كيف يمكن للطلاب أن يتعلّموا أكثر من «الآخرين» بدل أن يقتصروا على المعلم؟
في عام 2015—وحديثاً مَرحَّلتها في 2024—نشرت مقالة تدور حول فكرة بسيطة لكنها جوهرية: التعليم المعاصر يعتمد إلى حدّ كبير على الوصول إلى المعلومات، وعلى الشبكات، وعلى المساحات المختلفة، وعلى التخصيص. ومن المستحيل عملياً أن يتولى معلم واحد كل هذه الأدوار بمفرده. الواقع أن منظومة التعليم كما نمارسها اليوم وعدت بأشياء كثيرة وحمّلت المعلمين أعباءً ضخمة تتجاوز طاقة الاستدامة؛ فهم، رغم كل جهودهم في توفير الأمان والرعاية والبحث عن أفضل ما ينفع التلاميذ، لا يستطيعون تلبية كل توقعات المجتمع بمفردهم.
الردود على الفكرة لم تكن متردّدة. بعد تحديثي للمقال ومشاركته على منصات التواصل الاجتماعي، واجهت ردود فعل سريعة وقاسية: استهجان اعتبر الفكرة «هراء»، تعبيرات اشمئزاز عبر رموز تعبيرية، رفضٌ كامل للمقترح وحتى نقد للمنصة ككل، ورأي يقول إن المعلم هو المصدر الأهم والدافع الأقدر للتعلّم داخل الصف. كذلك طُلب مني دليل تجريبي قوي يدعم الفكرة. هذا طلب مشروع؛ لكنني أرى أن الحجة الأساسية—أن المعلمين مثقلون وأن الطلاب اليوم يملكون وصولاً لمصادر لا محدودة مقارنة بالماضي، وأن استثمار هذه المصادر قد يخفف العبء على المعلم—لا تحتاج إلى برهان تجريبي مفصّل لتبدو معقولة.
الهدف الأساسي الذي أقصده هو تشكيل منظومة تعليمية؛ منظومة تقوم على الإبداع والاهتمام والإمكانيات التي يجلبها الطلاب عند اشتغالهم في مواضيع تهمّهم، في مشكلات يودّون حلّها، وفي فرص يسعون لاقتناصها. في مثل هذه المنظومة، تصبح مصادر الإلهام والمعلومات والأشخاص والأماكن أكثر تأثيراً وجاذبية من الاعتماد الحصري على شخص واحد داخل الغرفة الصفية. هل يمكن أن يكون هذا مثيراً للجدل؟
هل المعلم عنق زجاجة أم مجرد موظف مُثَقّل؟ وما الفرق؟
في المقدمة شرحت السياق: من هو العامل الأكثر ثباتاً ومحفّزاً في عملية التعلّم؟ غالباً سيكون المعلم: خبير في المحتوى وفي طرائق التدريس، ويعرف ما الذي يجب تعلمه وكيف. لكن المعلم محدود. وجوده منفرداً داخل الصف يعني حدّاً للوقوف عنده كمصدر وحيد للمعلومة؛ له تحيّزات ذاتية يرى من خلالها الأشياء مهما حاول أن يكون متعاطفاً ومنفتحاً. في صف يعتمد على المعلم مركزياً، يصبح المعلم عنق زجاجة يبطئ أو يحدّ من الانتشار الطبيعي للتعلّم.
وهنا أصلُ إلى فكرتي: الاستدامة تأتي عبر خلق نظام بيئي للتعلّم يعتمد على المعطيات التي يقدمها الطلاب—اهتماماتهم، فضولهم، وطاقاتهم الإبداعية—بدلاً من الاعتماد فقط على سلطة معلم واحد.
أهمية المعلمين
طبعاً المعلمون مهمّون. أعتقد أن جزءاً من سوء الفهم نابع من قراءة سريعة للمقال أو من التركيز على فكرة أن المعلم لا ينبغي أن يكون مركز الكون التعليمي. قد يُساء تفسير ذلك على أنه إنقاص من قيمة المعلم أو الاعتقاد بأن الكتب والتطبيقات أفضل من المدرّس. هذا ليس مقصودي. كل معلم يودّ—منطقيّاً—أن يحصل طلابه على أفضل بيئات التعلم وأفضل الفرص ليصبحوا أفضل ما يمكن أن يكونوا.
لماذا إذن هذا الجدل؟ ولماذا يكون البعض غاضباً من فكرة من يساعد على تحقيق ذلك أو من يوزع نسبة المسؤولية بين عناصر المنظومة؟
هل المعلمون لا يستحقون النقد؟
بصفتي كاتباً وممارساً، أؤمن أننا لا نمارس أفضل فكرنا دائماً. هذا يفرض علينا، كمجتمع مهني، أن نقيّم ممارساتنا وننتقدها أحياناً—ومن الأفضل أن يبدأ النقد الذاتي. عندما ننتقد نظم وسياسات وممارسات، قد يأخذ بعض الناس الأمر بشكل شخصي؛ وهذا أمر مفهوم. خصوصاً وأن سنةً كاملة مضت زادتها الجائحة تعقيداً: التعليم أصبح مهمة أكاديمية ونفسية واجتماعية في آن واحد، ومع تلاطم آثارِ الوباء الاجتماعيّة والاقتصادية، صار المعلمون مرهقين ومفتقريْن إلى الدعم والاحترام والتمويل.
هل هذا يجعل الانتقاد غير لائق؟ لا. بل يعزّز نقطتي: النموذج القائم للتدريس ليس مستداماً ولا يخدم غالبية الأطفال بالشكل الأمثل. مهما بذلنا من جهود فردية، يبقى ما نملكه من أدوات وممارسات أقل مما يحتاجونه تلاميذنا حقاً.
ما الذي يحتاجه المعلم اليوم؟
المعلم الذي يعرف قيمته ودوره سيبحث عن وسائل للتوسّع في تأثيره: أتمتة مهام متكررة، شبكات بشرية للتعاون، بث مباشر، أنظمة تعلم تكيفيّة، وأدوات تتيح للطالب أن يتواصل مع مصادر متعددة. كل ما يساعد على تيسير التعلّم بصُورته المتعددة يعدّ مفيداً. أريد أن أترك أثراً في حياة طلابي، لكني أفضّل أن يكون ذلك عبر وسائط ومصادر متعددة—بواسطة وُسَطاء—لا أن أكون العنصر الأكثر بقاءً في ذاكرتهم بعد كل ما تعلموه.
بعد أن أعرّف الطلاب على القواعد النحوية والأساليب الأدبية وفولكنر وتوني موريسون وديكنسون وطرح الموضوعات النمطية وشكسبير، سأشعر بخيبة لو كان الانطباع الأكثر رسوخاً عن تجربتهم في صفي هو «أنا فقط» بدل أن يكون ثراءً من أعمال وأفكار ومشروعات وكلمات ونقاشات كثيرة. أريدهم أن يتذكّروا العالم الذي فتحته لهم، لا أن يتوقفوا عند شخصي. بالتأكي، هذا هو الطموح.