غاغانديب سينغ — تقرير من ستوكتون، كاليفورينا
تتوالى الشاحنات على الطريق السريع رقم 99 في ولاية كاليفورنيا، وهو ممر حيوي لشحن البضائع عبر وادي الوسطى. وغالباً ما يجلس خلف المقود رجال سيخ يرتدون العمامة، وتزين كبائنهم رموز دينية وصور لغرون سيخية أو ملصقات لمطربين بنجابيين.
يُشكّل السيخ، وهم طائفة دينية من الهند، جزءاً كبيراً من قطاع النقل بالشاحنات في الولايات المتحدة، إذ يساهمون في نقل كل شيء من فراولة كاليفورنيا إلى أخشاب تُوزَّع في أنحاء البلاد.
لكن حادثاً مأساوياً في فلوريدا وتداعياته أثارا قلق مجتمع سائقي الشاحنات السيخ، وقد يترك لهذا القلق انعكاسات اقتصادية.
يبلغ عدد السيخ في أمريكا نحو 750 ألف شخص، ومن بين هؤلاء يعمل حوالي 150 ألف في قطاع الشحن بالشاحنات، معظمهم سائقي شاحنات. ويظهر دورهم في هذه الصناعة الحيوية على أسماء الشركات المكتوبة على أبواب الشاحنات — مثل Singh Trucking أو Punjab Trucking — وفي المأكولات الهندية التي تُقدَّم في محطات الراحة على الساحل الغربي، حيث يُشكِّل السيخ نحو 40% من سائقي الشاحنات هناك، وفقاً لجمعية الشاحنات البنجابية بأمريكا الشمالية.
معظم هؤلاء السائقين لديهم خبرة قيادة طويلة لكن مهاراتهم في اللغة الإنجليزية محدودة، ما وضع بعضهم في موقف هش بعدما سعت إدارة ترامب إلى تشديد متطلبات اللغة لسائقي الشاحنات التجاريين. استجابة لذلك، بدأت العديد من المعابد السيخية بتقديم دورات لغة لمساعدة السائقين على اجتياز اختباراتهم اللغوية.
«الكثير من السائقين امتنعوا عن الخروج للعمل خوفاً من القوانين الجديدة. بدأنا الدورة في منتصف يوليو لمساعدتهم على العودة إلى العمل»، قال تيجبول سينغ باينيوال، متطوع في معبد سيخي في ستوكتون.
في صف للغة الإنجليزية بالمعبد يوم الأحد، تدرب عدد من السائقين على التحيات ومراجعة لوحات الطرق والإشارات التنظيمية. بعضهم شعر بالخجل عند التحدث، لكن الحافز كان قوياً.
ناريندر سينغ، سائق في الحادية والخمسين من عمره يعمل في أمريكا منذ ثماني سنوات، يقول إنه يحضر الدروس في ستوكتون لأنه يرى أن من المهم أن يكون مواطناً صالحاً ويلتزم بالقانون. «أفعال فرد قد تكلف المجتمع بأسره»، قال، مشيراً إلى الحادث القاتل على الجانب الآخر من البلاد الذي وضع سائقي السيخ في ولاية كاليفورنيا تحت ضوء قاسٍ.
حادث مأساوي يهز الصناعة
في 12 أغسطس، قام هارجندر سينغ، سائق شاحنة مولود في الهند، بعمل دوران خاطئ على طريق فلوريدا السريع، وصدم سيارة فان مما أدى إلى وفاة ثلاث أشخاص.
زعم قسم الأمن الداخلي الأمريكي (DHS) أن هارجندر دخل الولايات المتحدة بصورة غير قانونية عبر المكسيك في 2018 وحصل على رخصة قيادة تجارية في كاليفورنيا، رغم أنه لم يكن له حق قانوني بالبقاء في البلاد وفشل في اختبار الكفاءة اللغوية.
ومع ذلك، تقول سلطات كاليفورنيا إن الجهات الفدرالية أبلغتها بأن المعني كان يحمل تصريح عمل حين أصدرت له الولاية رخصة القيادة. يواجه هارجندر الآن اتهامات بالقتل غير العمد والقتل بالسيارة في فلوريدا وقد مُنع من الكفالة، ومن المقرر أن يُعرض على المحكمة نهاية سبتمبر.
أحدث الحادث تأثيرات متسلسلة على سائقي الشاحنات السيخ. بعد أسبوعين من حادث فلوريدا، أوقف وزير الخارجية ماركو روبيو إصدار تأشيرات عمل للأجانب الراغبين في أن يصبحوا سائقين تجاريين في الولايات المتحدة. كما سجلت زيادة في المضايقات التي يتعرض لها السائقون السيخ، حسب مسؤولين في القطاع تحدثوا إلى هيئة الإذاعة البريطانية.
رامان سينغ ديلون، المدير التنفيذي لجمعية الشاحنات البنجابية بأمريكا الشمالية، قال إن كثيرين باتوا يخشون أن يصبحوا أهدافاً. «يُضايقون سائقي السيخ في محطات الشاحنات. وفي بعض الحالات لم تتجاوب أجهزة إنفاذ القانون المحلية»، قال.
وبينما يؤيد تشديد متطلبات رخص القيادة والكفاءة اللغوية الذي يطالب به بعض السياسيين، يخشى رامان أن تؤدي المضايقات وقوانين الهجرة الأكثر صرامة إلى صعوبة أكبر أمام السيخ للعمل في هذه الصناعة. «صناعة الشحن ستواجه قريباً نقصاً حاداً في السائقين»، حذر.
مخاوف مماثلة تأتي من رجال أعمال ومسؤولين محليين. جوربراتب سينغ سندهو، الذي يدير شركة شحن مقرها ساكرامنتو، كشف أن ابن عمه، سائق مواطن أمريكي، تعرَّض للتحرش الأسبوع الماضي في فلوريدا لمجرد انتمائه العرقي. «يصفق الناس على سائقي الشاحنات السيخ أو يرمون زجاجات مياه في محطات التوقف. يسخرون منهم ويسبّونهم بألفاظ عنصرية مثل ‘diaper-head’ و’towel-head’ في إشارة إلى عماماتهم»، قال جوربراتب معبراً عن قلقه على سلامة سائقيه.
كما أن هذه المضايقات تؤثر مباشرة على أعماله. «سائقو السيخ في شركتي يخشون الذهاب إلى فلوريدا وألاباما وأركنساس بسبب مداهمات الهجرة بعد حادث فلوريدا»، وأضاف أن السائقين المهاجرين كانوا يُعتبرون أبطالاً أثناء الجائحة، عندما أظهرت الاختناقات في سلاسل الإمداد قيمة هذه الصناعة.
أرجون سيثي، أستاذ قانون في جامعة جورج واشنطن، قال إن حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة والهند، وبعض السياسيين، استغلوا هذه المأساة لاستهداف المجتمع السيخي بأكمله. «ينبغي التعامل مع هذه الحادثة كحدث منفرد مأساوي لا كسلاح لتوجيه اتهامات عامة ضد جالية بأسرها»، قال. وأعرب عن خشية من أن الخطاب التحريضي قد يؤدي إلى عنف، مشيراً إلى حادث إطلاق النار الجماعي على معبد سيخي في ويسكونسن عام 2012 الذي أودى بحياة ستة سيخ.
تُظهر إحصاءات مكتب التحقيقات الفدرالي لعام 2024 أن السيخ ما زالوا ثالث أكثر المجموعات الدينية تعرضاً لجرائم الكراهية بعد اليهود والمسلمين. بعد الحادث، التقى المبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد غرينل بمجموعة من ممثلي السيخ في ساكرامنتو وانتقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي الهجمات اللفظية ضد السيخ واعتبرها سلوكاً «غير أمريكي».
التعلّم في الأماكن المقدسة
يقول رامان سينغ ديلون إنه يجب إجراء تحقيق جاد في كيفية إصدار الولايات لرخص القيادة التجارية لأفراد لا يستوفون معايير الكفاءة اللغوية. وحتى الآن، تركت مهمة تعليم الإنجليزية للسائقين إلى أفراد المجتمع السيخي أنفسهم، مثل الدورات التي تُقدَّم في المعابد عبر كاليفورنيا.
«لا أحد مهتم بمعالجة المشكلة الأساسية»، يقول رامان. «لهذا أؤمن بضرورة تنظيم مدارس القيادة والوكالات الحكومية ذات الصلة.»
يتفق هارفندر سينغ، زميل كبير بمعهد البحوث السيخي في الولايات المتحدة، على أن الكفاءة في اللغة الإنجليزية أساسية للاندماج، ويوصي بأن تقدم الحكومات الفدرالية والولائية، إلى جانب جمعيات سائقي الشاحنات، برامج مدعومة لمساعدة المهاجرين على تعلم الإنجليزية كلغة ثانية.
أرشفير سينغ سندهو يُدرّس الإنجليزية للسائقين في معبد جورو ناناك باراكاش منذ سبعة أسابيع كمجهود تطوعي. تغطي دورته — المسماة «English4Truckers» — أساسيات اللغة الإنجليزية، والتواصل مع الضباط أثناء عمليات التفتيش، والطلب في مطاعم مثل ستاربكس أو صبواي، والاتصال برقم الطوارئ 911، وشرح الأعطال للميكانيكيين.
تُظهر هذه الدورات نتائج إيجابية. هاربريت سينغ، سائق شاحنة في الثامنة والثلاثين من عمره، يحضر منذ انطلاق البرنامج. «اكتسبت ثقة أكبر في التعبير عن أفكاري بالإنجليزية. الآن أفهم لافتات الطرق التي كانت تحيرني سابقاً»، قال لـبي بي سي.