احتُفل بمواجهة الهند الأخيرة مع باكستان في كأس آسيا كحدث وطني: فوز مُهَديّ إلى القوات المسلحة وإلى ضحايا هجمات بَهلغام. لكن هذه التصريحات تكشف عن أمور أعمق؛ سياسة تُلعب بالرياضيّات، ونفاق يُلبَس ثوب المبادئ.
تحت هذا العرض الرمزي يكمن تناقض صارخ لا يمكن تجاهله. الأمر لم يعد مجرد مباراة؛ بل مسرحية باردة تُديرها أجهزة ونقاد ولاعبون يحاولون الإبحار في قاربتين معاً. النفاق واضح لمن يمتلك بصيرة.
في جوهر هذا التناقض علاقة الهند وباكستان في لعبة الكريكيت. رسمياً ترفض الهند المبارات الثنائية مع باكستان: لا جولات، لا سلاسل ولا دبلوماسية رياضية. التبرير سيادي وأمني، خاصة بعد الاحتكاك الذي حدث بين الجارين الجنوبيين في مايو.
الفنانون الهنود مُنعوا من التعاون مع نظرائهم الباكستانيين. مطربون وممثلون باكستانيون كانوا يحظون بشعبية في الهند قُطعوا على وسائل التواصل الاجتماعي وخارجها. والمشاهير الهنود أنفسهم يتعرّضون للسخرية والشتائم بسبب تعاون سابق جرى على أرض محايدة.
ومع ذلك، يشتعل الحماس في نفس المنظومة حين تواجه الهند باكستان في بطولات متعددة الدول. تُعرض المباريات كمشاهد ضخمة، تُسوَّق على أنها «أعظم خصومة» وتُستغل بعوائد إعلانية بمليارات الروبيات والدولارات.
هذه الازدواجية ليست صدفة. جاي شاه، الذي يشغل الآن منصباً قيادياً في مجلس الكريكيت الدولي، اتُّهِم بالضغط على منتخب الهند للمواجهة مع باكستان رغم تردد داخل المعسكر. وادعى النائب سنجاي رات مؤخراً أن يد شاه فرضت القرار، فصار اللقاء التزاماً بدلاً من كونه اختياراً.
إن صحت هذه الادعاءات، فإنها تُظهر إلى أي مدى تسلل السياسي إلى ادارة الكريكيت الهندية خدمةً للمال والنفوذ. لم تعد اللعبة مجالاً رياضياً بحتاً، بل أصبحت وسيلة لمعارك رمزية تُحسم في غرف الاجتماعات لا في غرف خلع الملابس.
يشتد النفاق عندما ننظر إلى المناخ الداخلي. بينما يتعرّض هنود في مجالات أخرى لحملات افترائية على الإنترنت لتعاونهم مع باكستانيين قبل التصعيد، يُعَلَّق لاعبو الكريكيت على أعمدة مَجْد بعد هزيمة باكستان. المسألة ليست فقط ازدواجية معايير؛ إنها استغلال محسوب للمشاعر.
يسمح بالكريكيت كالمجال الوحيد «للاتصال» لأن الكرة تجلب مبالغ لا تجنيها كثير من المجالات في الهند. يُبرر حظر التبادل الثقافي بالوطنية، لكن الكريكيت تُستثنى باسم الالتزامات المتعددة الأطراف والنجاة التجارية. إهداءات الانتصارات إلى الجنود وضحايا الإرهاب تعمل كغطاء أخلاقي لصفقات جوهرها تجاري. هذا نفاق ورمزية خاوية.
إذا أصرت الهند على إدخال السياسة إلى الرياضة، فالتسقّط يقتضي مزيداً من الاتساق. انظر إلى الرياضيين المسلمين والدول التي ترفض مواجهة منافسين إسرائيليين: هم يتخلّفون عن مباريات، يخاطرون بعقوبات ويواجهون حظرًا. مهما كانت آراؤك السياسية، فإن أفعالهم واضحة وحاسمة ومكلفة؛ يقفون ويتحمّلون العواقب.
ترفض الهند المباراة الثنائية مع باكستان لكنها تلاعبها في بطولات المجلس الدولي لأن المال كبير جداً ليفقد، وخصوصاً عندما يعود معظم دخله عبر المشاهدة والرعايات والإعلانات المحلية. تحاول الإبحار في قاربتين: تلوّح بالوطنية بيد وتحصّل الأرباح باليد الأخرى. إهداءات الانتصارات للجيش لا تمحو التناقض؛ بل تُظهره.
الخصومة بين الهند وباكستان في الكريكيت فقدت كثيراً من رونقها التنافسي. الهيمنة الهندية على المباريات الأخيرة ناتجة عن تردي مستوى المنتخب الباكستاني؛ فقد غابت الإثارة، لكن الدعاية المُصطنعة لا تزال قائمة.
الناقلون والبائعون الإعلانيون يصنعون من المباراة حدثاً يهيمن على شاشاتهم وكأنه يقرر مصير أمم، بينما الواقع أنه يقرر مصير صفقات الرعاية. القيمة الرياضية تُفرَغ من محتواها، والإيماءات الرمزية بعد كل فوز تزيد المشهد تهويلاً. ففي المباراة الأخيرة رفض اللاعبون الهنود مصافحة نظرائهم الباكستانيين.
هذا التنافر يحوّل الوطنية إلى علامة تجارية ويقوّض كرامة الخطاب الوطني. على مجلس الكريكيت في الهند، وعلى قيادات المجلس الدولي، وعلى الأصوات السياسية القريبة من اللعبة أن تواجه هذا التناقض. لا يمكن للكريكيت أن تبقى في آن واحد تجارة وساحة معركة. خصومة بلا جوهر رياضي وممتلئة بالرموز لا يصلح لها البقاء. ضحايا بَهلغام يستحقون التضامن، لكن لا يجب أن يُستعملوا دُمى في مسرح كروي. الرياضة تستحق التحرر من الرمزية الشكلية.
بدلاً من الاستمرار في هذا النموذج الهجين من الانتهازية، أمام الهند خياران: إما رفض مواجهة باكستان كليةً، في كل الصيغ بما في ذلك بطولات المجلس الدولي، لتطابق الأقوال مع الأفعال على أعلى مستوى — وهو قرار مكلف من حيث العقوبات والإيرادات لكنه على الأقل متسق؛ أو قبول اللعب مع باكستان كجزء من الرياضة مع نزع السياسة والهدايا الرمزية عن الملعب، بمعنى أن تُعامل الكريكيت ككريكيت لا كمسرح للوطنية.
على مؤسسة الكريكيت الهندية أن تختار مساراً واحداً. إن أرادت السياسة في الرياضة، فعليها شجاعة الاتساق؛ وإن أرادت إبعاد السياسة، فيجب أن تقصّ الرموز الفارغة والادّعاءات الوطنية. لا يمكن الاستمرار في الإبحار على قاربتين. هذا الخداع لا يخدع أحداً داخلياً ولا خارجياً. النفاق يُقلّل من قيمة اللعبة ومن كرامة الأمة.
المواقف المعبر عنها هنا هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة موقف شبكة الجزيرة التحريري.