كيف تُفكك الرسوم الجمركية الأميركية صناعة النسيج الهندية حرب تجارية

لودهيانا — على أرض إحدى مصانع الغزل في لودهـيانا يقف بانكاج كومار، البالغ من العمر 29 عاماً، عند محطته، وأصابعه تتحرك بسرعة خارقة وهو يربط الخيوط المتكسّرة ويغذّي زمام الغزل. ستتجه هذه الخيوط قريباً إلى المصانع النسيجية في المدينة لإنتاج ملابس صوفية وجوارب وقطع جاهزة أخرى، الكثير منها مخصص للسوق الأميركية.

يعمل كومار في مصانع غزل مختلفة منذ قرابة عقد، لكن الأربعة أشهر الماضية كانت في هذه الوحدة التي تؤمن له دخلاً شهرياً بلغ 18 ألف روبية (نحو 203.87 دولار). ومع فرض الولايات المتحده رسوماً جمركية بنسبة 50 في المئة فقد بات دخله مهدداً بالضياع. يقول متسائلاً: «لا أعلم ماذا سيحصل. صاحب المصنع يقول إنه لا يعرف إلى أي حد سنصنع في الأشهر المقبلة، قد لا يحتاجونني».

تراجع الطلب على الخيوط بنحو 30 في المئة خلال أسبوعين فقط منذ أن أعلنت واشنطن عن رسمٍ شامل على الواردات الهندية بنسبة 50 في المئة — فرضٌ دخل حيز التنفيذ بالكامل في 27 أغسطس، بعد أن طُبّق أولاً رسم قدره 25 في المئة في 7 أغسطس ثم ضاعف لاحقاً كعقوبة على واردات الهند من النفط الروسي. راجيش كومار، مدير الوحدة، قال للقناة إن المصانع المحلية التي يوردون إليها تحذّر من غموض في الطلب الأميركي المستقبلي، وأنه «حتى تتضح الصورة لا يمكن التخطيط لإنتاج جديد».

أدانت نيودلهي رفع الرسوم ووصفتها بأنها «غير عادلة» و«لا مبرر لها»، لكن الصدمة بدأت تتسرب إلى وحدات النسيج في أنحاء البلاد. يساهم القطاع بنحو 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للهند، و13 في المئة من الإنتاج الصناعي، و12 في المئة من إجمالي الصادرات. كما أنه ثاني أكبر مصدر للتوظيف بعد الزراعة، ويوفر أعمالاً مباشرة لأكثر من 45 مليون شخص، منهم نسبة كبيرة من النساء والعمال الريفيين.

الضربة قاسية لأن الصناعة تعتمد اعتماداً كبيراً على الولايات المتحدة، التي تُعد من أكبر أسواق الهند للنسيج والملابس. في 2024 زوّدت الهند نحو 6 في المئة من واردات الملابس الأميركية، بقيمة تقديرية بلغت 4.8 مليار دولار، ما شكّل قرابة ثلث صادرات الهند من الملابس وحصة معتبرة من صادراتها النسيجية الأوسع.

يقرأ  قافلة مساعدات لغزة: قارب تعرض لهجوم بطائرة مسيّرة قبالة سواحل تونس

لا أوامر جديدة

تُعد لودهـيانا، أحد أكبر مراكز النسيج في ولاية البنجاب بشمال غرب الهند، من أكثر المدن تعرضاً للخطر. تشحن المدينة سنوياً ما يقرب من 700 مليون دولار من الجوارب والقطع المحبوكة، لا سيما الصوفية، إلى الولايات المتحدة، ويعمل فيها أكثر من 500 ألف عامل.

آشوين أغاروال، مسؤول صادرات الملابس في شركة ناهر إندستريز التي تورد لعلامات تجارية مثل GAP وتومي هيلفيغر وفيلبس-فان هيوسين في السوق الأميركية، قال إن شركته تُصدّر ما بين 35 إلى 40 مليون دولار سنوياً من الملابس، وإن الأعمال تباطأت بشكل كبير منذ تطبيق رسم الـ50 في المئة. «لم نتلقَ أي أوامر جديدة منذ الإعلان»، وأضاف: «العلامات التجارية الصغيرة التي كانت تشتري منا أبلغتنا بالفعل أنها لن تضع طلبات بعد الآن. الأكبر منها، المرتبط بعقود طويلة، سيسمح على الأقل بإكمال دورة الإنتاج الحالية — لكنهم يصرّون أن نتحمّل جزءاً من الرسوم بنسبة 25 في المئة. هذا يجعل العمليات قاسية جداً، وهوامش الربح تنهار. إذا لم نجد بدائل للبقاء قِدْرَ المنافسة قد نُضطر لتسريح عمال».

الاقتراح الأولي للرئيس ترامب في أبريل، الذي بدأ برسوم عالمية 10 في المئة وحدّد معدل الهند عند 26 في المئة، أقلّ من منافسيها مثل بنغلاديش وفيتنام والصين، أعطى أملاً مؤقتاً بتوسيع حصة الهند في سوق الملابس الأميركية البالغ 16 مليار دولار. لكن مع وضع الهند الآن في أعلى شريحة رسومية — بالمقارنة مع 20 في المئة لبنغلاديش وفيتنام، و19 في المئة لباكستان، و30 في المئة للصين — تلاشت هذه التوقعات.

حذّرت غرفة صناعة الهند (CII) من أن رفع الرسوم قد يكون مدمّراً. ووصف أمِت ثابار، رئيس لجنة ترويج الصادرات في الإقليم الشمالي لدى CII، القرار بأنه «ليس مجرد ضربة لأرباحنا — بل ناقوس موت لتنافسيتنا وبقائنا». ونبّه إلى أن حتى المواد الخام التي تستوردها الشركات الهندية لصناعة منتجاتها تواجه هذه الرسوم، معتبراً أن الإجراء أشبه بالعقاب ويثير مخاوف جدّية بشأن اضطراب سلاسل الإمداد.

يقرأ  النسيج الجماعي لسونيا كلارك

لودهيانا ليست الوحيدة المعرضة للخطر؛ هناك مراكز نسيجية أخرى غنية بالأنشطة مثل تيروبور، بانِيبات، سورات، بيكانر، وكويمباتور تواجه ظروفاً هشة. بانِيبات في هاريانا، واحدة من أكبر مراكز تدوير النسيج في العالم وأكبر مورد بالهند للبطانيات والسجاد وخيوط الـshoddy، تحقق دورة مبيعات تصديرية تقارب 200 مليار روبية (حوالي 2.2 مليار دولار)، منها منتجات المنازل وحدها بقيمة نحو 120 مليار روبية (1.3 مليار دولار) تُصدر إلى الولايات المتحدة، أي ما يشكّل نحو 60 في المئة من إجمالي صادرات المدينة.

راكِش كومار جويل، الذي يدير وحدة صناعية في بانِيبات ويورد مناشف وأغطية وسجاجيد أساساً للبرازيل ودول أفريقية، كان في محادثات استكشافية لتوريد سلاسل للموزعين الأميركيين مثل وولمارت وإيكيا وH&M Home، لكن تلك الخطط توقفت فجأة. «إن بقيت الرسوم مفروضة فالموردون إلى الولايات المتحدة سيبدؤون بالبحث عن أسواق أخرى حيث قد نمتلك مكانة حالياً، وهذا سيزيد المنافسة علينا»، قال.

قال فينود داميجا، رئيس غرفة تجارة وصناعة هاريانا، إن بعض أصحاب المصانع ينظرون الآن في إعادة توجيه سلاسل الإمداد عبر دول مثل بنغلاديش أو فيتنام لتسهيل الصادرات إلى الولايات المتحدة. البعض يخطط لإنشاء مرافق مخازن في هذه الدول وإجراء عمليات مضافة بسيطة هناك، أو يجري محادثات مع مستوردين أميركيين للحصول على دعم إضافي يجعل هذا الترتيب مجدياً. مثل هذه الخطوات قد تقلّل من القدرة التنافسية للهند على المدى المتوسط، وتُسهِم في تغيير خريطة الإمداد العالمية لصناعة النسيج. ايرادات المصدرين وملايين الوظائف المحلية تقف الآن على مفترق طرق، والقرار الأميركي سيحدّد في الأسابيع والأشهر المقبلة أي السيناريوهين سيسيطر — التعافى عبر تكيف السلسلة العالمية أم تراجع واسع للأعمال. «لا شحنات أخرى»

إذا استمرت الرسوم الحالية سارية، فقد يشكل ذلك تحوّلاً جوهرياً في استراتيجية التجارة الدولية.

يقرأ  الذكاء العاطفي والقيادة المتمحورة حول الإنسان في صناعة التعلم الإلكتروني

في تيروبر، المدينة الجنوبية في ولاية تاميل نادو التي تمثل نحو 68 بالمئة من صادرات الهند من الملابس المحبوكة، توقفت الطلبات فور الإعلان عن رسم بنسبة 50 بالمئة في أوائل أغسطس. الضربة قاسية بشكل خاص لأن حزام النسيج في تاميل نادو كان قد استعد فعلاً لانتعاش في الطلب الأمريكي على خلفية الجولة الأولى من الرسوم الأعلى المفروضة على دول أخرى. استثمر كثيرون في آلات جديدة توقعاً لتدفّق أوامر شراء، بما في ذلك توقعات بزيادة الطلب نتيجة اتفاقية التجارة الحرة بين الهند وبريطانيا.

المشترون علّقوا طلبياتهم، وطالب بعضهم الموردين بتحمّل جزء من الرسوم. كل ذلك بذلته المصانع والمصدرون اختفى فجأة.

قال كومار دورايشامي، الأمين المساعد في جمعية مصدري تيروبّور، لقناة الجزيرة إنه عندما أعلنت الرسوم الأولية بنسبة 25 بالمئة أعطى المشترون الموردين مهلة وأمروهم بشحن ما هو جاهز بحلول 27 أغسطس مع قبول الموردين تحمل جزء من التكلفة. لكن مع إضافة 25 بالمئة إضافية، وُضعت الطلبات فعلياً على وقف تام.

وجّه رئيس وزراء تاميل نادو إم كيه ستالين مناشدة عاجلة إلى رئيس الوزراء ناريندرا مودي للتدخّل الفوري إذ تعتمد الولاية بدرجة كبيرة على السوق الأمريكية في صادراتها.

تتوزع نسبة كبيرة من هؤلاء العمال في منازلهم؛ الكثير منهنّ من النساء ويقعن في نهاية سلسلة الإنتاج، كما تقول ماري أنوكلاتام من منظمة الوعي الاجتماعي والتعليم الطوعي في تيروبّور. «التأثيرات المباشرة لم تظهر بعد لدى العاملات المنزليات، لكن إذا استمرت الرسوم فسوف تكون الأشهر المقبلة مدمّرة. تكسب النساء حالياً أقل من دولار واحد في اليوم وقد يحرمن حتى من ذلك.»

قال ثابر إنّ حتى لو لم تستطع الحكومة حماية هوامش أرباح المصدرين فإن دعمًا ما ضروريّ لتفادي الخسائر وتسريحات العمال. وحذّر من أنه من دون تدخل فوري هناك خطر حقيقي لفقدان وظائف في مراكز النسيج عبر البلاد.

أضف تعليق