إسرائيل تطالبنا مجدداً بإخلاء مستشفى الشفاء — لتمحو آخر بقايا الأمل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

عندما أدخل إلى قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء، أشعر كما لو أنني عدت إلى أكتوبر ٢٠٢٣، حين كان عدد الجرحى والقتلى المروع يقذف بنا يومياً ويغمرنا بما يفوق طاقتنا. أرى كل يوم العشرات من الأطفال والمسنين والنساء والرجال الذين يحضرون إلى المستشفى بجراح مروعة؛ كثيرون يفقدون أطرافهم أو أعينهم.

الفرق أن في أكتوبر ٢٠٢٣ كنا لا نزال نتوفر على مستلزمات طبية ووقود لتوليد الكهرباء، وكنا مكتفين من حيث الطواقم، وكانت كل أقسام المستشفى تعمل. اليوم، الشفاء ليس إلا ظلَّ نفسه السابق.

تعرض المجمع الطبي لاستهدافات متكررة ضمن حملة تطهير عرقي، وتضررت أجزاء واسعة منه. بجهود الطاقم الطبي أعيد تأهيل مبنى العيادات الخارجية وتحويله إلى قسم للطوارئ، وتحولت جزء من جراحة العمليات إلى عناية مركزة للمرضى المنزلين والمرقدين.

عاد بعض الأطباء والممرضين للعمل، لكن العدد لا يكفي بأي حال. نفتقر إلى المستلزمات الطبية اللازمة للتعامل مع تدفق الجرحى المستمر. تنقطع الكهرباء مراراً بسبب نقص الوقود، ويُجبرنا الواقع على استخدام مياه مالحة للشرب.

الطاقم الطبي مرهق وجائع. هذا الأسبوع عملت مناوبة استمرت ثماني عشرة ساعة، وكان كل ما تسنى لي أن آكله علبة تونة واحدة.

وسط هذا الرعب، يلوح من جديد شبح الخلاء القسري فوق المستشفى. نعمل تحت وطأة خوف دائم من المجهول القادم.

طاقم طبي في مستشفى الشفاء يعالج مريضاً بضوء هاتف محمول (تصوير هديل عوض)

الجو خانق والوجوه مشحونة بالتوتر. المرضى ينظرون إلينا باحثين عن الطمأنينة، ونحن نحاول أن نخفي قلقنا ونتماسك قدر الإمكان. من الصعب اتخاذ أي استعدادات للمغادرة لأننا لم نتلقَ أي معلومات واضحة أو تعليمات بشأن أماكن النقل. لا نمتلك مركبات كافية لنقل العدد الكبير من المرضى المرقدين، بعضهم في حالات حرجة متصل بجهاز التنفس وقد يموت إذا حُرِّك. ولم تُمنحنا أي ضمانات بالأمان في طريق الإخلاء.

يقرأ  دونالد ترامب يتعهد بفرض عقوبة الإعدام على قضايا القتل في واشنطن العاصمة — أخبار عقوبة الإعدام

نحاول على الأقل إجراء ترتيبات أساسية: فرز الملفات الطبية وإعداد قوائم بأولوية النقل. لكن هذه الإجراءات تزيد من شعورنا باليأس؛ لا شيء أصعب من أن تُجبر على المغادرة دون أن تعرف إلى أين تذهب أو كيف.

ثم تبرز مسألة ما سيحدث للمجتمعات التي نخدمها بعد رحيلنا. يظل الشفاء شريان حياة حيوياً للرعاية الصحية في غزة وملاذاً أخيراً لآلاف المرضى والجرحى. المستشفات الأخرى العاملة في المنطقة قليلة، وأبرزها مستشفى الأهلي، لكن الظروف هناك أسوأ بكثير من نصف الشفاء المهدَّم. زرت الأهلي مؤخراً وشهدت كثافة الهجمات في محيطه وصوت القصف العالي.

إذا اضطررنا إلى مغادرة الشفاء، فستُحرم مدينة غزة إلى حد بعيد من الخدمات الصحية. سيكون هذا حكم إعدام لمن يختار البقاء ويصاب أو يمرض، وسيطفئ آخر خيوط الأمل التي يتشبث بها الناس.

لقد مررنا بهذا الرعب سابقاً. في نوفمبر ٢٠٢٣ أصدروا أوامر بالإخلاء. بقينا فُحاصَرنا ونفد الوقود والطعام. اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى وأجبرتنا على الرحيل—مئات منّا، طاقم العمل، مشينا باتجاه الجنوب.

لم أعد إلى الشفاء إلا في الشهر الماضي. عندما رأيت الوضع الصعب في المنطقة المستعادة، غاص قلبي. لم أعتد العمل تحت هذه الظروف. وما زاد وجعي أنني اكتشفت أن عدداً من زملائي قُتلوا خلال العشرين شهراً التي فرقتنا؛ استشهدت على الأقل ثلاث ممرضات عملت معهن.

مع اقتراب إخلاء آخر، تتلاطم في داخلي مشاعر الخوف والغضب والقلق. هذا المستشفى ليس مجرد مكان للعمل، بل ملاذ وآخر خيار لآلاف الناس. فكرة رؤيته يُفرَّغ من طواقمه ومرضاه وربما يُدمر تماماً، تقشعر لها الأبدان.

ومع ذلك، نستمر. نواصل علاج الجرحى ومواساتهم والتشبث بما تبقى من مسؤوليتنا. نغرز الضمادات وضوء هاتف محمول يضيء لنا الجراح، نجري عمليات على وقع القصف، ونتعامل مع الموت كعدو يومي.

يقرأ  كيفية استرداد الأموال المتضررة أو المفقودة نتيجة حرائق الغابات في إسبانيا

ندين لمرضانا ولشعبنا بأن نُظهر أن حتى أمام أفظع الفظائع سنستمر ما استطعنا. آراء هذه المادة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعكس بالضرورة موقف التحرير في قناة الجزيرة.

أضف تعليق