خبير في اقتصاد حماس يؤكد أن تدفق المدنيين من غزة بات يشكّل الآن مشكلة استراتيجية للحركة. مع تراجع الروح المعنوية وارتفاع التكاليف، يختار عدد متزايد من السكان الرحيل، ما يقلص من نفوذ حماس تدريجياً.
تتوسع موجة المغادرة من مدينة غزة، مدفوعة بانهيار المعنويات وخوف كثيرين من العودة إلى ما قد لا يكون موجوداً، وفق ما قال ايال أوفر لصحيفة معاريف. هذا التحوّل يشمل أنحاء غزة كلها، حيث تزن العائلات بين الإجلاء المتكرر والدمار الواسع وصدمة الأسعار التي تجعل البقاء أمراً غير ممكن.
على مدى العامين الماضيين، اتخذ كثير من سكان مدينة غزة المسار نفسه ثلاث مرات: من غزة إلى رفح، ثم عودة إلى غزة، والآن نزوح مرة أخرى نحو الجهوب. بخلاف موجة الفرار الأولى خلال الحرب والارتياح الجزئي لدى من عادوا بعد صفقة الرهائن في يناير، وصل جزء من السكان إلى نقطة الانهيار.
كأدلة، أشار أوفر إلى قفزات حادة في تكاليف النقل رُصدت في قنوات تلغرام وإكس. إذ ارتفعت أجور الشاحنات من حي الرمال إلى الجنوب إلى نحو ٣٠٠٠–٤٠٠٠ شيكل، بعد أن كانت تقارب ١٥٠٠ شيكل قبل أيام قليلة فقط. ويفسر السكان الارتفاع بارتفاع أسعار الوقود: إذ تقترب قيمة الليتر من ١٠٠ شيكل، والرحلة ذهاباً وإياباً تستغرق ساعات وتستهلك نحو عشرة لترات، ما يجعل تكاليف الوقود وحدها تقارب ١٠٠٠ شيكل. في الجنوب، الشقق شحيحة وغالية، وبعض الإعلانات تصل إلى ٨٠٠٠ شيكل شهرياً، وأراضٍ لإقامة الخيام تُعرض بألف شيكل.
«التضامن الاجتماعي الذي كان لا يزال قائماً في غزة يتلاشى»، قال أوفر، واصفاً سوقاً يكسب منها «كل من استطاع الربح من الوضع». وبعد مشاهد الدمار في مناطق شمالية مثل الشجاعية ورفح، تشكّك بعض العائلات في وجود منازل للعودة إليها، فتغادر ومعها أكبر قدر ممكن من متاعها.
تقدير حماس تحت الضغط
حذر أوفر قبل عام من أن مركز ثقل حماس يقوم على «المنزل والناس». بينما يركز الجيش الإسرائيلي على الضربات الدقيقة ومحاور الأنفاق، تقلق حماس بشدة من مغادرة المدنيين من دون نية للعودة، لأن السكان يخدمون الحركة كـ«درع بشري» أو كصور تُستخدم في حملتها الإعلامية. ولذا دفعت السلطات التابعة لحماس برسائل «لا تُخلّوا منازلكم» عبر بيانات رسمية ومنشورات مزوّرة وتهديدات وفيديوهات لمظاهرات. ومع وصول الضربات إلى مناطق الخيام الساحلية، انضم آلاف المشاة إلى زحام الشاحنات المتجهة جنوباً، مما يشير إلى أن الحملة للحفاظ على الناس في أماكنهم تفقد فعاليتها.
السؤال المفتوح والمخاطر الاستراتيجية
في جولة سابقة، بقي نحو ٣٥٠ ألف شخص في شمال غزة. اليوم، يقدّر أوفر أن العدد تقارب ضعفه، محشورين في مساحة أصغر بغرب مدينة غزة، والسؤال المركزي كم منهم سيقرر البقاء مهما كلف الثمن. «الحرب أولاً بلغترة إرادة»، كما قال، مستدركاً أن استمرار تدفّق المدنيين سيضعف نفوذ حماس بشكل أكبر.
وعلى وسائل التواصل، يتوسل كثير من الغزيين: «افتحوا معبر رفح فقط. من هناك سندبر أمورنا بأنفسنا».