قوات إسرائيلية تكثف قصفها على مدينة غزة، ما أدى إلى هدم ثلاثة أحياء سكنية ومقتل ما لا يقل عن 53 فلسطينياً، بينهم 35 في مدينة غزة، فيما تواصل العائلات الفرار تحت تهديد أوامر إخلاء جديدة قسرية.
استهدفت القوات البرج السكني “الكوثر” في حي الرمال الجنوبي، وأعلنت الجيش الإسرائيلي عن هدفه قبل أن يدمر المبنى عبر سلسلة من الصواريخ خلال أقل من ساعتين.
“ليلة بلا نوم أخرى في مدينة غزة” هكذا وصف مراسل الجزيرة هاني محمود الوضع هناك، مع أصوات الدرونز، وهمّ آلات الحرب المستمر، وروبوتات متفجرة تُفجَّر عن بعد في أنحاء المدينة.
المكتب الإعلامي لحكومة غزة دان “القصف المنهجي للأبراج والمباني السكنية والمدارس والمؤسسات المدنية بهدف الإبادة والتهجير القسري”. وذكر في بيان أن ادعاءات إسرائيل بأنها تستهدف مجموعات مسلحة تتعارض مع الواقع الميداني الذي يثبت أنها تقصف عمداً – وفق منهجية واضحة – المدارس والمساجد والمستشفيات والمراكز طبيية، وتدمر أبراجاً ومبانٍ سكنية وخيام النازحين وتستهدف مقار مؤسسات، بما في ذلك مؤسسات دولية تعمل في المجال الإنساني.
لا مكان في غزة آمن
مع تكثيف القصف، أُجبرت العائلات مجدداً على التوجه جنوباً نحو منطقة المواصي التي حددتها إسرائيل كـ”منطقة آمنة” رغم تكرار الهجمات عليها. أحمد عوّاد قال للجزيرة إنه فرّ من شمال غزة بينما “كانت قذائف الهاون تمطر”، ووصف وصوله منتصف الليل ووجد “لا ماء، لا مراحيض، لا شيء. العائلات تنام في العراء. الوضع كارثي للغاية”.
نزيل آخر، عبـدالله أرام، قال إن عائلته تواجه “نقصاً حاداً” في المياه النظيفة. “الطعام نادر، والناس داخل هذه الخيام جائعون ومساءلون غذائياً. الشتاء يقترب ونحن بحاجة ماسة إلى خيام جديدة، وهذه المنطقة لا تحتمل المزيد من النازحين.”
من منظومة الأمم المتحدة للطفولة، قالت المتحدثة تيس إنغرام إن الظروف تتدهور يومياً. “لا مكان آمن في غزة، حتى في هذه المنطقة التي تُسمى إنسانية. المخيم يزداد اكتظاظاً يوماً بعد يوم.” وذكرت حالة امرأة اسمها سارة أُجبرت على إخلاء المدينة وهي حامِل، فدخلت في المخاض في الشيخ رضوان ووضعت مولودها على جانب الطريق أثناء محاولتها طلب المساعدة، بينما كانت أوامر الإخلاء تُصدر لذلك الحي. “هي مثال واحد من كثيرين من العائلات التي أتت إلى هنا وتكافح الآن من أجل تأمين أبسط ضروريات البقاء.”
نازحون يعيشون حالة من اللايقين غير المحتملة، كما نقلت مراسلة الجزيرة هند الخضري من المواصي؛ رجل أخبرها أنه بحث عن مأوى لما يقرب من أسبوع. قال: “لدي أسرة كبيرة، أولادي وأمي وجدتي. ليس فقط أن الصواريخ تمطر علينا، بل الجوع يلتهمنا أيضاً. عائلتي في رحلة نزوح دائمة منذ عامين. لم نعد نحتمل هذه الحرب الإبادة الجسدية أو الجوع. فوق كل ذلك، لا دخل لنا لنطعم أطفالنا الجياع. التهجير مؤلم كما لو اقتلعوا الروح من الجسد.”
أعلنت وزارة الصحة في القطاع عن تسجيل حالتي وفاة جديدتين جراء سوء التغذية خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، ليرتفع عدد الوفيات الرسمية المرتبطة بالمجاعة إلى 422 شخصاً، بينهم 145 طفلاً. ومنذ أن أعلنت تصنيف الأمن الغذائي المتكامل المدعوم من الأمم المتحدة رسمياً مجاعة الشهر الماضي، توفي 144 فلسطينياً من الجوع، بينهم 30 طفلاً.
قمة الدوحة تدين إسرائيل بـ”الهمجية”
على الصعيد السياسي، تواصلت التبعات إثر الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مفاوضين من حماس في قطر الأسبوع الماضي، وأسفرت عن مقتل خمسة من أعضاء الحركة وضابط أمن قطري.
إعتزّ الراشق، عضو المكتب السياسي لحماس، وصف نتنياهو بـ”المجرم الحربي” محملاً إياه مسؤولية محاولة نقل المعركة إلى المنطقة وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط في سبيل خيالات مشروع “إسرائيل الكبرى”، مما يضع المنطقة كلها على شفير الانفجار بسبب تطرفه وتهوره. وأضاف أن الهجوم على التراب القطري هدفه تدمير عملية التفاوض وتقويض دور دولة قطر الشقيقة.
في اجتماع تحضيري قبل قمة الدوحة، تداول قادة عرب وإسلاميون سبل الرد، وأفادت تقارير بأن مشروع قرار استعرض في الاجتماع أدان “الإبادة والتهجير العرقي والتجويع والحصار وأنشطة الاستعمار”، محذراً من أن هذه الأعمال تهدد السلام في المنطقة وتقوض الجهود لتطبيع العلاقات مع الدول العربية.
وصف رئيس وزراء قطر الهجوم على الدوحة بـ”الهمجي” ودعا إلى اتخاذ إجراءات حاسمة وقوية رداً عليه، مؤكداً دعم الدول العربية “لإجراءات قانونية” لحماية سيادة قطر ومطالباً المجتمع الدولي بالتخلي عن معايير مزدوجة في التعامل مع إسرائيل.
أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط اعتبر أن “الصمت وعدم التحرك” شجعا إسرائيل على ارتكاب جرائمها “بكل إفلات من العقاب”، ودعا الدول العربية والإسلامية لمساءلة إسرائيل عن “جرائم حرب موثقة”، بما في ذلك قتل المدنيين وتجويع السكان وتشريدهم.
أدنان حياجنه، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر، قال للجزيرة إن المزاج الإقليمي تغيّر: “على الولايات المتحدة أن تستيقظ لحقيقة أن هناك ملياري مسلم حول العالم مُسَتَهَت بكرامتهم، وهذا مجرد البداية.” «ليست الهجمة على قطر وحدها، بل هي استمرار لعملية زعزعة استقرار كامل المنطقة»، قال.
يحمل رجل جثمان الطفلة الفلسطينية نور أبو عودة (ثلاث سنوات)، التي قُتلت في غارة إسرائيلية على قطاع غزة، في مستشفى الأقصى بدير البلح، بتاريخ 14 سبتمبر 2025 [عبد الكريم حنا/أسوشييتد برس]
العلاقات الأميركية–الإسرائيلية لا تزال قوية
أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن الروابط مع الولايات المتحدة بقيت متينة، رغم توجس واشنطن من الضربة في الدوحة. واستضاف نتنياهو وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في القدس، قائلاً إن العلاقات «قوية ومتينة كحجارة حائط المبكى».
ادعى روبيو أن الرئيس ترمب «غير سعيد» بالهجوم الإسرائيلي في الدوحة، لكنه أصر أن العلاقات الأميركية–الإسرائيلية «قوية جداً».
ونقلت الجزيرة عن حمدة سلهوت من عمّان أن الولاات المتحدة تحاول احتواء تداعيات الحادث. وقالت: «من المؤكد أن واشنطن ستقوم ببعض عمليات ضبط الضرر، وتؤكد أن الضربات على الدوحة لن تغير من العلاقة مع إسرائيل، لكن ثمة محادثات لا بد أن تُجرى».
وفي الوقت نفسه، تعهّد وزراء إسرائيليون بمواصلة مطاردة قيادات حماس في الخارج. وصرّح وزير الطاقة إيلي كوهين: «لا يمكن لحماس أن تنام بطمأنينة في أي مكان في العالم»، مضيفاً أن ذلك يشمل تركيا العضو في الناتو.
وقال وزير آخر، زئيف إلكين: «سنلاحقهم ونسوي الحساب معهم أينما كانوا».
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية لاحقاً أن رئيس الموساد ديفيد بارنيا عارض الضربة على الدوحة، خشية أن تُفشل مفاوضات التهدئة. وكتب أحد عمّال الرأي في صحيفة معاريف أن بارنيا يرى أن قيادات حماس «يمكن إقصاؤهم في أي لحظة»، لكنه حذر من أن مهاجمة الدوحة قد تغرق صفقة إطلاق الأسرى الذين أخذتهم حماس من إسرائيل خلال هجوم 7 أكتوبر 2023.
ومنذ أن شنت إسرائيل حربها على غزة عقب هجوم حماس، قُتل على الأقل 64,871 فلسطينياً وأُصيب 164,610، وفق وزارة الصحة في القطاع.
وفي شأن منفصل، ذكرت صحيفة هآرتس أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تعالج نحو 20,000 جندي جريح، أكثر من نصفهم يعانون من صدمات نفسية، وتشير التقديرات إلى أن هذا الرقم قد يرتفع إلى 50,000 بحلول عام 2028.