسونارو ويصف المحاكمة بأنها “فضيحة دولية”.

يقرأ  خريطة: إسرائيل هاجمت واعترضت كل الأساطيل المتجهة إلى غزة منذ عام ٢٠١٠— أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

في يوليو فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوباتٍ على القاضي إدواردو دي مورايس، رئيس غرفة المحكمة العليا المشرفة على المحاكمة، متهمةً إياه بتقويض حرية التعبير وتحويل الملاحقات إلى مسألة سياسية. مُنع القاضي من الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، وأُمرت بمصادرة أي ممتلكات قد يمتلكها هناك. كما طالت القيود “حلفاءه” في المحكمة العليا و”بعض أفراد العائلة”، من دون ذكر أسماء صريحة من قِبل الخارجية.

في الأول من أغسطس، فرضت إدارة ترامب رسماً جمركياً بنسبة 50% على صادراتٍ برازيلية، مستندة جزئياً إلى التهم الموجّهة ضد بولسونارو. برّرت الإدارة أن الارتفاع في الرسوم يعكس، جزئياً، “هجمات البرازيل الخبيثة على الانتخابات الحرة وعلى حقوق حرية التعبير الأساسية للأميركيين”، مؤكدة أن الحكم المحتمل لا يمسّ البرازيليين فحسب بل يؤثر أيضاً على الأميركيين. مع ذلك، فإن حرب ترامب التجارية استهدفت أساساً دولاً تحقق فائضاً تجارياً كبيراً مع الولايات المتحدة؛ والواقع أن الواردات البرازيلية من الولايات المتحدة تفوق الصادرات إليها، فقد سجّلت واشنطن فائضاً تجارياً بقيمة 28.6 مليار دولار مع البرازيل في 2024. واصفاً تصعيد التعريفات بأنه “سلطوي”، امتنع لولا حتى الآن عن فرض رسوم مقابلة.

هل يمكن للولايات المتحدة فعلاً استخدام القوة العسكرية؟
إشارة ليفيت إلى خيار عسكري جاء في ظل انتشار قوات بحرية أميركية في الكاريبي، والتي تقول واشنطن إنها تهدف إلى مكافحة تهريب المخدّرات. لكن الانتشار زاد من توتّر العلاقات، خصوصاً في ظل ضغوط الإدارة الأميركية على رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، الذي اتهمته واشنطن بصلاتٍ بمجماعات تهريب مخدّرات.

في أوائل سبتمبر، قصفت قوّات أميركية زورقاً فنزويلياً، زعمت الإدارة أنه كان ينقل مهربّي مخدّرات دون تقديم أدلة علنية. انتقد لولا الوجود العسكري الأميركي في البحر الكاريبي واعتبره “عامل توتر” في المنطقة. في النهاية، يبقى احتمال لجوء واشنطن إلى عمل عسكري ضد دولة ذات سيادة خطوة شديدة التعقيد والدلالة، وتتطلّب مبررات سياسية واستراتيجية وقانونية متعدّدة، ما يجعلها خياراً محفوفاً بالمخاطر والدلالات الدولية.

أضف تعليق