في أواخر أغسطس، سربت وسائل إعلام أرجنتينية تسجيلات صوتية تُظهر دييغو سبانيولو، مدير الوكالة الوطنية لشؤون ذوي الإعاقة آنذاك، وهو يناقش ما يُزعم أنه عمولات مقابل عقود مع شركات أدوية، فما كان من الرئيس خافيير ميلي إلا أن أقاله فوراً. ومع أن الإقالة عادة ما تطفئ مثل هذه القصص، إلا أن الفضيحة لم تتوقف، بل أصبحت محور السرد السياسي في الأرجنتين وهنالك ظلال من القلق تخيم على حكومته قبيل انتخابات التجديد النصفي الحاسمة أواخر أكتوبر.
الخطورة في التسجيلات لا تكمن في كون سبانيولو موظفاً عشوائياً متورطاً في قضية فساد هامشية، بل في أنه كان محامي ميلي الشخصي لسنوات ومقرباً حميماً له، ما يجعل الاتهامات تمس نواة شبكة الثقة المحيطة بالرئيس. الأسوأ أن التسجيلات تذكر تحويل مبالغ إلى كارينا ميلي — أخت الرئيس ورئيسة مكتبه وأقرب معاونيه — عبر وسيط آخر مقرب، إدواردو «لولِ» منيم. ومنذ انتخاب ميلي، كثير من وسائل الإعلام عرضت كارينا كمن تلعب دور السيدة الأولى الفعليّة في بلد يُعرف فيه الرئيس بأنه أعزب؛ وجودها أصبح جزءاً لا يتجزأ من هوية حكم ميلي، وطردها سيكون أمراً محرجاً سياسياً وشخصياً على حد سواء.
صعود ميلي إلى الرئاسة أواخر 2023 استند إلى صورته كـ«متمرد شعبي» ضد طبقة سياسية فاسدة، وساعده على ذلك تقديمه نفسه كخارج عن المنظومة. الاقتصادي في الأصل، ميلي معروف بمواقفه الليبرترية المتطرفة وبعض اختلالاته الشخصية التي تحولت إلى سمات ثابتة في إعلامه العام—من ذلك تصريحه عن مستشارهين غير اعتياديين، من بينهم كلابه المستنسخة التي يدّعي التواصل معها نفسياً.
قبل هذه الفضيحة، أثار ميلي جدلاً هذا العام بعد ترويجه على حساباته لمشروع عملة رقمية تبين لاحقاً أنه احتيال؛ الكثير خسروا استثماراتهم بمئات الملايين من الدولارات بعدما باع مبتكرو العملة ممتلكاتهم عند الذروة وهبط السعر لاحقاً، ومع ذلك نجح ميلي في تجاوز الجلبة ودفن التحقيق لفترة، رغم تعهّد معارضيه في الكونغرس بمواصلة المتابعة. ولأغراض الناخبين، لم تضر فضيحة العملات المشفرة بصورة ميلي كسياسي غريب الأطوار بقدر ما ألصقت به طابعاً «غير تقليدي».
أرجنتينيون صوتوا لميلِي لأنهم اعتقدوا أنه قد يغير الواقع الاقتصادي المزري: في وقت فوزه كانت البلاد في ركود، والتضخّم السنوي تجاوز 200 في المئة، وفقدت العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها في السوق السوداء خلال عام واحد، بينما اتسع العجز المالي إلى نحو 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي. بالنسبة لشريحة من الناخبين كانت غرابة ميلي دليلاً على أصالته وابتعاده عن السياسيين التقليديين، وكان عرضه لأسلوب مختلف في الحكم سبباً رئيسياً في تفوقه على مرشّح الائتلاف الحاكم سيرجيو ماسّا وعلى مرشّحة اليمين الوسط باتريسيا بولريتش.
ما يجعل تسريبات سبانيولو قابلة للفهم على نطاق واسع هو بساطتها: محامٍ مقرب يتقاضى نسبة عمولة 8% من عقد ما، و3% مُعدّة لشقيقة الرئيس—قصة فساد يمكن للمواطن العادي استيعابها أسرع بكثير من مخطط تضخيم ثم بيعّة عملة رقمية. والأهم أن تلك الأموال المزعومة تؤثر مباشرة على حياة الناس في ظل تقليصات كبيرة أجرتها الحكومة على الرعاية الصحية والمعاشات العامة والتعليم، ما يجعل الغضب الشعبي ملموساً.
تأثير الفضيحة انعكس فوراً في انتخابات المقاطعات التي جرت في 7 سبتمبر في مقاطعة بوينس آيرس، أكبر الدوائر الانتخابية بالبلاد: حزب ميلي «الحرية تتقدم» خسر أمام بيرونِستِيه الحاكم بفارق 47% مقابل 34%—هامش 13 نقطة قد يعني أداءً أقل بكثير مما كان متوقعاً لحزب ميلي في انتخابات التجديد النصفي المقبلة. النتيجة أضعفت قيمة البيزو في السوق السوداء، حيث تراجع العُرض عن مستوى 1400 بيزو للدولار الذي كان ميلي يحاول الدفاع عنه، كما تضررت أسواق السندات والأسهم وسط ارتفاع تكلفة الاقتراض بعد تحسّن الآمال بها في بداية عهد ميلي.
صحافي أرجنتيني، خورخي فونتيفيكيا، كتب أخيراً عن احتمال انزلاق رئاسة ميلي إلى ما يسميه «متلازمة السنة الثالثة»: نمط تاريخي شهدته الأرجنتين، ففي 2021 خسرت السلطة الحاكمة انتخاباتها النصفية ما مهّد لسنوات لاحقة مشحونة بالصراعات الداخلية، وفي 2018 انفجر الدعم السوقي لإصلاحات ماوريسيو ماكري خلال السنة الثالثة من ولايته، والأمثلة التاريخية تمتد إلى 2001 عندما اضطر الرئيس فرناندو دي لا روا إلى الفرار من قصر الرئاسة وسط انهيار اقتصادي.
المستثمرون وصندوق النقد الدولي راهنوا على أن «هذه المرة مختلفة» وأن سياسات ميلي ستحقق انفراجة مالية: خفض العجز وتراجع التضخم إلى ما يقارب 2% شهرياً يعدان بُرهاناً من منظور مؤسساتي. لكن المواطنين لا يشعرون بنفس التفاؤل: الفقر ارتفع، والبرامج الاجتماعية، بما في ذلك المعاشات التي تشكل شبكة أمان لآلاف العائلات، تعرّضت لخفض كبير. حتى لو كان التضخّم منخفضاً نسبياً مقارنة بما سبق، فإن القدرة الشرائية لا تزال متدهورة والأجور لم تساير الأسعار.
لو كان همه الوحيد توازنات الموازنة، فقد نجز ميلي إنجازاً اقتصادياً، لكن كما قال سياسي أرجنتيني سابق: الناس لا يأكلون الأرقام المالية. ربما كان الناخبون سيغضون الطرف عن بعض التجاوزات لو شعروا أن سياسات ميلي تحسّن حياتهم اليومية؛ لكن حين يسود الألم الاقتصادي، فإن اتهام محامي الرئيس وشقيقته بالاختلاس بالذات هو نوع الفضيحة الذي يترجَم عقاباً انتخابياً.
سنة ثالثة سيئة لميلِي ستترك البلاد أمام خيارات محدودة: المستثمرون وصندوق النقد قد يعاقبون الأرجنتين إذا انعكس غضب الناخبين ضد نهجه الصادم في الاقتصاد والميزانية، ما يعني أن نتائج التغيير المتوقع قد تنتهي إلى تكرار إخفاقات سابقيه.
جيمس بوسورث هو مؤسس شركة Hxagon للتحاليل السياسية والبحوث المتخصّصة في الأسواق الناشئة والحدودية، وله خبرة تمتد لعشرين عاماً في شؤون السياسة والاقتصاد والأمن في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.