تصعيد إسرائيلي في قصف مدينة غزة يجبر العائلات على الفرار

رشدي أبو اللّوف — مراسل غزة، ديربيل، الأردن

تكثفت الضربات الجوية الإسرائيلية على مخيّم بيتش وغرب مدينة غزة يوم الأحد، في موجة تصعيد حادة تُبعد العمليات الحالية عن الوتيرة التي اعتمدت عليها المراحل السابقة من القتال.

اعتمد الهجوم الراهن بصورة ملحوظة على القصف الجوي المكثّف، ما أدّى إلى تدمير عمارات سكنية بأكملها وهياكل خرسانية ضخمة تحوّلت إلى ركام. هذا التصعيد الأخير أسفر عن موجة نزوح واسعة بين المدنيين الذين هرعوا إلى الجنوب وغرب المدينة طلباً للأمان.

وحذّرت القوات الإسرائيلية جميع سكّان مدينة غزة مِن البقاء، داعيةً إلى إخلاء فوري تمهيداً لعمل بري موسع. وذكرت القوات أن نحو 250 ألف شخص غادروا المدينة وانتقلوا جنوباً، كما أعلنت أنها دمّرت برجاً شامخاً قالت إنه استُخدم “للتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية” ضدّ قواتها.

يصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غزة بأنها آخر معاقل حماس الرئيسية، لكن خطة احتلال المدينة واجهت إدانات دولية واسعة. وحذّرت الأمم المتحدة من أن تكثيف الهجوم على منطقة أُعلن فيها مجاعة سيدفع المدنيين إلى “كارثة أعمق”، إذ تُعد مدينة غزة أكبر التجمعات الحضرية في القطاع وقلب الحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية.

يشير السكان إلى أن الجيش الإسرائيلي يستهدف مدارس وملاجئ مؤقّتة في كثير من الأحيان، مع تحذيرات تصدر قبل القصف لحظات معدودة فقط. وهربت أسر عديدة في ظلام الليل باتجاه غرب غزة. قالت سالي طفيش، وهي أم تحتمي داخل المدينة: “هربنا من موتٍ محقق: أنا وزوجي وأطفالنا الثلاثة.” وأضافت مأسويةً أن شقيقها قُتل بين يديها بعد إصابته برصاص أطلقه طائرة من دون طيار رباعية المروحة، ثم هرعوا في الظلام نحو الغرب.

وطالبت إسرائيل السكان بالتحرك نحو جنوب القطاع، غير أن العديد من العائلات قالت إنها لا تملك ثمن الرحلة التي تصل تكلفتها إلى نحو 1,100 دولار. وفي المقابل كثّفت حماس دعواتها للسكان بالبقاء والمقاومة، معتبرةً أن الرحيل خضوع للمواجهة.

يقرأ  إسرائيل تستهدف مراكز إيواء النازحين لإجبار الفلسطينيين على النزوح إلى جنوب غزة

أعرب ربّين خالد، أب لِتسعة أطفال يستعد للانتقال جنوباً، عن إحباطه قائلاً إن إمام الجمعة اتهم المغادرين بأنهم “جبناء يفرّون من ساحة المعركة”. وأضاف: “لماذا لا يوجّه خطابه لقادة حماس ليستسلموا ويطلقوا الأسرى الإسرائيليين ليقف هذا الحرب؟ لا نريد الرحيل، لكن ليس أمامنا خيار.”

لم تصل القوات الإسرائيلية بعد إلى بعض الأحياء الشرقية التي ظلت نسبياً سالمة منذ الغارات السابقة في يناير، لكن الحملة الحالية توحي بأنها قد تستهدف تفكيك أحياء كاملة وإفراغها من سكانها.

وفي تطور دبلوماسي ذي صلة، انتقد متحدث باسم وزارة الخارجية القطرية رئيس الوزراء الإسرائيلي بشدّة في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مسؤولين من حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة. قال المتحدث ماجد الأنصاري إن المجتمع الدولي “يواجه مشكلة نتنياهو” — مشدّداً على أنه لا يستمع لأي دواعٍ، وأنه يجب تحجيمه جماعياً. ورأى أن الضربة في الدوحة دليل على أن زعيم اسرائيل لم يكن ينوي توقيع أي صفقة سلام وأنه يعتقد أنه قادر على إعادة تشكيل المنطقة على هواه.

أدى القصف في الدوحة إلى مقتل خمسة من أعضاء المجموعة ومسؤول أمني قطري، رغم أن حماس نفت مقتل قادة رفيعي المستوى كانوا موجودين في الدوحة لمناقشة آخر مقترحات الولايات المتحدة بشأن وقف إطلاق النار. وتعرّضت اسرائيل لإدانات دولية واسعة، بما في ذلك على مستوى مجلس الأمن الدولي، فيما قال نتنياهو إن الهدف كان “مخططي الإرهاب” المسؤولين عن هجوم 7 أكتوبر 2023.

أوضح رئيس وزراء قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لاحقاً أن الدوحة لم تتلقَّ تحذيراً مسبقاً بالضربة، وأنها تلقت اتصالاً من مسؤول أميركي بعد نحو عشر دقائق من بدء الهجوم. والتقى آل ثاني نهاية الأسبوع الماضي عدداً من المسؤولين الأمريكيين، بينهم الرئيس دونالد ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف في نيويورك، وكذلك مسؤولين آخرين في واشنطن، في إطار اتصالات دولية مكثفة حول الملف.

يقرأ  نحو ٤٠٠ تلميذ في إندونيسيا أُصيبوا بأعراض مرضية بعد تناول وجبات مدرسية مجانية— أخبار الغذاء

ومن المتوقع أن يصل السيناتور ماركو روبيو إلى اسرائيل هذا الأسبوع في إظهار تأييد، وذلك قبيل اجتماع للأمم المتحدة في وقت لاحق من الشهر يُرجح أن تعلن فيه فرنسا وبريطانيا اعترافاً رسمياً بدولة فلسطينية.

قالت وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة يوم الأحد إن جثث 47 شخصاً قتلتهم القوات الإسرائيلية وصلت إلى مستشفياتها خلال الـ 24 ساعة الماضية. ومنذ أن أكّد خبراء الأمن الغذائي الدوليون، المدعومون من الأمم المتحدة، مجاعة في مدينة غزة في 22 أغسطس، أفادت الوزارة بأن ما لا يقل عن 142 شخصاً ماتوا جوعاً أو من سوء التغذية في أنحاء القطاع. وتقول اسرائيل إنها توسّع جهودها لتيسير دخول المساعدات وتشكّك في أرقام وفيات النقص الغذائي التي تُعلنها الوزارة.

انطلقت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة رداً على هجوم حماس جنوب اسرائيل في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص وأخذ 251 رهينة. ومنذ ذلك الحين أفادت وزارة الصحة في القطاع بمقتل ما لا يقل عن 64,803 شخصاً في هجمات إسرائيلية.

أضف تعليق